لماذا قتل الأمريكيون زعيم داعش بعد عملية سجن غويران؟ ولماذا تأخروا 48 ساعة للتدخل بغويران وكان تدخلهم فاتراً؟
يرى أغلب المتابعين أن أي ظهور قوي لداعش لابد أن يكون وراءه أهداف تخدم السياسات أو الأجندات الإيرانية، إذ إن أغلبية التمدد الإيراني في المنطقة كان يسبقه ظهور لداعش، وكنت قد أشرت في مقال سابق بأن عملية الهجوم على سجن غويران وتحرير أسرى التنظيم كما جرى في عمليات هدم الأسوار بالعراق 2013 او إطلاق النظام السوري للمعتقلين الجهاديين من سجن صيدنايا بعد أشهر من انطلاقة الثورة السورية.
تعتبر حادثة قتل قرداش، أهم حدث بالمنطقة بعد (نجاح أو فشل) الهجوم على سجن الحسكة الشهير، الذي لا يبعد أكثر من 500 متر عن إحدى نقاط تمركز القوات الأمريكية وهو من المفترض بما يضم من معتقلين أهم نقطة أمنية حصينة في منطقة سيطرة ما يسمى قوات سورية الديمقراطية.
أهداف الإدارة الأمريكية من قتل “قرداش” الآن
لاشك أن داعش وزعيمها تحتل أهمية قصوى بالأمن القومي الأمريكي، وبهكذا تنظيمات أو ميليشيات تكون لشخصية وفكر القائد دور هام في نجاح التنظيم.
يعتبر قرداش من الجيل الأول بداعش وقد يكون آخر القادة من ذلك الجيل ولابد من انتقال القيادة للجيل الثاني، والذي قد يكون أشد عنفاً من الجيل الأول لأن جيل داعش الأول الذي خرج من أحضان القاعدة كان أعنف أو أشرس منها.
لا شك أن قرداش استلم قيادة التنظيم وهو في أسوأ حالاته، حيث أن هزيمة التنظيم بسورية والعراق التي كانت آخر فصولها معركة الباغوز في آذار 2019 وكان متوقعاً أن تكون ضربة قاضية يستمر بعدها التنظيم كظاهرة أو تيار فكري جهادي عنفي إلى جانب أعمال متفرقة فردية وغير منظمة لأعمال إرهابية هنا وهناك.
بعد إعلان النصر المؤزر على التنظيم من قبل رؤساء أقوى دولتين في العالم، بدأ قرداش بعد اختياره قائداً بالعمل بهدوء على اعادة التنظيم الى الحياة ولملمة أشلائه.
استطاع قرداش أن يعيد بشكل جيد بنية التنظيم في سورية والعراق وبأسلوب وخطط جديدة، وبات تصاعد عملياته وأسلوبها يوحي بعودة قوية، واستطاع التمدد في آسيا وأفغانستان على وجه الخصوص، وتمدد التنظيم في أفريقيا وخاصة في دول الساحل الغربي، وأصبح رقماً مهماً بمعادلات الآمن في المنطقة، وكان هذا التطور بقدرات وخطط وتوسع التنظيم تقلق الولايات المتحدة، ولا شك أن قرار قتله كان متخذاً وينتظر توفر المعلومة الأمنية وتوقيت القرار السياسي
مما لا شك فيه أن اغتيال قرداش يخدم أولاً وأخيراً الولايات المتحدة بشكل عام والإدارة الديمقراطية بشكل خاص من ناحيتين اثنتين:
1- إن تاريخ 15 شباط كمهلة أخيرة غير معلنة لإرغام إيران على توقيع اتفاق نووي في فيينا (أو ثنائي مع الولايات المتحدة) ومن المرجح الوصول لذلك، سيفيد الرئيس الأمريكي كثيراً في صراعه مع الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفية للكونغرس التي ستجري في خريف هذا العام، إذ إن توقيع الرئيس بايدن على الاتفاق سيعقبه استغلال انتخابي للحزب الجمهوري بان بايدن رئيس ضعيف والاتفاق يفرط بأساسيات الامن القومي الأمريكي وتلك الحملة قد تطيح بخطط الرئيس لضمان فوز مرشحي حزبه الديمقراطي لذلك كان لابد أن يمتلك ورقة موازية ويقول بأنه قضى (كما قتل أوباما بن لادن وقتل ترامب البغدادي) إنه رئيس قوي ويستطيع ضمان أمن الولايات المتحدة القومي.
2- يعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة لا تخف رغبتها بالانسحاب من المنطقة وترك الدول الحليفة لها تشكل منظومة أمن إقليمية تتولى مجابهة خطر التمدد الإيراني أو غيره من ملفات المنطقة، وهي منشغلة بأمن الاتحاد الأوربي وتنقل جهدها إلى أوربة لمواجهة روسيا والمحيط الهادي بمواجهة الصين، وهي تدعم اعتماد الحلفاء بالمنطقة على أنفسهم وقد بدا هذا عملياً يتجسد بالشرق الأوسط إذ إن التقارب العربي – التركي، والعربي – الإسرائيلي، والإسرائيلي – التركي، تحضيراً لانسحاب الولايات المتحدة لمواجه العربدة الإيرانية في العواصم العربية الأربعة وغزة، وإن قتل زعيم تنظيم داعش يكون مقدمة لهذا الانسحاب وأنها أدت ما يتوجب عليها.
لماذا تأخر التدخل الأمريكي 48 ساعة وكان بإمكانهم التدخل بعد 15 دقيقة من اقتحام السجن؟
لا شك أن التوقعات الأمريكية كانت باتجاه عمليات محدودة وفردية للتنظيم بعمق مناطق نفوذها أو بالهوامش الرخوة، إلا أن عملية بهذا الحجم فإنه يضر أولاً وأخيراً بسمعة الولايات المتحدة وعبثية إجراءاتها الأمنية وضعف معلوماته الاستخبارية، وكان لابد لها لاستعادة سمعتها من ضربة قوية للتنظيم تضعفه وتربكه وتظهرها بمظهرها التي تريد.
يرى بعض الخبراء أن تأخر الولايات المتحدة بالتدخل إلى ما بعد 48 ساعة وطبعاً كان بإمكانها التدخل بعد 15 دقيقة، وحتى طول فترة المعركة وعدم حسمها باكراً (وبإمكانهم فعل ذلك) استغله الأمريكان للإيقاع بقرداش، يبدو أنهم يعلمون مكانه في منطقة إدلب لكن مكان وجوده بالضبط قد يكون غير محدد لهم، وإنهم استغلوا تواصل التنظيم مع قيادته لأخذ أوامر وتوجيهات بمراقبة بعض السراة وحاملي الرسائل من الرجال (وهي آمن طريقة للمراسلات الهامة التي يتبعها التنظيم في مثل تلك الظروف)، تمكن الأمريكان عبر عملاء لهم على الأرض من تحديد مكان وجود قرداش بدقة، ولثقتهم بدقة معلوماتهم الطازجة لم يستعملوا أسلوب القصف الجوي أو الطائرات المسيرة بل إنزالاً جوياً، على أمل التمكن من إلقاء القبض على قرداش حياً وليس قتله.
ويجمع الجميع أن قرداش هو من فجر نفسه والمنزل وكانت المطالب الأمريكية تسليم نفسه.
استفادت الإدارة الديمقراطية كثيراً من عملية قتل قرداش في إشارة منها، كما تم قتل سليماني والمهندس والبغدادي، أن حقبة التخادم الإيراني – الأمريكي قد انتهت ولا يمكن إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء ولا مكان للتطرف الجهادي الشيعي أو السني في المنطقة.