لماذا تعلن الصحافة الأمريكية عن استهداف إسرائيل لمنشآت كيماوية في سورية
كان الموقف الإيراني المتصلب في جولات التفاوض في فيينا مدعاة لتبلور مواقف وسياسات بل ومحاور، خوفاً مما توقعه الكثيرون من وصول الجيل الثاني من الثورة الخمينية للحكم والحكومة وإمساكهم بمفاصل القرار في الدولة، فلم يعد هناك حرس ثوري عسكري فقط بل حرس ثوري مدني نشأ وتربى ضمن منظومة ولاية الفقيه يعتبر نفسه بطلاً قومياً فارسياً يحافظ على الدولة، وبطلاً شيعياً يؤمن الإمبراطورية وهلالها الشيعي.
كان الموقف الإيراني بشروطه المتعنتة مفاجئاً للأوربيين والأمريكان، وأظن أنه لم يكن مفاجئاً لدول المنطقة التي تفهم العقلية الشيعية الفارسية أكثر من الغرب ومستشرقيه.
بدأت صوت إسرائيل يعلو على الإدارة الديمقراطية وباتت التصريحات بضرورة تعطيل البرنامج النووي يومية، وارتفع معدل الهجمات السيبرانية في الداخل الإيراني، التي تتناول أهدافاً تؤلب الشارع الإيراني على حكومته كاستهداف محطات توزيع الوقود أو شبكات الكهرباء والمياه وازدادت وتيرة الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية التي تخص النظام السوري.
أما العرب ولمواجهة ما قد ينجم عن مفاوضات فيينا (سواء تم توقيع الاتفاق أم لا) فقد أصلحوا علاقاتهم البينية وتمت خطوات أبعد من إزالة التوتر، حيث توجت تلك الجهود بلقاء قمة بين الرئيس التركي وولي عهد أبو ظبي، وعقد مؤخراً مجلس التعاون الخليجي قمته الثانية والأربعين وخرج بمواقف واضحة ومحددة تدل على اللحمة الكاملة بين الأعضاء ونبذ الخلافات والاستعداد لمواجهة الخطر الإيراني صفاً واحداً.
لماذا تم نشر خبر الغارات الإسرائيلية الآن، بعد ستة أشهر من حدوثها؟
نشرت الـ “واشنطن بوست” خبراً مفاده أن مقاتلات إسرائيلية أتت من البحر الأبيض المتوسط وقامت بقصف ثلاثة مواقع في سورية في محافظة حمص بتاريخ 8 حزيران 2021 وأنه قبل أكثر من عام، وبالضبط بتاريخ 3 نيسان 2020 قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مواقع في جنوب دمشق.
وكشفت الصحيفة أن تلك المواقع تخص منشآت سرية تقوم بها الميليشيا الإيرانية بإعادة إحياء البرنامج الكيماوي السوري حيث يتم صناعة غاز الأعصاب (السارين)، وتم قتل 8 جنود للنظام السوري أحدهم ضابط برتبة عميد، ولم تعلن إسرائيل أو النظام السوري عن العملية وقتها.
وأعتقد أن خبر الصحيفة الأمريكية تم تسريبه عبر جهات إسرائيلية وأمريكية، وتقصد به كما أراه توجيه رسائل متعددة منها:
1- رسالة إلى المجتمع الدولي أن إسرائيل لا يمكنها التهاون مطلقاً ولن تنتظر أحداً لتدمير منشآت صناعة أسلحة الدمار الشامل في جوارها الذي تعتبره خطراً عليها، وفي هذا رسالة للمجتمع الدولي أن المنشآت النووية الإيرانية ستلقى نفس المعاملة.
2- رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اللتان أشرفتا على نزع منظومة السلاح الكيماوي التي يمتلكها النظام السوري في عام 2013 بعد استخدامه في دوما وتسبب ذلك باستشهاد 1400 مدني سوري بين طفل وامرأة ورجل.
وقتها تم انتهاك خطوط أوباما الحمراء علناً وعلى مرأى ومسمع من العالم وتمت بوساطة روسية ورغبة إسرائيلية الاكتفاء بنزع السلاح الكيماوي واستصدار القرار 2118 تحت الفصل السابع والذي يتيح استعمال القوة فيما لم يلتزم النظام السوري ببرنامج نزع السلاح الكيماوي كاملاً وعدم صناعته مستقبلاً.
تريد إسرائيل من وراء ذلك إرسال رسالة للقوتين الأعظم في العالم، أن لا مصداقية أو ثقة لتوصلكما لاتفاقية مشابهة مع إيران، إذ إن إيران سرعان ما تخرقها ولن تلتزم بها.
3- رسالة إلى إدارة بايدن والفريق المفاوض في فيينا أن الأنظمة المارقة لا تعرف معنى للاتفاقيات والتعهدات وما عليكم سوى إيقاف المفاوضات أو التمسك بشروط بومبيو الـ 12 والقيام بالمشاركة مع إسرائيل بضربة قاصمة لظهر المشروع النووي الإيراني.
4- رسالة لمحور المقاولة والمخدرات أن سلاح الجو الإسرائيلي لن يتهاون أبداً بصناعة أسلحة الدمار الشامل وغيرها أيضاً (كالمسيرات والصواريخ الباليستية). وأن إمكانات الرصد والمتابعة قائمة وتتمتع بكفاءة عالية.
5- رسالة للروس أنفسهم الضامنين لبرنامج تسليم السلاح الكيماوي والمتعهدين بعدم استئنافه مستقبلاً والموجودين بقوة على الأرض وفي السماء السورية مفادها، إن كنتم تعلمون فتلك مصيبة وإن كنتم لا تعلمون فالمصيبة أعظم.
يمكن لنا كسوريين أن نكتشف من ذلك، أن النظام السوري المارق الذي أضحى من أهم نقاط تصنيع وعبور المخدرات في العالم لازال لا يلتزم بالاتفاقيات التي يوقعها ويتعهد الروس بإلزامه بها وهو مصدر خطر على السوريين أولاً والجوار والعالم ثانياً، والمطالبة بتطبيق القرار الدولي 2118 وتفعيل توصيات اللجان الأممية المختلفة التي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية والغازات السامة ضد السوريين وجلب المتهمين بذلك إلى المحاكم الدولية لمقاضاتهم بتهم الجرائم ضد الإنسانية.