متى نصحو؟!
في أواخر الحرب العالمية الثانية، لتنجز أمريكا عدوانها وتنتصر قصفت في (6/8/1945م) مدينة هيروشيما اليابانية بقنبلة نووية دمّرت المدينة تدميراً كاملاً، وتفحّم كل ما حولها، وأحالت عاصفة ريح قوية حارة الأحياء كلها أمواتاً، وأمطرت سماؤها ماءً أسودَ مسموماً. ولم تكتفِ فألقت القنبلة الثانية في (9/8/1945م) على مدينة ناغازاكي فألحقتها بهيروشيما، وأمام الكارثة استسلمت اليابان، وخضعت لشروط الأمريكي المنتصر، ولو عرف اليابانيون، يومها، أن أمريكا استنفدت قوتها النووية، إذ لا تملك غيرهما، ما استسلموا، لكنّ اليابانيين ما استهانوا، وكانت الكارثة قوة لهم، اعترفوا بالهزيمة، فهم ليسوا أول مَن يُهزم، ولم يبحثوا عن مبررات لهزيمتهم، ولم يتباكوا على تاريخ مضى. نظروا إلى المستقبل، واستعادوا قوتهم رغم الشروط القاسية التي فرضها عليهم الأمريكان، وبعد أقل من نصف قرن راحت منتوجاتهم تزاحم منتوجات أمريكا في عقر دارها.
نحن، بني يعرب النشامى، هُزمْنا، ورحنا نبرر، ونلتف على الأسباب، لم نرض لكبريائنا أن تعترف بالهزيمة، وتكررت هزائمنا، وتكررت تبريراتنا، ورفعنا عقيرتنا بشعارات كبرى لا طاقة لنا بتحقيقها، ولم نعمل على تحقيقها، وحمّلنا غيرنا أسباب خسارتنا، لم نجلد ذواتنا يوماً، ولم نعترف بجهلنا، وبضعفنا، وبتفرقنا. لم ندنْ أنفسنا على تقصيرها، ولم نجتمع على رأي، ولم نجمّع قوانا. تسيّدتنا أنظمة استبداد، همها الكراسي، جعلت من عدونا الخارجي الواضح كنور الصباح شماعة تعلّق عليها غسيل هزائمها لتبرر أمام شعوبها إخفاقاتها المتكررة، ومن العدو الداخلي، التراث المبني على الغيبيات، والطائفية المعتمدة على إشاعة التفرقة، وبث روح القتل والثأر التي تستخدمها أنظمة الاستبداد – كورقة رابحة – في المنطقة تبعاً لمصالحها.
تُرى أما آن لنا أن نستيقظ من غفوة الجهل لنرى الواقع المأزوم، والمسرحية التي نعيشها، ونكنس تلك الدمى، ونعترف أن جهلنا سبب بلايانا، ونصنع مستقبلاً وضاء لأجيالنا؟ ولنا في اليابان خير مثال.
وإلى متى ننفخ في قربة مثقوبة؟ أما آن للقوى الوطنية، والديمقراطية أن تلتقي على نهج سواء؟!.
إنّ الواقع ليشهد أن بارقة أمل في تلك الاحتجاجات التي وجّهتْ غضبها نحو سلطان الاستبداد قد لاقت صعوبات كثيرة لإيقافها وتغيير مسارها؛ لكنّها على موعد مع موجات قادمة تكتسح حواجز الشطآن التي تهرّأت.