fbpx

قوّة التفاوض الغائبة.. وتخاذل الأمم المتحدة

0 338

حين يتقابل خصمان متفاوضان، فإن كليهما يضع ما لديه من أوراق قوة على طاولة المفاوضات، فهل مثل هذا كان يحصل في مفاوضات، أجرتها هيئة التفاوض بمراحلها المختلفة؟، وهل هذا يحصل الآن، مع فريق المعارضة في مفاوضات اللجنة الدستورية؟

المعارضة السورية لا تملك أوراق ضغط مادية على الأرض، وليست هي من يستطيع أن يحرّك الفصائل العسكرية بعمل عسكري ضد النظام، وبالتالي، ففريق تفاوضها، يأتي إلى جنيف، معتقداً أن قوة الحق، التي تمثّلها الثورة السورية، هي قوة تفاوض، وهذا خطأ كبير، ففي أي تفاوضٍ، لا يمكن لأي من الخصمين، أن يقدّم تنازلات مجانية لخصمه، في ظل غياب ميزان قوى فاعل، والمعارضة تفتقد لهذا الميزان.

ما حدث ويحدث في جنيف، منذ انطلاقة الجلسة الأولى للتفاوض مع النظام، يُظهرُ، أن النظام لا يؤمن بحل سياسيٍ، ولا قناعة لديه بتقديم تنازلات سياسية، بدون قوة ضغط عسكرية على الأرض من قبل المعارضة، قوّة تهدّد وجوده وحياة قياداته، وتهزم قواته، وهذه الحالة لا تمتلكها المعارضة التي تفاوض، لأن الفصائل العسكرية محكومة بعلاقات إقليمية ودولية، تمنعها من حرية القرار والمبادرة والانتصار.

النظام يتهرب من استحقاقات قرار دولي هو القرار 2254، والذي تنزّ منه رائحة تمييع تنفيذه، فهو قرار غير ملزمٍ لطرفي الصراع السوري (النظام والمعارضة)، وهو يرهن العملية السياسية بتفاهمات سورية – سورية، في وقت يدرك فيه المجتمع الدولي، أن النظام لا يفهم لغة تقديم تنازلات سياسية بغير قوة عسكرية.

النظام يذهب إلى جنيف، ليس ليفاوض، بل من أجل كسب الوقت دائماً، وتفريغ هذه المفاوضات من جدواها، عبر رفضه لكثير من الأمور، مستنداً إلى أمرين رئيسين، أولهما أن القرار المعني ليس قراراً لحل صريح واضح، لأنه يربط الحل بتوافقات وتفاهمات بين قوى الثورة والمعارضة وبينه، وهذا لن يحصل في ظل غياب ميزان قوى حقيقي بينهما، وهو كذلك لا يعترف بوجود معارضة وقوى ثورة، ويطلق عليهما زوراً تسمية (جماعات إرهابية)، إضافة أنه لا يزال يعتقد، أنه حكومة شرعية تتعرض لمؤامرة دولية.

أما ثاني الأمرين وهو حقيقة ملموسة لا تأخذ بها قوى الثورة والمعارضة في تفاوضها مع النظام، وهي الدور الروسي الواضح والصريح المناصر والمنحاز للنظام بكل قواه، هذا الدور هو من حمى ولا يزال يحمي النظام، انطلاقاً من مصالحه الحيوية، وهو بهذا الدور انتقل إلى قوة احتلال عسكرية للدولة السورية، وبالتالي هو من يتحكم بسياساتها، وهو من يهيمن على مقدراتها الاقتصادية ويستثمرها كدولة احتلال.

الروس الذين وقعوا على القرار 2254، كانوا يدركون بعمق أن هذا القرار يحمل بين مواده مفاعيل تعطيله للحل السياسي، ومن هنا رسموا بدائل له، وهي ما تمّ تسميته زوراً (مناطق خفض التصعيد)، وهم يتصرفون وفق هذه الرؤية، والسبب في ذلك، أن الغرب لن يمنحهم ما يريدونه في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط.

الروس هم من يرسم سياسة النظام السوري في التفاوض، وغير التفاوض، وهم من يقدرون في كل لحظةٍ، أن يستدعوا رأس النظام وبأي وسيلة لمقابلة بوتين، وبالتالي هم من يعطّل مفاوضات جنيف منذ انطلاقتها، هذا التعطيل، يجب أن يكون هدفاً لقوى الثورة السورية، أي بمعنى واضح، يجب رسم استراتيجية وطنية لمحاربة الروس في سوريا، وقتذاك، سيفهم الروس، أن القرار 2254 قابل للتطبيق، وبمدة زمنية محددة.

وفق ما تقدم، ينبغي أن تسحب قوى الثورة والمعارضة قبولها بمسار أستانة، وأن تعلن ذلك على الملأ، وأن تعمل على توحيد صفوفها، وتحديداً هيئة تفاوضها، فلم يعد مقبولاً بقاء تعطيل هذه الهيئة الهامة أمام المجتمع الدولي، وهذه الخطوات، يجب أن تترافق بإعادة النظر ببنية فصائل الثورة العسكرية، بحيث يجب توحيدها بجيش حقيقي، بقيادة موحدة، وبتراتبية عسكرية كباقي جيوش العالم.

إن تحديد الموقف السياسي لقوى الثورة والمعارضة، من الدور والوجود الروسي في سوريا، يعتبر خطوةً هامة في بدء التغيير، إذ يجب التعامل معه كعدو محتل لبلادنا، وأنه ارتكب جرائم كبرى بحق شعبنا، وتجب محاسبته وفق القانون الدولي على هذه الجرائم.

وإن الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لملف المفاوضات مطالبان بتحديد وتسمية الجهة المعطّلة للتفاوض، ومطالبان بوضع خارطة طريق للتفاوض محددة زمنياً، وذلك من خلال تعديل القرار 2254 غير الملزم، وستكون الأمم المتحدة مسؤولة عن كل الكوارث الحاصلة نتيجة صمتها وعدم أخذ دورها في تحقيق السلم.

إن صمت المبعوث الدولي جير بيدرسون عن عبث النظام، وعدم قيامه بواجبه بالكشف عن الجهة المعطلة، هو مساهمة منه بصفته الدولية، على تغييب حقائق التفاوض، وهذا يلحقه مسؤولية قانونية تتعلق بوظيفته، ومسؤولية أخلاقية بصمته عن عبث النظام، ما يطيل من عمر الكارثة السورية، ومن تبعات هذه الكارثة على الشعب السوري المغلوب على أمره.

إن الحل الوحيد أمام قوى الثورة والمعارضة، هو دعوة جادة وغير مرتبطة بأية أيديولوجيا حزبية، لعقد مؤتمر وطني جامع، يمثّل أوسع طيف سوري، بما فيها ممثلين عن مناطق تقع تحت سيطرة النظام الاستبدادي أو تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع، يخرج عن المؤتمر مجلس وطني (برلمان مؤقت) ينتخب من الممثلين لقوى الشعب السوري، ويمكن لهذا المجلس أن يكون مرجعية وطنية عليا لكل السوريين المعارضين لنظام الاستبداد.

إن امتناع ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي عن التحضير لعقد هكذا مؤتمر بالتعاون مع كل التيارات والفصائل السياسية والعسكرية، يعتبر مساهمة منهما في تعطيل عملية الانتقال السياسي في سوريا، ولهذا لا كبير غير الشعب السوري، ولا قيمة لقضية غير خلاصه من نظام الاستبداد ومن الاحتلالات الأجنبية.

إن تنسيق الجهود بين ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وبين هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، لعقد المؤتمر الوطني الجامع، سيساهم في خلق كتلة وطنية جاذبة وكبرى، هي من تغيّر من ميزان القوى على الأرض، وتجبر مجلس الأمن على التعاطي الإيجابي والسريع مع الصراع السوري، بحيث يتمّ الأخذ بكل القرارات الدولية حزمة واحدة، تؤدي كما ورد في بيان جنيف إلى تشكيل هيئة حاكمة انتقالية تقود البلاد إلى السلام وإعادة الإعمار.

فهل تقترب كتلتا العمل الوطني من هذا الاستحقاق وتعملان عليه، أم ستبقيان رهن ذهنيتيهما السياسيتين اللتين لم تستطيعا بعد خلق الإطار الوطني الجامع.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني