fbpx

لا تصالح.. ماذا بعد؟

0 1٬559

فاجأت الهبّة السورية العفوية الجميع (بمن فيهم نحن السوريون)، فبعد مرور أحد عشر عاماً من القبض على الجمر والثوابت وبذل التضحيات الهائلة للبقاء كرقم صعب لا يمكن تجاوزه ولا يمكن هزيمته ولا يمكن خداعه.

لن نغوص طويلاً في تفسير ما وصلنا إليه الآن، لكن لا يختلف اثنان على أن الحالة التي وصلنا إليها، نتحمل جزءاً من مسؤوليتها، ويمكن أن نختلف على النسبة المئوية بين العوامل الداخلية والخارجية ولكننا جزء من خطايا ارتكبت ولم يفت الوقت لإصلاحها.

كان الاستسلام الغريب والمعيب للإرادات الخارجية والداعمين يسير جنباً إلى جنب مع التضحيات الهائلة التي بذلها الثوار وحاضنتهم على الأرض، وفي كثير من الأحيان كان القتال والاستبسال لا يرجى منه إلا الصمود وليس الانتصار، خاصة في ظل تدخل قوى إقليمية ودولية مجرمة لنجدة النظام واستعمال كل الوسائل والأدوات لمنع سقوطه وهزيمة أعدائه حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير سورية والسوريين وهذا ما حصل.

بدأ التراخي في معسكر “أصدقاء الشعب السوري” وبدأ التناقص بالعدد وبالهمم حتى تم اختزال العدد لـ 11 دولة ما لبثت أن غابت تماماً عن المشهد وبقيت تركيا الجدار الأخير.

ولا نجلد أنفسنا إذا قلنا إن من أكبر خطايانا هو انتظار الحل الخارجي والتفاهمات الدولية، التي إن حصلت فلن ترجع لنا حقوقنا أو تنصفنا من جلادينا، بل ستفرض من الأعلى لتحقيق مصالح الدول المتدخلة، وبالتالي اجترار حلول عن صراعات سابقة بعد توصيف الثورة السورية التي قامت ضد سلطة جائرة بصراع أهلي أو طائفي، كحلول حصلت بطائف لبناني أو دايتون بلقاني أو على الطريقة الرواندية، بحيث تساوي بين الضحية وجلادها وكلا الطرفان تحملا عبئاً، الجلاد لاشك يعاني من التعب بعد حفلة تعذيب للضحية لكن هيهات وهيهات بما عانته الضحية نفسها، عندها المصالحة أو التسوية لن تكون حلاً لأنها ساوت بين المعتدي والمعتدى عليه.

لكن لا يمكننا المراهنة للأبد على عدم تغير الموقف التركي من المسألة السورية، بل يجب علينا طرح السؤال التالي، متى تتغير؟.

الدول تسعى لمصالحها بغض النظر عن الحزب الموجود في السلطة الآن والذي انتخبه شعبه لتحقيق تلك المصالح.

وأنا إن كنت أعتقد أن الوقت لم يحن بعد كي تتعارض مصالح الدولة التركية مع مصالح الثورة السورية لأن المساحة المشتركة مازالت واسعة وليس من السهل تضييقها ولكن في السياسة الثابت الوحيد هو التغير.

قد تتلاقى مصالح إقليمية ودولية على حل ما للمسألة السورية تقبل الدول المتدخلة به، لأنه يحقق الحد الأدنى المتاح لمصالحها ولكنه قد يكون كارثياً علينا، وترى المعارضة السورية الرسمية أن الواقعية السياسية تستوجب السير به لأن السياسة فن الممكن، والممكن غير المرغوب أفضل من المرغوب وغير الممكن.

ولأن المعارضة تسعى للحلول الوسط والتسويات، بينما الثورات لا تعرف ذلك، لأنها لو كانت تعترف به لما انطلقت جموع المدنيين التي لا تملك إلا حقها ورغبتها بالانعتاق من العبودية ولا تملك من الأدوات إلا حناجرها، ولم تجر اتصالاتها لتعرف من سيدعمها مادياً أو سياسياً، ولم تفكر أن انتصار هذه الثورة قد يفيد تلك الدولة أو ذلك المحور أو أنه يهدد مصالح هذه الدولة أو ذلك الحلف.

لكن ومهما كانت التحليلات السياسية والاستشرافات المستقبلية، فإن جموع الغاضبين الغفيرة التي اندفعت إلى الشوارع في جمعة لا تصالح، أدركت حقيقة التصريحات التركية ولم تلتفت بعدها للتبريرات التركية وتلطيف الأجواء.

قال الشعب كلمته، لن نصالح، ومن أراد أن يخالف إرادة الشعب فليصالح هو.

لا وصاية لأحد على قرار الثورة السورية إلا من أهل الثورة أنفسهم.

لذلك وخوفاً من ألا تكون مظاهرات جمعة لا تصالح الصادقة والمعبرة عن الضمير الثوري الحي، صرخة في واد أو عبارة عن ردة فعل لفعل سبقها، ولعدم الوقوع ضحية ردات الفعل العفوية والحقيقية التي ستتلاشى بعد مدة، ولأن الناس لا تتظاهر دائماً فلابد من تثمير الحالة الراهنة إلى واقع سياسي يمثله نخبة يفرزها الحراك نفسه.

هذه النخبة تكون بمثابة برلمان ثوري مكون من 50 أو 100 عضو وطني ثائر مشهود له.

يتم تشكيل هذا البرلمان في الشمال المحرر ويضم مختلف الفئات العمرية من الذي ترعرعوا في المخيمات، إلى حكماء أو شيوخ الثورة، بنسب يتم التوافق عليها، ويضم البرلمان كل الثوريين من مختلف مكونات الشعب السوري ويراعى التمثيل الأغلب فيه للشباب الذي ستقع عليه مهمة قيادة المرحلة المقبلة.

لا يحتاج هذا البرلمان لموافقات من الدول القريبة منها والبعيدة، فهو شأن سوري محض ولا يعادي هذا البرلمان إلا أعداء الثورة السورية المعروفين، وهو ليس بحاجة أيضاً لتمويل خارجي.

إذ من  الممكن تأمين نفقاته القليلة من التبرعات في الشمال المحرر، وتكون مهمته التمسك بالحقوق والثوابت وعدم التفريط بها، بحيث يكون لكلمته أو موقفه ثقل جموع المتظاهرين في جمعة لا تصالح.

يكون هذا البرلمان بمثابة رقيب على كل مؤسسات المعارضة السياسية وتقويم مواقفها وأدائها وممكن أن ينضم أعضاء منه إلى القيادات الفعلية للمعارضة الرسمية لتصويب أدائها وتصليب مواقفها أمام من يطلب منها تقديم تنازلات.

يعنى هذا البرلمان مبدئياً بالشؤون السياسية فقط التي تخص الثورة ومستقبلها ولا يتدخل في تسيير الأمور الإدارية أو الخدمية أو العسكرية، لأننا نريده ألا يصطدم في بداياته مع قوى اجتماعية محلية أو عسكرية، ويكون رأيه مقبولاً من الجميع.

بمعنى ألا يكون طرفاً في أي خلاف محلي مهما كان نوعه أو شكله.

فكرة المجلس والمجلس نفسه ملك للجمهور الثوري، هو من يضع نظامه الداخلي وأهدافه وبنيته ومهامه ويمكن تطوير أساليب عمله وفقاً لمقتضيات المرحلة.

في النهاية لابد من أخذ منجز ما من هذا الحراك الذي حدث، ولا نتركه للذكريات الجميلة أو الفخر والخيلاء بقوتنا التي أجبرت دولاً على تغيير سياساتها، والخروج من ردات الفعل الشعبية إلى فعل أو رد فعل مؤسساتي يثمر ويغني عن جوع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني