fbpx

ما هو المطلوب من المؤتمر الوطني

0 3٬029

ما حصل في 2024/12/8 هو حدث تاريخي هام في تاريخ سوريا ومستقبل السوريين، ولا يُمكن اعتباره إلا ولادة جديدة لسوريا بعد مخاض عسير استمر لستة عقود قبعت فيها سوريا في سجن كبير ولفّ الظلام والديكتاتورية والحكم الشمولي والعائلي كل مناحي الحياة فيها وخاصة السياسي والفكري وكل ما يتعلق بالفضاء العام، فقد كان تجريم التفكير السياسي في مستقبل البلد وتجريم العمل السياسي هو القاعدة المعمول بها وكان قتل من يجرؤ على كسر تلك القاعدة أو سجنه لسنوات طوال أو خطفه وتغييبه هو عقوبة من يحاول الخروج من القمقم الأسدي.

كان التصحر السياسي والجفاف الفكري وانعدام التجربة السياسية والشك والخوف وعدم الثقة بالآخر هو ما يميز المجتمع السوري، لم يستكن السوريين لجلادهم وحاولوا فكّ الأغلال التي وضعها السجان في أيديهم وحاربوا الخوف وانتصروا عليه وأسقطوا الديكتاتور.

ولكن بعد نضال دام أربعة عشر عاماً سقط الجلاد وانفض عنه ولاة أمره في الخارج وزبانيته في الداخل ووجد السوريون أنفسهم فجأة أنه مطلوب منهم بناء بيتهم الجديد وإزالة ما علق به من عفن ورطوبة وروائح نتنة كانت من منتجات العهد البائد.

وبالتأكيد مرحلة البناء أصعب من مرحلة الهدم ولا يمكن تشبيهها إلا بالذي يسير في حقل ألغام عليه الحذر الشديد من وضع أقدامه في كل خطوة يخطوها.

أولى تلك الخطوات عدم استئثار فريق دون آخر بالنصر، وقد قالها السيد أحمد الشرع صراحة بأنّ هذا الإنجاز الكبير هو لكل السوريين عموماً ولم تصنعه هيئة تحرير الشام بمفردها بل كل من قَدّم ما يستطيعه في المعركة ضد النظام المجرم من المعتقلين والشهداء والأيتام والثكالى والنازحين والمهجرين والإعلاميين وكافة النشطاء وصولاً للعسكريين الذين استثمروا تلك النضالات وصنعوا منها ومن جهودهم الطلقة التي جعلت النظام البائد يَخرّ صريعاً.

لاشكّ أنّ الدعوة للمؤتمر الوطني كانت سريعة بل سريعة جداً حيث لم تمضِ إلا أيام حتى بدأ الحديث عنه وكان أشبه بالضغوط الداخلية والخارجية على الإدارة الجديدة لامتحانها هل سترفض؟ وعندها ستفتح عليها النيران من كل حدب وصوب، أم ستقبل بعقده على عجل وبالتالي لن يتمّ التحضير له جيداً، وهو ليس مؤتمر تشاوري للتعارف وطرح الأفكار وتبادل الرؤى ووجهات النظر ورفع توصيات ومقترحات للاستئناس بها، بل هو مؤتمر وطني وأقرب توصيف له أنه برلمان مؤقت سيمتلك مهام تشريعية وتوجيهية وستنبثق عنه حكومة تنفيذية.

وبسبب عدم وجود مكونات سياسية وطنية عابرة للجماعات الأهلية وذلك لحداثة الحالة السورية الجديدة وعدم أخذ الأحزاب والتيارات الوقت الكافي لتشكيلها فقد استقر الرأي على أنّ الدعوة ستكون شخصية (فردية) بشكل يراعي التمثيل الأهلي للمجتمع السوري في الداخل والخارج، وسيتم لحظ الأسبقيات الثورية والوطنية لكل من كان له دور في إسقاط النظام، إضافة للاستعانة بالعقول السورية النيرة في الداخل والخارج ممن تملك رؤية وطنية كتكنوقراط سوريين، وبسبب ضيق الوقت والظروف الأخرى المعروفة لن يكون اختيار الأعضاء المشاركين مثالياً ولكنه سيكون أحسن المتوفر عمله حالياً.

وبرأيي المطلوب من المؤتمر هو:

1- على المستوى السياسي:

تكريس مفهوم التشاركية وإلغاء المحاصصة في بناء الدولة السورية، ولن تنجح دولة وينهض مجتمع يُبنى على محاصصة طائفية أو دينية أو عرقية أو مناطقية. بل ستكون معايير الكفاءة والوطنية هي المصدر المعتمد في شغل المفاصل الهامة للدولة، وهذا المفهوم يؤسس فعلاً لا قولاً لإلغاء أيّ تفكير بمحاصصة طائفية مثلاً، وبالتالي هو بداية جيدة وصحيحة لبناء دولة المواطنين وتكريس مفهوم المواطنة.

ويجب أن يتخذ المؤتمر العتيد جملة قرارات هامة لا يستطيع فرد أو تيار من لون واحد أخذها كإلغاء الدستور المعمول به حالياً (دستور الأسد 2012) وحل هيئة تحرير الشام، وحل مجلس الشعب وحل حزب البعث أو حظره، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ونظام الحكم المركزي فيها، وحصر السلاح بيد الدولة فقط وعدم السماح تحت أيّ ذريعة من الاستحواذ على السلاح وعدم تسليمه للدولة الوليدة، وتكريس مبادئ عامة للسياسة الخارجية السورية بالابتعاد عن تشكيل أيّ مصدر قلق لدول الجوار والعالم وعدم الدخول في محاور دولية واقليمية.

2- على المستوى التشريعي:

بما أنّ المؤتمر سيعتبر بمثابة برلمان مؤقت فإنّ له كل الحق في التشريع المؤقت لمسائل مهمة بل مُلحّة، مثل أن تنبثق عن المؤتمر لجنة دستورية للبدء بكتابة دستور دائم، ولشرعنة المرحلة الانتقالية الحالية يجب إصدار إعلان دستوري مؤقت ينتهي العمل به فور اعتماد الدستور الدائم، ويجب تشكيل هيئة استشارية تكون مساعدة للإدارة الجديدة في اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية وتسمى الهيئة الاستشارية السياسية، وستختار تلك الهيئة أعضاء الحكومة الانتقالية وستحظى تلك الحكومة بالشرعية إذا ما وافقت عليها الهيئة العامة المنبثقة من المؤتمر الوطني (100 عضو من أصل 1200 مثلاً).. ومن اهم قرارات هذا المستوى من المؤتمر إقرار مبدأ العدالة الانتقالية وتأمين محاكمات عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري.

3-على المستوى الاقتصادي:

يجب على المؤتمر الوطني إقرار عقيدة الدولة الاقتصادية ومنهجها، مثلاً اعتماد نموذج الاقتصاد الحر وحرية الأسواق وعدم الانجرار إلى الليبرالية المتوحشة، بل أن يكون للدولة سياسة حماية الشريحة الضعيفة في المجتمع السوري ودعمها ضمن خطط واضحة، وأن تكون مصادر الثروة الرئيسية في يد الدولة المركزية وتوزعها على المحافظات وفق أسس منهجية بكل عدالة وشفافية.

يجب تكريس مبدأ عدم عودة نظام الأسد من البوابة الاقتصادية للمجتمع السوري باسترداد الأموال المنهوبة خلال فترة حكم عائلة الأسد وعدم السماح لمن يرتبط مع العهد البائد في الدخول للسوق السورية بأيّ شكل من الأشكال.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني