fbpx

لم يعد حلفاء أمريكا في المنطقة معنيون كثيراً بمسايرتها

0 193

بعد أن انشغلت الاستراتيجية الأمريكية بالعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين بملاحقة عدو شبه وهمي أو شبح أحياناً هو الإرهاب السني، الذي رعته هي بنفسها لتضرب بها غريمها السوفييتي في أفغانستان وتساهم بإسقاط إمبراطورية الشر الشيوعية. تنمر عليها وليدها وضربها ضربات ساحقة في عقر دارها في واشنطن ونيويورك مخترقاً كل نظريات الأمن القومي الأمريكي وأدواته وشبكاته الاستخباراتية والدفاعية.

تلك الضربات التي مرغت جبين أمريكا بالتراب فاندفعت لمحاربة الأداة (الإرهاب الجهادي السني) ولم تتيقظ لمحاربة من دفعهم لفعلتهم تلك، فخاضت حربين فاشلتين كارثيتين (وفق إجماع الأمريكان أنفسهم) في العراق وأفغانستان، هذان العقدان كانا كفيلان لصعود تنين شرق آسيوي يملك كل مقومات الصعود والمنافسة وتعافي دب روسي جريح من بعض جراحات سقوط إمبراطوريته.

لم يشارف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين إلا وبدأنا نسمع عن أخطاء، بل خطايا كارثية ارتكبتها الاستراتيجية الأمريكية بتسخير طاقاتها العملاقة لمحاربة الإرهاب السني العالمي وبرز تحد للغريمين الصيني والروسي الأول بعقله المبدع واقتصاده الجارف الذي سيتجاوز الاقتصاد الأمريكي وفق أغلب التوقعات في 2030 ويجعله الاقتصاد الثاني في العالم، والثاني بعضلاته وأسلحته التقليدية وغير التقليدية بل وأسلحته السيبرانية.

ازدادت نغمة الولايات المتحدة بالانسحاب من البر الشرق أوسطي (من لاهور إلى القدس) والتموضع في المياه الزرقاء والتفرغ لمواجهة الأعداء الجدد الذين يختلف الحزبان على أولوية خطر كل منهما، إذ يرى الجمهوريون أن الصين هو العدو والروس هم المنافس فيما يقلب الديمقراطيون الترتيب بالعكس.

مآخذ تركيا على الولايات المتحدة

لا يمكن لعاقل أن يفسر كيف أن الولايات المتحدة تعتبر تركيا أحد أعمدة حلف الناتو وتدعم أذرع حزب العمال الكردستاني التركي الذي تضعه على قواعد الإرهاب الأمريكية، تدعم ذراعه في سورية وتعتبره شريكاً لها في محاربة الإرهاب وهو الحزب الذي يضع في خرائطه المدرسية التي أقرها كبرنامج في مقرراته الدراسية للتلاميذ ثلث تركيا ضمن دولة كردستان، وهو ما انفك يحاول إثارة النعرات القومية عند أكثر من 15 مليون مواطن تركي من أصل كردي، وهو أمر يمس صميم الأمن القومي التركي.

طبعاً لازال حتى تاريخ كتابة هذه السطور يقوم بحماية المشروع الكردي الانفصالي في سورية.

وأيضاً توجد اتهامات تركية من أعلى المستويات على علاقة من أي نوع كان للاستخبارات الأمريكية بالانقلاب الفاشل الذي وقع في 15 تموز 2015.

ولن تنسى الحكومة التركية الخذلان الواضح والصريح للولايات المتحدة لها بأزمة إسقاط الطائرة الروسية من قبل الجيش التركي فوق الأراضي السورية بعام 2015 وكيف تركتها وحيدة بوجه تنمر روسي، بل قامت بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من الأراضي التركية.

ولن تنسى تركيا الزوبعة والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها عند شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية 400  Sبعد رفض الولايات المتحدة المتكرر بيع منظومة باتريوت للجيش التركي تحت حجج واهية من الكونغرس الأمريكي يتعلق بانتقاد تركيا بانتهاك حقوق الإنسان وغيرها من الحجج الأمريكية.

استعراض المآخذ التركية طويل وسأكتفي بموقف أمريكي قد يكون هو الأحدث عندما قاد السفير الأمريكي مجموعة من سفراء الدول الغربية بتوقيع مطالبة رسمية للدولة التركية بالإفراج عن رجل الأعمال التركي عثمان كافالا الذي يحاكم أمام المحاكم التركية بحجة أن القضاء التركي غير نزيه ويتم تلفيق التهم له.

مآخذ المملكة العربية السعودية والخليج العربي على السياسة الأمريكية

لن تنسى المملكة العربية السعودية لأمريكا ضرب الحائط برغبتها أن تكون ممثلة عن الإقليم في مفاوضات 5+1 التي أفضت للاتفاق النووي المشؤوم وضرورة تضمنه فقرات تنزع أو تقلم على الأقل مخالب إيران الإقليمية الميليشياوية والصاروخية والدرونية، لم تلتفت الولايات المتحدة لحليفها السعودي والخليجي عموماً، فاجتاحت الميليشيات الإيرانية أربعة عواصم عربية وتم استعادة القاهرة والمنامة من فكي القرش الإيراني وجاري العمل على استعادة صنعاء والبقية.

تعرضت المملكة لهجوم كبير طال معامل آرامكو، تبنته ميليشيات الحوثي ويقال إن الصواريخ والمسيرات انطلقت بنفس الوقت من اليمن والعراق وإيران بوقت واحد.

ماذا فعلت أمريكا الحليف الاستراتيجي المفترض للولايات المتحدة؟؟

لم تصدر بياناً تفصيلياً يدين إيران ويوضح أماكن إطلاق الصواريخ والمسيرات وتضعه أمام العالم واكتفت بإرسال بطارية صواريخ باتريوت سحبتها بعد فترة وجيزة، ولم تزود المملكة بأي صواريخ باتريوت جديدة رغم الضربات شبه اليومية للميليشيا الحوثية لأراضيها.

أجهضت الولايات المتحدة معركتين للتحالف العربي الذي تقوده السعودية لحسم الصراع في اليمن لمصلحة الشرعية، بإجهاضها لهجوم سيؤدي لتحرير صنعاء وآخرها في 20198 عندما دخلت قوات العمالقة التابعة للشرعية اليمنية إحياء الحديدة وكانت المدينة في طريقها للسقوط.

أوقفت الولايات المتحدة الهجوم ودعت الأمم المتحدة لمؤتمر سلام في استوكهولم برع الحوثي في استعمال التقية المشهور بها ولم تنفذ أي بنود من مخرجات المؤتمر.

أسرعت المملكة العربية السعودية بعقد قمة العلا في 5 كانون ثاني 2021 الذي توج المصالحة الخليجية خوفاً من عرقلتها من قبل الرئيس بايدن، الذي كان عند سوء ظن المملكة به فكانت باكورة أعماله إزالة جماعة الحوثي من لوائح الإرهاب الأمريكية.

ولا ينسى الأمريكيون كل عام، إدانة المملكة بتقاريرهم السنوية من مختلف الوزارات أو المؤسسات الحكومية بسجل حقوق الإنسان في المملكة والتضييق على الحريات الدينية.. الخ.

ولابد من التذكير بمقتل الصحفي السعودي الخاشفجي.

يقال إن الوزير الأمريكي طالب السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، في آخر لقاء جمع وزير الخارجية بلينكن بولي العهد السعودي، فرد عليه الأمير السعودي ساخراً، طبعوا معنا أنتم أولاً ثم طالبونا بالتطبيع مع غيركم.

مآخذ مصر والسودان على السياسة الأمريكية

لا ينفك الرؤساء الأمريكان يصفون الرئيس السيسي بالديكتاتور الصغير، وتوجيه حزمة الانتقادات التي توجه للأعدقاء حول حرية التعبير والمرأة والأقليات.. الخ.

لكن الموقف الأمريكي المخزي اتخذته الولايات المتحدة إزاء الشكاوى المصرية طوال منتصف العقد الماضي حول تحديد أمنها المائي وتعطيشها ببناء سد النهضة الإثيوبي على النيل.

وختمت ذلك الخذلان برد الطلب المصري في الأمم المتحدة باعتبار أن بناء السد يهدد السلم والأمن الدوليين، وأعادت الملف للاتحاد الأفريقي كمنظمة إقليمية صاحبة اختصاص بمعنى خذلان مصر والسودان والميل للموقف الإثيوبي بذلك.

آخر المواقف الأمريكية من السودان هو التباكي على حكومة حمدوك بعد انقلاب مجلس السيادة السوداني العسكري، وهو الانقلاب الذي يرى بعضهم أنه قد أنقذ السودان من فوضى محتمة بثنائية حكم هذه الفوضى ستؤدي لظهور داعش، كما يتساءل بعضهم، لماذا هذا التطابق بين أماكن ظهور داعش وطرق الحرير الصينية عبر القارة الأفريقية، وهل هي صدفة؟ أم استراتيجية؟.

مخاوف الإقليم من قرب التوصل لاتفاق في فيينا

كالعادة ستضرب الولايات المتحدة عرض الحائط بهواجس ومخاوف الدول الحليفة لها في المنطقة ومن ضمنهم حليفتها المدللة إسرائيل، وستوقع اتفاقاً نووياً مع إيران يضمن تقييد برنامجها النووي مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على ذلك البرنامج، دون أي ربط بين هذا الملف وملفات تهم الحلفاء حول الأنشطة الإيرانية المهددة لدول الجوار والبحث في ملفات تطوير برامج الأسلحة التقليدية.

وستكون المنطقة أمام حرس ثوري دروني بالستي وليس حرس ثوري بمفخخة أو آر بي جي أو كلاشنكوف، هذا الحرس الثوري الإيراني الجديد هو من حاربت معه ودعمته الولايات المتحدة في العراق لمحاربة داعش.

الولايات المتحدة القوة الأكبر في المنطقة لكنها ليست الوحيدة.

إزاء ما تناولته سابقاً ليس غريباً اقتناء الأتراك لمنظومة دفاع جوي روسية والتهديد بشراء أخرى، وليس غريباً اكتشاف الولايات المتحدة بناء قاعدة عسكرية صينية في أحد الموانئ في الإمارات العربية المتحدة، وليس غريباً أيضاً اكتشاف الولايات المتحدة لبرنامج تعاون لإنتاج صواريخ بالستية سعودية بتعاون صيني.

وليس مستغرباً تقاطر الوفود الروسية على السودان لإعادة تفعيل القاعدة العسكرية الروسية في ميناء بور سودان على البحر الأحمر التي تم إلغاؤها في وقت سابق، ولن يكون بعيداً عن الولايات المتحدة اكتشاف برامج عسكرية مشتركة إسرائيلية صينية بعد أن تمكنت ضغوطها من تعطيل اتفاق استثمار ميناء حيفا من شركات صينية.

إذا كان التعاون العسكري بين الصين وروسيا من جهة وشركاء وحلفاء الولايات المتحدة إلى الأمور العسكرية الحساسة متخطياً أرقام التعاون الاقتصادي الهائل بينهما، فإننا من المتوقع أن نرى في المستقبل القريب الولايات المتحدة هي قوة كبرى ولكنها ليست الوحيدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني