
متطفّل
صحا من شروده.. رآني أنظر إليه.. افترّت شفتاه… نكزني بأصبعه.. ابتسمت.. سألني ما بك؟ ضحكت.. قل، بم تفكر؟
يومها كنت يافعاً أتلصص على قسمات جدي وأنا أقبع قربه كهرّ يترصد فأرة كيف يبدو ساهياً عمّا حوله، يمعن النظر من طرف عينيه.. يبتسم حيناً، ويزم شفتيه حيناً.. تداعب أصابعه حبات سبّحته بهدوء، وعيناه تتابع الجدة الجالسة تحيك جورب صوف غير مبالية. كلٌّ منهما يعيش في عالمه. هو ساهم يتطلّع بها، وهي مستغرقة في الحياكة، أصابعها تلاحق الخيط.. تلفه على السنارة.. تغرزها في نسيج الجورب وتخرجها مشكلة قطبة جديدة تضيفها لسابقتها دون أن تنتبه للعيون التي تتابع حركاتها. وأنا المتطفّل أنقّل نظراتي بينهما.
أتخيل جدي وهو يبتسم.. يعود لأيام صباه.. يتذكر سويعات الهناء والسعادة التي قضاها قرب جدتي يتهامسان.. يمسك يدها لتستريح بين كفيه.. يرفعها بهدوء إلى فمه.. يقبّلها فيحمرّ خداها.. تلقي رأسها على كتفه.. يداعب خصلات شعرها.. يشدها أحياناً.. تضحك.. تنكزه بكوعها.. تمد يدها تتحسس وجنته وشاربيه.. تمس أناملها شفتيه فيعضها عضاً خفيفاً.. يسري تيار كهرباء في أوصالها وينتشر في مسام جسدها.. يطوقها بذراعيه.. يتكئ خده على رأسها.. يتشمم رائحتها.. ويذهبان في رحلة حلم… قبل أن ينتبه.. تساءلت ألا يشيخ الحبّ؟ وهل مازال حبها فتياً يدغدغ قلبه؟ نكزني.. هات قل…
– أتابعك وأنت تنظر إلى جدتي.. وأتخيّلك
– ماذا…؟
– أتخيلك – وأنت تنظر إليها – شاباً وهي ماتزال عروساً..
– وما أوحى لك بذلك؟
– قسمات وجهك.. ابتسامتك.. نظراتك الممعنة بها
– ابتسم.. يا شقي.. تقرأ الوجوه..
امتدت يده الحانية إلي.. قرّبني منه.. تغلغلت أنامله بشعري.. شدّه قليلاً.. انحنى.. قبّل جبيني ولم ينبس بكلمة.. تسرّب دفء أنفاسه إلى جلدي.. شعرت بلذة… أمسكت يده.. أرحت خدي عليها.. أزحتها ببطء إلى فمي.. تنسمت رائحتها.. داعبت شفتاي راحتها.. هممت بتقبيلها.. سحبها بخفة بينما جدتي تبتسم…