مصير الشمال السوري
في الحقيقة فإن السؤال المتداول في جميع الأروقة اليوم هو (الشمال السوري إلى أين)؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نعرف أن مصير الشمال السوري مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسار الحل النهائي في سوريا وبالتالي سيبقى الوضع معلقاً كما هو إلى حين نضوج الحل السياسي وتوافق الفرقاء عليه باستثناء ما يتم من خروقات في قطاعات محددة ولأهداف ورسائل سياسية محددة تخدم أحداثاً في أوقات محددة أيضاً.
وللتأكد من صحة هذا الاستنتاج لن نجد كثير عناء فقد تم إيقاف الأعمال القتالية الواسعة منذ أكثر من ستة أشهر، وقد كان الخطاب الرسمي الروسي يقول بأن القتال بين قوات النظام والمعارضة قد انتهى والحل في الشمال السوري هو حل سياسي وهذا ما أكده مؤخراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من قلب العاصمة دمشق في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير خارجية النظام وليد المعلم.
أيضاً الموقف التركي الذي رفض رفضاً قاطعاً حشودات النظام في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي بل قابلها بإعطاء إشارة رفع الجاهزية القتالية للجيش الوطني المدعوم من تركيا وللقوات التركية الموجودة في الشمال السوري وبشكل خاص في إدلب، كما قابل المطالب الروسية بتخفيض عدد القوات التركية هناك بمزيد من الحشود والتعزيزات التي تحول دون إمكانية أي عمل عسكري واسع أو تقدم لقوات النظام وداعميه.
ولا ننسى الموقف الأميركي والغربي عموماً الذي يدعم الموقف التركي في ضرورة أن يكون الحل سياسياً وليس عسكرياً، فضلاً عن أن أي عمل عسكري واسع في بقعة جغرافية محدودة المساحة (6100 كم2) يسكنها حوالي 4 مليون إنسان سوف يشكل كارثة إنسانية يصعب على أي طرف تحملها.
أما من الناحية العسكرية فالمعركة تحتاج مقومات ودعم لوجستي من أسلحة وذخائر ووقود، فكيف يمكن للنظام الذي لا يحصل على مادة المحروقات إلا بشق الأنفس أن يؤمن وقود الدبابات والطائرات والعربات القتالية؟، حتى رغيف الخبز أصبح حلم المواطن في مناطق النظام، فضلاً عن شح في الدواء والتأمين الطبي عموماً، خصوصاً وسط الانتشار الكبير لوباء كورونا الذي صدرته إيران إلى مناطق النظام، ومن ثم دخول حزمة عقوبات جديدة من قانون قيصر الذي طال حتى مصرف سوريا المركزي في اقتصاد سوري مشلول أساساً الذي يعتمد منذ مدة من الزمن على الاقتراض من إيران وروسيا، وآخرها طلب النظام من حليفه الروسي قرضاً لتسديد رواتب جنوده وموظفيه إلا أنه لم يحصل عليه، وعلى ما يبدو أن الجانب الروسي بدأ يضغط على بشار الأسد في موضوع الديون.
ومن الجانب العسكري أيضاً فإن أية معركة مقبلة لن تكون كسابقاتها، فهي بالنسبة لمقاتلي الفصائل في الشمال السوري معركة بقاء إذ إنه لا توجد إدلب بعد إدلب اليوم، ولا يوجد مكان آخر للجوء إليه.
إذاً من الجانب السياسي فإن الأعمال العسكرية الواسعة مرفوضة من قبل الفرقاء الدوليين والإقليمين.
ومن الجانب الاقتصادي، فإن اقتصاد النظام ومعه إيران لا يؤهلهما لمواجهات كبرى، وحتى من الجانب العسكري فالمعركة اليوم لن تكون نزهة في جبال الزاوية ذات الطبيعة المعقدة والتضاريس التي تخدم الطرف المدافع.
وبالتالي فإن مصير الشمال السوري أمام أحد احتمالين لا ثالث لهما، إما ترسيخ مناطق النفوذ والتقسيم وإما حل سياسي شامل ينهي مسببات الصراع.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”