fbpx

مخيم اليرموك من عاصمة شتات اللاجئين إلى مشروع استثمار لتجار الحروب:

0 389

في عام 1948 لجأ جزء من الفلسطينيين ويقدر عددهم بحوالي الـ 100 ألف نسمة إلى سوريا، ووضع جزء منهم خيامهم على أطراف دمشق في المنطقة الجنوبية على أرض ٍقامت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين باستئجارها لهم، وأقاموا مخيم اليرموك، وبذلك لا يعتبر مخيم اليرموك مخيماً تابعاً لوكالة الغوث فحسب بل كان خدماتياً تابعاً لحكومة النظام بوجود بلدية مسؤولة عنه وقسم للشرطة يدير أموره أي كانت إدارته مشتركة بين الحكومة السورية ووكالة الغوث، ومع التطور تحول المخيم الذي تقدر مساحته بـ 2.11 كم مربع إلى مجمع سكني وتجاري كبير بل وأصبح يملك أسواقاً تكاد توازي وتتفوق على أسواق دمشق الكبيرة كالصالحية والحميدية.

بلغ عدد سكان مخيم اليرموك قبل موجة النزوح الكبير حوالي 500 ألف نسمة، منهم 150 ألف فلسطيني أي حوالي ثلث سكان المخيم، وبعد قصف طيران النظام للمنطقة لم يتبقى سوى بضعة آلاف من السكان الذين ليس لهم قدرة مادية على العيش خارجه وفي تلك الفترة سيطرة قوات المعارضة على المخيم والمناطق المجاورة له.

وفي عام 2014 ضرب النظام السوري والفصائل الفلسطينية الموالية له حصاراً شديداً على مخيم اليرموك فمنعوا عنه الغذاء والدواء وكل ضروريات الحياة ما أدى إلى وفاة العشرات من الأشخاص نتيجة الجوع الشديد واضطر السكان لأكل الأعشاب والأوراق وحتى الحيوانات الميتة لسد رمقهم وإسكات جوع أطفالهم.

وفي أوائل عام 2015 سيطر تنظيم الدولة على كامل المخيم بعد صراع مع قوات المعارضة وأعلن المنطقة الجنوبية إمارة له.

وفي أواسط عام 2018 حصل اتفاق على خروج داعش وتسليم المنطقة لقوات النظام السوري، ولكن الجدير بالذكر أنه ورغم الاتفاق الذي تم إلا أن قوات النظام السوري المدعومة روسياً استمرت بالقصف الشديد وبوتيرة عالية جديدة وبأسلحة مدمرة كأنها كانت تهدف إلى تدمير أكبر مساحة ممكنة من المخيم.

وبعد إتمام خروج داعش إلى البادية السورية قام النظام كما جرت العادة بتعفيش كامل المنطقة وإفراغها من كل ما بقي فيها بما فيها أسلاك الكهرباء الموجودة تحت الأرض، ليوصل رسالة للجميع أن لا أمل بالعودة إلى هذا المكان، وسمح للسكان بالدخول والخروج دون أن يسمح لهم بالبقاء داخله وفي نهاية 2018 قام بإغلاقه بشكل كامل.

وفي عام 2019 طلبت محافظة دمشق من أهالي المخيم إحضار أوراق تثبت ملكيتهم للبيوت والمحلات في المخيم لتسهيل عودتهم وأعلنت أنها بدأت بفتح الطرقات وإزالة الركام من الشوارع الرئيسية.

وكانت تكلفة هذ الإثبات في تلك الفترة تصل إلى حدود مئة ألف ليرة سورية وبعد أن قدم عدد لا بأس به تلك الأوراق قامت المحافظة بإيقاف تقديم الطلبات، وبعدها بعدة أشهر طلبت من الراغبين بالعودة إلى المخيم تسجيل أسمائهم في قسم اليرموك ودفع ألف ليرة، وأيضاً قام عدد كبير بالتسجيل لكن كما حدث من قبل دون أي جدوى.

وقبل عدة أيام أعلنت محافظة دمشق عن دخول أراضي مخيم اليرموك التابعة للحكومة في تنظيم لبناء مجمعات سكنية وأبراج كما في أحياء القابون وبرزة، وبموجب القانون يقسم المخيم إلى ثلاث وحدات عقارية بدل من واحدة، ويعامل المخيم كحي دمشقي لا مخيم تابع للفلسطينيين وبهذا يفقد المخيم حوالي 60% من مساحته ويسمح فقط لسكان الـ 40% المتبقية بالعودة وطبعاً لا عودة في الوقت الحاضر لأي كان باستثناء العائلات المتبقية في المخيم وعددها ألف عائلة التي لم تغادره نهائياً. ولا يوجد أي تعويضات أو بدل إيجار لأي من سكان المخيم نظراً لأنها أرض سورية ولعجز الدولة اقتصادياً عن دفع أي مستحقات.

وقد سمحت محافظة دمشق بالاعتراض على هذا التنظيم، بشرط إثبات الملكية لعقار موجود ضمن أراضي المخطط وتقديم الأوراق بشكل شخصي أو بموجب وكالة، وهذا ليس بالأمر السهل نظراً لمغادرة معظم سكان المخيم إلى خارج سوريا وفقدان معظم السكان لأوراقهم تحت أنقاض وركام منازلهم، مع دفع رسوم تقدر بـ 1000 ليرة عن كل عقار. ونظراً إلى رمزية المخيم وأهميته بالنسبة لسكانه خاصة وللفلسطينيين عامة كونه عاصمة الشتات فقد تجمع مئات من السكان أمام مبنى محافظة دمشق لتقديم اعتراضات، وقد قمنا بالحديث معهم وأخبرنا العم أبو خالد الذي يبلغ من العمر 70 عاماً يملك ثلاثة منازل ومحلاً لبيع الأدوات المنزلية: إنه لا يستطيع التخيل أن المخيم لم يعد موجوداً فذلك المكان المقدس لأبنائه لا يمكن أن يدمر أو ينتهي وتتحقق بذلك أمنية شارون أنه سيأتي يوم ويدمر مخيم اليرموك.

ووجه رسالة مفادها: إن المخيم يجب أن يبقى طالما بقيت القضية الفلسطينية وبقي اللاجئون في سوريا، فالمخيم بالنسبة لنا هو فلسطين الصغيرة فشوارعه وأزقته سميت بأسماء مدننا وقرانا التي هجرنا منها، وفي مقبرة الشهداء يرقد العديد من الشهداء الذين استشهدوا في لبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي أو اغتالهم الموساد في سوريا.

إزالة مخيم اليرموك تعني وبصريح العبارة إنهاء حق العودة، تمهيداً لإنهاء كامل القضية الفلسطينية، وبذلك تطبيق بنود صفقة القرن، التي يسعى ترامب مدعوماً بحلفائه لفرضها على الفلسطينيين والتي أهم بنودها إسقاط حق العودة وتوطين الفلسطينيين خارج بلادهم، وهذا أكبر كابوس يخشاه الفلسطينيون ويسعون جاهدين للوقوف بوجهه، وعدم السماح بالتفريط به، وبأي حق من حقوق اللاجئين ويعتبر اليرموك أكبر تجمع للفلسطينيين خارج فلسطين، فهو الرمز والشاهد على حلم العودة، وتدميره يعني تدمير آخر أمل في العودة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني