fbpx

كل شيء عن القرار 2254 لعام 2015م.

0 620

هذه المادة تم نشرها في موقع كلنا شركاء وننشرها في نينار برس نظراً لأهميتها

يكاد لا يمر يوم إلا ويرد ذكر هذا القرار في نشرات الأخبار بالقنوات التلفزيونية، أو التقارير الإخبارية التي تعنى بالشأن السوري في الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد أن كل من له صلة بالشأن السوري ومن كلا الطرفين (المعارضة والموالاة) قد قرأ عن هذا القرار 2254 لعام 2015م الذي تبناه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015  المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا؛ وتساءل عن كنهه وتفاصيله، حيث أثار هذا القرار عاصفة – بل عواصف – من الجدل والتحليل والاستنباط والاختلاف والتجاذب، ولم يقتصر ذلك على المختصين التقنيين من رجال قانون وسياسة؛ بل إن جميع أطياف المجتمع قد انخرطت في هذا السياق من السوريين ومن غيرهم، والسبب لا شك غير مستغرب إذا ما عرفنا أن هذا القرار من الناحية السياسية يعد نقطة تحول مفصلية في تاريخ المعضلة السورية المستمرة…

سنحاول في هذا البحث تناول هذا القرار منذ ولادته، بل مذ كان جنيناً قبل أن يولد ونتتبع مراحل تكونه وولادته وآثاره، وسنعمل على تبويب هذا البحث بشكل مبسط وبطريقة تعتمد على التعداد والترقيم بحيث يسهل للقارئ الوصول إلى المعلومة دون كبير عناء.

أولاً- البذرة (حطة عنان)

لا شك أن المتتبع للشأن السوري يدرك تماماً أن الأفكار الأساسية والخطوط العريضة للقرار 2254 لعام 2015م ولدت من رحم خطة سلام “كوفي عنان” لسورية أو خطة سلام مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربيّة لسورية ، التي بدأت في شباط/فبراير 2012 وأعلن عنها فيفي 27 آذار/مارس عام 2012 والتي تعتبر من أكثر المحاولات الدوليّة جديّة لتسوية الأزمة السورية، والخطّة تفرض وقفاً لإطلاق النار من جميع الأطراف ابتداءً من العاشر من نيسان/أبريل 2012.

النقاط الستة لخطة عنان: 

تتألف خطة سلام كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص إلى سورية من ست نقاط بالإمكان تلخيصها بالآتي : 

1. عملية سياسية بقيادة سورية لتلبية تطلعات واهتمامات الشعب السوري.

2. وقف أعمال العنف المسلح بأشكاله كافة من قبل جميع الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين.

3.على جميع الأطراف ضمان تقديم المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة من جراء القتال وتنفيذ وقفة إنسانية لمدة ساعتين يومياً.

4. على السلطات تكثيف وتيرة وحجم الإفراج عن الأشخاص المحتجزين بصورة تعسفية.

5. على السلطات أن تضمن حرية تنقل الصحفيين في جميع أنحاء البلاد.

6. على السلطات أن تحترم حرية التجمع والحق في التظاهر السلمي.

ثانياً- التأكيد (بيان جنيف1)

استضاف مكتب الأمم المتحدة بمدينة جنيف في سويسرا يوم 30 يونيو/حزيران 2012 اجتماعاً لـ “مجموعة العمل من أجل سوريا” بناءً على دعوة كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا في ذلك الوقت.

وضمّ الاجتماع كلاًّ من الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء خارجية الاتحاد الروسي وتركيا والصين وفرنسا وقطر (رئيسة لجنة جامعة الدول العربية لمتابعة الوضع في سوريا) والعراق (رئيس مؤتمر قمة جامعة الدول العربية) والكويت (رئيسة مجلس وزراء الخارجية التابع لجامعة الدول العربية) والمملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة وممثلة الاتحاد الأوروبي السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بوصفهم مجموعة العمل من أجل سوريا، برئاسة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا، وتبنى المؤتمر النقاط الست الأساسية لحل الأزمة السورية والتي عرفت بخطة كوفي عنان واضع هذه النقاط . 

وهنا برز بشكل واضح ومفصل الحديث عن مسألة الحكم الانتقالي، حيث ورد حرفياً: “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة”  

كذلك تم التطرق لمسار الدستور، ومما ورد في ذلك “يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام” 

ومن الطبيعي أن يتم الحديث عن الانتخابات طالما تطرق البيان لمسألة الدستور، وفي هذا السياق ورد النص الآتي:

“بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة”  ولم يغفل البيان الحديث عن دور المرأة في العملية السياسية والمرحلة الانتقالية “من الواجب أن تُمّثل المرأة تمثيلاً كاملاً في جميع جوانب العملية الانتقالية”   

ويعتبر بيان جنيف1 حتى الآن الوثيقة السياسية الوحيدة حول سورية الحائزة على توافق دولي وعربي وإقليمي، مكلُّلةُ بموافقة مجلس الأمن.

ثالثاً- الترسيخ (قرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013)

أول قرار يرسخ رسمياً النقاط التي وردت في “خطة عنان” هو قرار مجلس الأمن رقم /2118/ تاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2013 وتمت الموافقة عليه بالإجماع، وهو القرار الخاص بنزع السلاح الكيماوي السوري بعد المجزرة التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية يوم 21/8/2013 

 وقد ورد في الفقرة (16) من القرار وتحت عنوان “الانتقال السياسي”؛ ما يلي: “يؤيد تأييداً تاماً بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 الذي يحدد عدداً من الخطوات الرئيسية بدءاً بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق.” 

والأهم من كل ذلك – نظرياً – أن القرار نص في الفقرة (21) منه وتحت بند “الامتثال” أنه “في حالة عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.” 

الأمر الذي ولّدَ بارقة أمل لدى السوريين بقرب انتهاء مأساتهم، ولكن هيهات؛ فقد ثبت بشكل قاطع وبشهادة منظمات دولية، ومحايدة مختصة، أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية عشرات المرات في مواضع مختلفة من سورية ، ولم تتحرك الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع ولا أي فصل آخر.

لاحقاً وفي عدة فعاليات دولية متعلقة بالشأن السوري تم ترسيخ مبادئ “جنيف 1″، وفي هذا السياق انعقد مؤتمر “جنيف 2” الذي دعمته الأمم المتحدة وعقد في يوم 22 يناير 2014 وكان هناك دور كبير لمبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا حينها “الأخضر الإبراهيمي” والهدف المعلن للمؤتمر هو “الجمع بين وفد يمثل الحكومة السورية وآخر يمثل المعارضة السورية معاً لنقاش كيفية تنفيذ بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012 (“الحكومة الانتقالية”)، إنهاء الحرب، بدء العمل حول تأسيس الجمهورية السورية الجديدة.” 

وفي هذا المؤتمر “لم تلتق نظرات وفدي النظام السوري والمعارضة التي تطالب بإسقاطه في المؤتمر حول سوريا في مونترو السويسرية، ولم يتبادلا سلاماً ولا تحية، بل تلاسنا وتبادلا الاتهامات ولم تكن تفصل بينهما إلا أمتار قليلة.” 

من الجدير بالذكر أن “بان كي مون” كان يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، والسوريون يتندرون بأسى عند ذكر اسم هذا الرجل ويصفونه بالـ (القلق) ذلك أنه كان يكتفي بتكرار عبارة (أنا قلق) أمام الأهوال التي عاناها الشعب السوري في تقصير وعجز فاضحين واضحين للمجتمع الدولي أمام المأساة السورية.

في محادثات فيينا للسلام في سوريا التي جرت اعتباراً من 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وأصبحت تعرف باسم محادثات المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG)، وهي مفاوضات للقوى الدولية بدأت في فيينا، النمسا في تشرين الأول/اكتوبر 2015 على مستوى وزراء الخارجية، لحل الصراع في سوريا، بعد فشل مقترحات تسوية الحرب الأهلية السورية.

هذه المجموعة ذكرت التزامها لضمان عملية الانتقال السياسي بقيادة سورية يملكها السوريون ويقرر الشعب السوري مستقبل سوريا، على أساس جنيف 2012 بمجمله. والموافقة على دعم والعمل على تنفيذ وقف لإطلاق النار شامل في سوريا على أن يدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت بعد أن يقوم ممثلي النظام والمعارضة بالبدء بالخطوات الأولية نحو الانتقال تحت إشراف الأمم المتحدة على أساس بيان جنيف. 

الولادة

من كل ما سبق نلاحظ أن كل ما تلا “خطة عنان” من أحداث وفعاليات تناولت الشأن السوري؛ تبنت – بطريقة أو بأخرى – النقاط الست التي وردت بالخطة، ولذلك فإن صدور القرار الأممي 2254 لعام 2015 هو محصلة نهائية لكل هذه الأحداث التي بنيت على ركيزة أساسية هي “خطة عنان”.

ولأهمية هذا القرار في المسار السياسي الأممي للمسألة السورية سنقوم بإيراد نصه كاملاً كما ورد بالترجمة العربية، ثم نضع ملاحظاتنا حوله.

النص الكامل 

القرار 2254 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7588، المعقودة في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015

إن مجلس الأمن، إذ يشير إلى قراراته 2042 (2012)، و2043 (2012)، و2118 (2013)، و2139 (2014)، و2165 (2014)، و2170 (2014)، و2175 (2014)، و2178 (2014)، و2191 (2014)، و2199 (2015)، و2235 (2015)، و2249 (2015)، والبيانات الرئاسية المؤرخة 3 آب/أغسطس 2011 (S/PRST/2011/16)، و21 آذار/مارس 2012 (S/PRST/2012/6)، و5 نيسان/أبريل 2012 (S/PRST/2012/10)، و2 تشرين الأول/أكتوبر 2013 (S/PRST/2013/15)، و24 نيسان/أبريل 2015 (S/PRST/2015/10)، و17 آب/أغسطس 2015 (S/PRST/2015/15)،

وإذ يؤكد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وإذ يعرب عن أشد القلق إزاء استمرار معاناة الشعب السوري، وتدهور الحالة الإنسانية الأليمة، واستمرار الصراع الدائر والعنف الوحشي المتواصل الذي يتسم به، والأثر السلبي للإرهاب والأيديولوجية المتطرفة العنيفة في دعم الإرهاب، وما تخلفه الأزمة من أثر مزعزع للاستقرار في المنطقة وخارجها، بما يشمل الزيادة المترتبة على ذلك في أعداد الإرهابيين الذين يجتذبهم القتال في سورية، والدمار المادي الذي لحق بالبلد، وتزايد النزعة الطائفية، وإذ يؤكد أن الحالة ستستمر في التدهور في ظل غياب الحل السياسي، وإذ يشير إلى مطالبته بأن تتخذ جميع الأطراف كل الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية، وإذ يؤكد في هذا الصدد أن السلطات السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها، وإذ يكرر التأكيد على أنه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سورية إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونيه 2012، الذي أيده القرار 2118 (2013)، وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، وإذ يشجع، في هذا الصدد، الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الفريق الدولي لدعم سورية (الفريق الدولي) للمساعدة على إنهاء النزاع في سورية، وإذ يثني على التزام الفريق الدولي، على النحو الوارد في البيان المشترك عن نتائج المحادثات المتعددة الأطراف بشأن سورية الصادر في فيينا بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2015 وبيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 (المشار إليهما فيما يلي بـ “بياني فيينا”)، بكفالة الانتقال السياسي تحت قيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، على أساس مجمل ما جاء في بيان جنيف، وإذ يشدد على الحاجة الملحة لأن تعمل جميع الأطراف في سورية بشكل حثيث وبنّاء في سبيل تحقيق هذا الهدف، وإذ يحث جميع الأطراف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها على الالتزام بالمبادئ التي حددها الفريق الدولي، بما في ذلك الالتزام بوحدة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي، وكفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، وحماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن العرق أو المذهب الديني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلد، وإذ يشجع على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل سورية، وإذ يضع في اعتباره الهدف المتمثل في جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة، باختيار السوريين، الذين سيقررون من يمثلهم في المفاوضات ويحددون مواقفهم التفاوضية، وذلك حتى يتسنى للعملية السياسية أن تنطلق، وإذ يحيط علماً بالاجتماعات التي عقدت في موسكو والقاهرة وبما اتخذ من مبادرات أخرى تحقيقا لهذه الغاية، وإذ يلاحظ على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض، المعقود في الفترة من 9 إلى 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع، وفقاً لبيان جنيف و”بياني فيينا”، وإذ يتطلع إلى قيام المبعوث الخاص للأمين العام إلى سورية بوضع اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة تحقيقا لهذه الغاية:

1 – يؤكد من جديد تأييده لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونية 2012، ويؤيد “بياني فيينا” في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سورية، ويشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سورية.

2 – يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سورية، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، مستهدفا أوائل كانون الثاني/يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات، عملاً ببيان جنيف وتماشياً مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة.

3 – يقر بدور الفريق الدولي باعتباره المنبر الرئيسي لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سورية.

4 – يعرب عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملاً بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

5 – يسلّم بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملاً ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع قدما بكلتا المبادرتين، ويعرب في هذا الصدد عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية، وهو ما التزم الفريق الدولي بدعمه والمساعدة على تنفيذه، على أن يدخل حيز النفاذ بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى بيان جنيف، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، على أن يتم ذلك على وجه السرعة.

6 – يطلب إلى الأمين العام أن يقود، من خلال مكتب مبعوثه الخاص وبالتشاور مع الأطراف المعنية، الجهود الرامية إلى تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار، ومواصلة التخطيط لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار، ويحث الدول الأعضاء، ولا سيما أعضاء الفريق الدولي لدعم سورية، على دعم وتسريع كل الجهود المبذولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، بسبل منها الضغط على جميع الأطراف المعنية للموافقة على وقف إطلاق النار والتقيد به.

7 – يشدد على الحاجة إلى آلية لرصد وقف إطلاق النار والتحقق منه والإبلاغ عنه، ويطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى مجلس الأمن تقريراً عن الخيارات المتاحة بشأن إنشاء آلية تحظى بدعم المجلس، وذلك في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهراً من تاريخ اتخاذ هذا القرار، ويشجع الدول الأعضاء، بما في ذلك أعضاء مجلس الأمن، على تقديم المساعدة، بسبل منها الخبرة الفنية والمساهمات العينية، لدعم هذه الآلية.

8 – يكرر دعوته الواردة في القرار 2249 (2015) والموجهة إلى الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف أيضا باسم داعش) وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقاً الفريق الدولي لدعم سورية ويحدده مجلس الأمن، وفقاً لبيان الفريق الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سورية، ويلاحظ أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي لدعم سورية الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

9 – يرحب بالجهود التي بذلتها حكومة الأردن للمساعدة في إيجاد فهم مشترك داخل الفريق الدولي لدعم سورية للأفراد والجماعات الذين يمكن أن يحددوا بوصفهم إرهابيين وهو سينظر على وجه السرعة في التوصية التي قدمها الفريق لغرض تحديد الجماعات الإرهابية.

10 – يشدد على ضرورة قيام جميع الأطراف في سورية باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ويدعو جميع الدول إلى استخدام نفوذها لدى حكومة سورية والمعارضة السورية من أجل المضي قدماً بعملية السلام وتدابير بناء الثقة والخطوات الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

11 – يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريراً إلى المجلس، في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهراً واحداً من تاريخ اتخاذ هذا القرار، عن الخيارات المتاحة للقيام بالمزيد من تدابير بناء الثقة.

12 – يدعو الأطراف إلى أن تتيح فوراً للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سورية ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال، ويدعو دول الفريق الدولي لدعم سورية إلى استخدام نفوذها على الفور تحقيقاً لهذه الغايات، ويطالب بالتنفيذ الكامل للقرارات 2139 (2014) و2165 (2014) و2191 (2014) وأي قرارات منطبقة أخرى.

13 – يطالب بأن توقف جميع الأطراف فوراً أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي، ويرحب بالتزام الفريق الدولي لدعم سورية بالضغط على الأطراف في هذا الصدد، ويطالب كذلك بأن تتقيد جميع الأطراف فوراً بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء.

14 – يؤكد الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك الأحكام الواجبة التطبيق من الاتفاقية والبروتوكول المتعلقين بمركز اللاجئين، وأخذ مصالح البلدان التي تستضيف اللاجئين بالحسبان، ويحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الصدد، ويتطلع إلى مؤتمر لندن بشأن سورية الذي سيعقد في شباط/فبراير 2016 وتستضيفه المملكة المتحدة وألمانيا والكويت والنرويج والأمم المتحدة، بوصفه إسهاماً هاماً في هذا المسعى، ويعرب كذلك عن دعمه لتعمير سورية وتأهيلها بعد انتهاء النزاع.

15 – يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريراً إلى مجلس الأمن في غضون 60 يوماً عن تنفيذ هذا القرار، بما في ذلك عن التقدم المحرز في العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.

16 – يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي. (انتهى نص القرار).

مزايا وعيوب

سنحاول هنا أن نتطرق لمزايا وعيوب هذا القرار من وجهة نظر قانونية وسياسية، وسنقوم بتعداد المزايا والعيوب كما قرأها رجال القانون والسياسة والإعلام وكل مهتم بالشأن السوري على مدى السنوات الخمس التالية لصدور القرار؛ وهنا ليس بالضرورة أن تكون هذه المزايا أو العيوب قد تحققت فعلاً؛ فنحن نتناول الموضوع من الناحية النظرية المجردة، أما التطبيق العملي والنتائج سنتركها لرأينا في الخاتمة.

أولاً-المزايا:

1) تم تبني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بالإجماع وذلك بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، وهنا غابت عن الأنظار أيدي مندوبي روسيا والصين التي ارتفعت مراراً مستخدمة حق النقض (الفيتو) في كل مرة يحاول مجلس الأمن اتخاذ قرار يتعلق بسورية، ودائماً ترتفع لمصلحة نظام الأسد؛ لا لمصلحة الشعب السوري، في انحياز واضح وظالم، وبأبشع صورة من صور التعسف في استعمال الحق.

2) أشار بشكل واضح في مقدمته إلى أن “السلطات السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها”.

3) أكد القرار في مقدمته أيضاً على (سيادة واستقلال ووحدة وسلامة سورية).

4) أكد على تأييده لبيان جنيف1 المؤرخ في 30 حزيران/يونيه 2012، الذي أيده القرار 2118 (2013)، وقد ورد ذلك في المقدمة وفي الفقرة (1) من القرار.

5) أكد القرار على أنه ما من حل دائم للأزمة في سورية إلا من خلال “عملية سياسية” وتطرق لعملية “الانتقال السياسي” وإنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخَّول سلطات تنفيذية كاملة في سورية وهو أمر في غاية الأهمية ومطلب أساسي للشعب السوري الذي انتفض على الطغيان والاستبداد والحكم الفردي الديكتاتوري، وقد ورد ذلك في المقدمة وفي الفقرتين (1) و(2) بشكل صريح، وفي الفقرة (4) بشكل غير مباشر من خلال الحديث عن “حكم ذا مصداقية يشمل الجميع”.

6) دعا القرار إلى وقف إطلاق النار وأيده في جميع أنحاء سورية، وطلب تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار وآلية رصد ذلك، وقد ورد ذلك بالفقرات (5 و6 و7) من القرار.

7) دعا القرار إلى محاربة الإرهاب، وحدد بالاسم (داعش والنصرة) وغيرها من الجماعات الإرهابية، وترك لمجلس الأمن تعيين هذه الجماعات، وقد ورد ذلك في الفقرة (8) من القرار.

8) دعا القرار إلى الإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، ولا سيما النساء والأطفال، ونجد ذلك صريحاً في الفقرة (12) من القرار.

9) شجّعَ “على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل سورية” وقد ورد ذلك بالمقدمة. 

10) حدد القرار أطراً زمنية لعدد من القرارات والتوصيات التي اتخذها والرؤى التي انتهجها، وهذه نقطة غاية في الأهمية لعدم ترك الأمور عائمة ومعلقة على عوامل أخرى مبهمة وغير محددة ما يخرج الأمور عن نصابها ويجعل مخرجات هذا القرار عائمة وغير مجدية عملياً، وهنا نشير إلى الفقرات (1) حيث حدد القرار أوائل كانون ثاني/يناير موعداً مستهدفاً لبدء المحادثات بين الحكومة والمعارضة، والفقرة (4) حيث حدد مهلة مستهدفة ستة شهور لإقامة “حكم ذا مصداقية” 

يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، كذلك تحديد مهلة /18/ شهراً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد الذي تحدد الحكومة المنشودة جدولاً زمنياً لصياغته، كذلك ما ورد بالفقرة (7) لجهة تحديد مهلة لا تتجاوز الشهر لإنشاء آلية لرصد وقف إطلاق النار تقدم لمجلس الأمن من قبل الأمين العام، والفقرة (11) لجهة تحديد موعد “لا يتجاوز شهراً واحداً” لتقديم تقرير لمجلس الأمن من قبل الأمين العام عن الخيارات المتاحة للقيام بالمزيد من تدابير منح الثقة.

ثانياً- العيوب:

1) من أكبر العيوب التي تعتري هذا القرار هو أنه لم يصدر بموجب أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يتم اللجوء إليه في “حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان”  ومجلس الأمن هنا “يقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”  وغني عن البيان هنا أن ذلك يبيح استخدام التدابير التي يراها مناسبة كافة بما في ذلك استخدام “القوات الجوية والبحرية والبرية”  على الرغم من أن قرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013 الذي اعتمد بيان جنيف 1 بشكل صريح نص في الفقرة (21) منه وتحت بند “الامتثال” أنه “في حالة عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.” 

2) لم يرد ذكر “بشار الأسد” ولا منظومته الحاكمة في القرار، ولو بصورة غير مباشرة، ما ترك باباً واسعاً للخلاف والتفسير حول ما إذا كانت “هيئة الحكم الانتقالي الجامعة التي تخَّول سلطات تنفيذية كاملة” تعني رحيل بشار الأسد وزمرته أم لا!

ونعلم تماماً أن الشعب السوري بغالبيته لم يخرج على الطاغية ويقدم هذه التضحيات الهائلة إلا لينعم بالحرية ويصل إلى دولة مدنية تعددية يتم فيها “تداول السلطة”.

3) لم يرد في القرار أي حديث عن “العدالة الانتقالية” التي تعني بمعنى ما مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفي سورية تعني محاسبة أولئك الذين سفكوا دماء الشعب السوري وانتهكوا حرماته، وعليه فإن إسقاط هذا السياق فيه إنكار لا يمكن قبوله لتضحيات جسام قدمها الشعب السوري وتنكر لمبادئ العدالة الإنسانية التي يتفق عليها كل البشر، وتدمير القيم التي يبنى عليها أي مجتمع لائق، وتهديد عملية بناء السلام المستدام في البلدان التي تشهد نزاعات والتي تمر بمرحلة ما بعد النزاع، وصدمة لأولئك الملايين ممن فقدوا أحبتهم على أيدي قوات النظام وحلفاؤه.

4) أخضع القرار مسألة إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة بمبدأ “الموافقة المتبادلة”  ولا يخفى على أحد أن وضع الخيار في يد النظام سيتيح له فرصة ذهبية للتلاعب والمماطلة والتسويف والتعطيل – وقد فعل – بما لا يحقق الهدف من كل هذا القرار الذي جاء بعد مخاض عسير وتجاذبات واستقطابات دولية مريرة بأمل رسم مسار أممي لحل سياسي عادل – أو شبه عادل – وشامل للمسألة السورية، ومن لديه حد أدنى من المعرفة بطبيعة النظام يدرك تماماً بأنه لن يوافق على أي خطوة يكون فيها هلاكه، أو زواله، أو حتى الحد من سلطاته.

5) في إطار الحديث عن “عملية صياغة دستور جديد” لم يحدد القرار الجهة المخولة بصياغة هذا الدستور ولا آليات تشكيلها مع الأهمية البالغة لذلك، وفي ذات السياق وفي معرض الحديث عن “إشراف الأمم المتحدة” على الانتخابات؛ لم يحدد القرار الآلية لذلك .

6) الضرورة الإنسانية الملحة في سورية بذلك الوقت كانت “وقف إطلاق النار” ونجد أن القرار لم يحدد زمناً لبدء وقف إطلاق النار وترك الأمر عائماً مرتبطاً بالـ “الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي” الذي تمنى القرار أن يتم “على وجه السرعة”. 

كذلك فإن ما ورد بالقرار من أن وقف إطلاق النار لا يشمل الأفراد والجماعات الإرهابية (الفقرة 8) ترك الباب واسعاً أمام النظام وحلفائه للاستمرار في استهداف فصائل المعارضة التي يصنفها النظام – وروسيا – على أنها كيانات إرهابية.

7) في إطار الحديث عن قمع الأعمال الإرهابية والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته الجماعات الإرهابية؛ ذكر القرار بالاسم (داعش والنصرة والقاعدة) ولم يذكر الجماعات الإرهابية الطائفية المرتبطة بالنظام وإيران مثل ميليشيا فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية وعصائب أهل الحق ومليشيا النجباء العراقيتين وعشرات – بل مئات – المليشيات الطائفية والقومية التي جلبها نظام الأسد، وترك أمر تحديد الجماعات الإرهابية التي لم يرد ذكرها بالقرار لمجلس الأمن، ونحن نعلم أن روسيا لن تمرر أي قرار يمس الجماعات الموالية للنظام؛ فضلاً عن إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام. 

8) لم يضع القرار زمناً محدداً ولا جدولاً زمنياً لعملية الإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي ولا سيما من النساء والأطفال ، ونعلم أهمية هذه الخطوة وأولويتها كخطوة أولى من خطوات بناء الثقة، ومبدأ فوق تفاوضي ينبغي إيلاؤه الأهمية القصوى.

معضلة التراتبية:

منطق الأمور وسلم الأوليّات الذي يفرض نفسه في كل عملية سياسة تعقب نزاعاً مسلحاً واسع النطاق، أو حرباً أهلية، أو ثورة شعبية، هو ترسيخ وتأكيد وتفعيل وحماية عملية الانتقال السياسي أولاً وقبل كل شيء، وتتدرج الأوليّات بعد ذلك تباعاً، لكن في سورية الوضع مختلف!

في جنيف 4  ولدت فكرة السلال الأربع للمبعوث الأممي إلى سورية حينها السيد “ستافان دي ميستورا” وتتمثل هذه السلال التي كشف عنها دي ميستورا في المؤتمر الختامي لجنيف 4 فيما يأتي:  

– السلة الأولى: القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، مع الأمل في الاتفاق على ذلك خلال ستة أشهر.

– السلة الثانية: القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، مع الأمل في أن تتحقق في ستة أشهر.

– السلة الثالثة: كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وذلك خلال 18 شهرا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم.

– السلة الرابعة: استراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات للثقة المتوسطة الأمد.  

تصريحات الوفود السورية المشاركة في المفاوضات شهدت تناقضات في المؤتمرات الصحفية، حيث أكدَّ رئيس وفد النظام السوري، بشار الجعفري، أن “سلّة الإرهاب” سيطرت على 80% من فترة المحادثات، مشيراً إلى التمكّن من فرض جدول أعمال وصفه بـ “العقلاني”.

أما رئيس وفد الهيئة للمفاوضات، د. نصر الحريري، فقال إنه “على الرغم من أننا نعود دون نتائج واضحة في أيدينا، لكن أقول إن هذه المرة كانت إيجابية أكثر، هذه المرة الأولى التي ندخل فيها بعمق مقبول لنقاش مستقبل سوريا، لنقاش مستقبل الانتقال السياسي في سوريا. 

هذا التباين في وجهات النظر انسحب على سائر معطيات المرحلة لاحقاً، وحتى تاريخه، حيث تمسك ممثلو المعارضة بسلة “الحكم الانتقالي” وراوغ النظام وناور كعادته وتشبث بسلة “مكافحة الإرهاب” وبالتأكيد من خلال منظور هو؛ أي أن كل من يعارضه هو إرهابي، ومن خلف النظام وقفت روسيا بصلابة وتعنت حيث استولدت مسارات أخرى للحل في سورية لإجهاض المسار الأممي؛ ويأتي هنا مسار أستانا العسكري الأمني الذي انطلق في 23 يناير 2017، ومؤتمر سوتشي الذي رعته روسيا وعقد يوم 30 يناير/كانون الثاني 2018 في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود، وما تبعه من تشكيل اللجنة الدستورية وشجونها التي لا تنتهي، ويكفي أن نشير هنا إلى أن روسيا وإيران طرفان رئيسيان ومؤثران في هذين المسارين ليعرف الجميع أن هدفهما أبداً لن يكون في صالح الشعب السوري نظراً للانحياز الكامل والواضح لهاتين الدولتين لطرف النظام السوري.

خاتمة

يبقى القرار 2254 لعام 2015 الحدث السياسي الأبرز في مسار الثورة السورية المستمرة، وما سبق بيانه من محاسن ومثالب لهذا القرار؛ لا تنفي حقيقة ثابتة مفادها أن طرفا الصراع في سورية عقدا عليه آمالاً عريضة وأماني واعدة، وكلاً من وجهة نظره ورؤاه.

فقوى الثورة والمعارضة رأت فيه الحد الأدنى مما يلبي شيئاً من طموحات الشعب السوري الثائر وإنصافاً له واعترافاً بتضحياته، وسبيلاً لمسار سياسي أممي حظي بإجماع دولي، وبذلك تمسك ممثلو المعارضة في كل موضع بهذا القرار وما فتئوا يرددون ذكره في كل منبر، ويرون فيه الأمل بالخلاص من نظام مستبد موغل بالإجرام خدمته علاقاته السرية المتشعبة داخلياً وخارجياً، وخِدمته لأجندات غيره على الشكل الأمثل، وتوازنات دولية جعلت منه بيضة القبان في كسب النقاط والمواقف في ملفات إقليمية ودولية متنازع عليها بين الدول العظمى، لا تعني السوريين بشيء؛ لكنها أثرت على مستقبلهم.

أما نظام الأسد فقد وجد فيه ضالته حيث أمسى في مأمن من الحلول العسكرية التي كانت تؤرقه مع خشيته من ملاقاة مصير “سلوبودان ميلوشيفيتش” أو “صدام حسين” أو “معمر القذافي”، وكسب هامشاً واسعاً من الوقت للمزيد من المناورة والمماطلة والتسويف والقفز على الحبال مستعيناً بدعم روسي لا متناهي يؤيد رؤاه ويعمل جاهداً لتسوية الأمور كما يشتهي النظام بترقيعات سياسية وقتية تزول بعد حين لنصل إلى “سورية الجديدة” المدمرة المنهكة الممزقة التي يحكمها الأسد!

وما حدث في سورية عموماً يشكل صدمة هائلة لكل أولئك الحالمين بالمدن الفاضلة من ساسة ورجال قانون وفنانون ورجال دين وبشر فطروا على الفضيلة ممن يعتقدون أن الأصل في المرء هو الجانب الخيّر وأن نوازع الشر عابرة ستفنى وينتصر الحق والقانون والفضيلة في النهاية؛ لكنهم – ونحن معهم – حلمنا بعالم تحكمه قوة القانون لنصحو على عالم يحكمه قانون القوة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني