قوانين النظام السوري 15 و16 لتجريم التعذيب “خلل في النص واستحالة في التطبيق”
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر يوم الخميس 28 نيسان 2022، إن القانونين 15 و16 لعام 2022 اللذان أصدرهما النظام السوري، إنما هما خللٌ في النص واستحالة في التطبيق”، وفنَّدت في أسباب ذلك، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري فوق القوانين ولم تتم محاسبة أحد من المتورطين في جريمة التعذيب التي تشكل جريمة ضد الإنسانية.
النظام السوري يصدر القانون 16 كردٍّ شكلي على الخطوة الهولندية/الكندية أمام محكمة العدل الدولية:
تحدث التقرير عن أنَّ النظام السوري أصدر مؤخراً القانون 16/2022 لتجريم التعذيب كردٍّ شكلي على الخطوة الهولندية/الكندية أمام محكمة العدل الدولية، مؤكداً أنه قانون يستحيل تطبيقه في ظل البيئة القمعية الموجودة، وترسانة القوانين التي تحمي الأجهزة الأمنية من المحاسبة.
وأضاف التقرير أن إصدار النظام السوري لهذا القانون إنما هي محاولة شكلية لإظهار نوع من الالتزام بأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب، التي انضمت سوريا إليها منذ عام 2004، ومع ذلك لم تتخذ منذ ذلك الوقت أي إجراء تشريعي، أو قضائي، أو إداري، أو توعوي، أو إعلامي لوقف ظاهرة التعذيب، أو المعاملة القاسية، أو المهينة، أو اللاإنسانية، الشائعة جداً في كافة أفرع الأجهزة الأمنية وأقسام الشرطة.
النظام السوري يتحكَّم بعملية التشريع بشكلٍ مطلق:
أوضح التقرير أن النظام السوري يتحكَّم بعملية التشريع بشكلٍ مطلق؛ لأنَّ السلطة التنفيذية (الأجهزة الأمنية في سوريا) قد تغوَّلت على السلطة التشريعية، المتمثلة في مجلس الشعب (البرلمان)، الذي يهيمن حزب البعث منذ عام 1973 على قرابة ثلثي مقاعده، تساعده في ذلك سطوة الأجهزة الأمنية وترهيبها.
وأضاف التقرير بإنَّ دستور 2012، أعطى كسابقه صلاحيات أسطورية لرئيس الجمهورية، تجتمع لديه السلطات الثلاث، التنفيذية، القضائية، التشريعية، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وبناءً على كلِّ ذلك، فإنَّ النظام السوري يستطيع أن يضع ما يشاء من قوانين، وأن يعدلها وفق مصالحه سواء عبر مجلس الشعب أو عبر الرئيس شخصياً تحت مسمى (مرسوم تشريعي).
أشار التقرير إلى أن النظام السوري استحدث منذ سيطرة حزب البعث على السلطة عشرات التهم الجاهزة لإنزالها وتطبيقها ضدَّ من يريد من المواطنين، وبشكلٍ خاص المعارضين والنشطاء، كما سنَّ قوانين استثنائية وتشريعات تكمل ممارسات القمع عبر عمليات الاعتقال التي تمارسها أجهزته الأمنية وما يتبعها من تعذيب وإخفاء قسري ومحاكمات بإجراءات موجزة كأداة لتطبيق عقوبة جماعية في وجه المجتمع بمختلف فئاته.
وأوضحَ التقرير أن قانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات العام، وقانون العقوبات العسكري تعتبر من أبرز القوانين التي يحاكم بموجبها المعتقلون، وفي معظم الأحيان توجه المحاكم الاستثنائية مجموعة من التهم الرئيسة وتعممها على قضايا المعتقلين، وبذلك لا يواجه المعتقل تهمة واحدة، بل جملة من التهم، التي لا تستند إلى أدلة أو وقائع حقيقية.
القانون 15 لعام 2022 يزيد من التضييق على حرية الرأي والتعبير:
أشار التقرير إلى إصدار النظام السوري في الـ 28 من آذار المنصرم 2022، القانون رقم 15، المتضمن تعديل قانون العقوبات العام، وأوردَ التقرير التعديلات الرئيسة التي تضمنها القانون والتي تخصُّ المعتقلين على خلفية التعبير عن الرأي أو النزاع.
ولاحظ التقرير أنَّ التعديلات التي أصدرها النظام السوري وفق القانون 15/2022 قد توسَّع فيها في الجرائم المستحدثة والمبهمة أكثر من قبل، لتشمل طيفاً أوسع من المدنيين لملاحقتهم عند ممارستهم أدنى أشكال التعبير عن الرأي أو النقد الموجه للسلطة. وبحسب التقرير فإنَّ هذه التعديلات أُصدرت لمواجهة حالة الاحتقان الشعبي السائدة في المناطق التي تخضع لسيطرته حتى من قبل الموالين له؛ بسبب التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يعانيه المدنيون، وبالتالي يتم اعتقال كل من ينتقد أي شيء تقريباً، مما يساهم بشكلٍ أكبر في تعزيز قبضة السلطة الحديدية، ويشرعن عمليات الاعتقال.
خمسة أخطاء كارثية في نص القانون 16 لعام 2022 تفرغه من أية فاعلية:
أشار التقرير بأنَّ هناك خللاً هائلاً في نصوص القانون 16 لعام 2022 لتجريم التعذيب الصادر في 30 آذار 2022، مشيراً إلى خمسة أخطاء كارثية في نصِّ القانون تفرغه من أية فاعلية، وتجعل منه قانوناً بلا جدوى على أرض الواقع.
ومن الأخطاء في نص القانون 16 أنه لم يعتبر أن جرائم التعذيب غير مشمولة بمرور الزمن ولا تسقط بالتقادم، ويجب أن تستثنى من قوانين العفو، وأنه لا يشمل جرائم التعذيب المرتكبة قبل تاريخ صدوره، وبالتالي فإنه لا يشمل جميع الجرائم المرتكبة منذ آذار 2011، لأنها بطبيعة الحال ستسقط بالتقادم إن كانت جنحة بعد ثلاث سنوات، وإن كانت جناية بعد عشر سنوات.
وأضاف التقرير أن القانون 16 لم يتطرق لكيفية تنفيذ التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى، وأنه لم يلزم النيابة العامة بالإسراع بمباشرة التحقيق فوراً، مادام صاحب الشكوى عليه آثار التعذيب، كما أنه لم يشمل التعذيب الخفيف، والتعذيب المعنوي كالشتم وتوجيه الإهانات، وإنما يركز على التعذيب الشديد الذي ينجم عنه ألم جسدي أو عقلي.
وأوضح التقرير أن القانون 16 تجاهل الظروف اللاإنسانية القاسية لمعتقلات النظام السوري، وإهمال الرعاية الصحية وحرمان المعتقلين منها، وهما من أساليب التعذيب التي تسببت في ارتفاع نسب الوفيات بين المعتقلين لدى النظام السوري.
النظام السوري يصدر قوانين تشرعن إفلات الأجهزة الأمنية من العقاب وتنتهك الدستور وجميع القوانين المحلية والدولية:
طبقاً للتقرير فإن النظام السوري شرعنَ جريمة التعذيب عبر العديد من القوانين والمراسيم، وعلى الرغم من أنَّ دستور عام 2012، يحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب، وقانون العقوبات العام تضمن مواد تنصُّ على الحبس لكل من استخدام الشِّدة في أثناء التحقيق في الجرائم، ويحظر التعذيب في أثناء التحقيق، لكن هناك نصوصاً قانونية تعارض بشكلٍ صريح المواد الدستورية السابقة، وتُشرعن الإفلات من العقاب، إذ يتمتع كافة عناصر الأجهزة الأمنية الأربعة بحصانة من الملاحقة القضائية إلا إذا سمح رؤسائهم بها.
وعلَّق التقرير أنَّ الملاحقة القضائية المشروطة بالحصول على الموافقة المذكورة هي أمر غير دستوري وتغوّل على السلطة القضائية وينال من استقلالها عن طريق وضع قيد لا يسمح لها أن تمارس ولايتها الدستورية قبل موافقة أحد من مسؤولي السلطة التنفيذية.
أوضح التقرير بأنَّ سوريا تحت حكم النظام السوري الحالي تُعاني من مشكلتين: الأولى على صعيد النصوص القانونية نفسها، الثانية: على صعيد تطبيق القانون. مؤكداً أن التشريعات التي تحدث عنها والتي يفترض أنها نصوص قانونية لكنها في حقيقتها تُشكل انتهاكاً للقانون، هي في حقيقتها عبارة عن مراسيم ونصوص تُشرعن الجريمة، وتخالف حتى دستور عام 2012، وتنتهك القواعد الأساسية لحقوق الإنسان، ولهذا فهي تُشكل تكريساً للإفلات من العقاب.
كما أكد التقرير أن عدم فتح النظام السوري أي تحقيق أو محاسبة لعنصر أمن واحد مهما كان منخفض الرتبة على خلفية عمليات التعذيب، ساهم كل ذلك في ارتفاع وتيرة التعذيب، وتفنن الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع بعض الأطباء في المشافي العسكرية في ابتكار أساليب تعذيب جديدة أكثر وحشية وعنفاً، وقد تسبَّب ذلك في استمرار الوفيات بسبب التعذيب حتى يومنا هذا.
ما لا يقل عن 132 ألف معتقل و14 ألف ضحية بسبب التعذيب في معتقلات النظام السوري:
أكد التقرير أنه لا جدوى لقانون تجريم التعذيب ولأي تشريعات يسنها النظام السوري طالما هو المرتكب الرئيس لانتهاكات التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري منذ آذار/2011 حتى الآن.
وجاء في التقرير إن َّما لا يقل عن 132667 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري بينهم 3658 طفلاً و8096 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار/2011 حتى آذار/2022.
وقد تمكنَّ التقرير منذ مطلع عام 2018 حتى نيسان 2022 من توثيق ما لا يقل عن 1056 حالة لمختفين قسرياً كشف النظام السوري عن مصيرهم عبر دوائر السجل المدني بأنهم قد ماتوا جميعاً، وهو الذي كان قد أنكر وجودهم لديه، مما يرجح أنهم قتلوا بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية.
كما سجل التقرير منذ آذار/2011 حتى آذار/2022 مقتل ما لا يقل عن 14449 شخصاً قضوا بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية في معتقلات النظام السوري بينهم 174 طفلاً و74 سيدة.
وبحسب التقرير فإنَّ قانون تجريم التعذيب الأخير سيبقى حبراً على ورق ولن يسهم في ردع الأجهزة الأمنية عن ممارسة التعذيب ما دامت بقية القوانين القمعية سارية، وهي التي يقوم عليها النظام السوري.
أهم الاستنتاجات القانونية:
أكد التقرير أن الدولة تُسيطر بشكل مركزي على مراكز الاعتقال التابعة لها وهذه المراكز الأمنية لا تخضع لأية رقابة قضائية من قبل النيابة العامة على الإطلاق خلافاً لما ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية، ولذا فإنه من المستبعد أن تجري وفيات بسبب التعذيب دون معرفة النظام الحاكم في الدولة.
وأوضح التقرير أنَّ النظام السوري مسؤول عن إثبات أنَّ حالات الوفيات التي أبلغ عنها لم تكن بسبب التعذيب، وتسليم جثامين الضحايا إلى ذويهم، لكنه لم يقم منذ أحد عشر عاماً بتحقيقٍ واحد، وهذا لوحده يُشكل دليل إدانة واضح بحقه.
أكد التقرير أنه لا يمكن لجهاز واحد فقط من أجهزة النظام السوري أن يباشر التعذيب ويتسبب في الوفيات بسبب التعذيب، بدون إشراك عدة مؤسسات في الدولة من أبرزها: وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، الأجهزة الأمنية، النيابة العامة، الطب الشرعي، السجون المدنية، المشافي العسكرية، المؤسسة القضائية، وزارة الأوقاف، مكتب دفن الموتى، وهذا يُشير إلى عملية تناغم وتنسيق عالية بين هذه المؤسسات، وهذا لا يتم إلا بإدارة مستويات عليا في النظام السوري تتحكم بجميع هذه المؤسسات.
وبحسب التقرير لم يكتفِ النظام السوري بتوجيه التهم ومحاكمة المعتقلين وفق قانون العقوبات العام في المواد المتعلقة بالجرائم الواقعة على أمن الدولة وقانون العقوبات العسكري، ومحكمة الميدان العسكرية المحدثة منذ عام 1968، بل أصدر قانون الإرهاب الذي أورد خلاله مواد فضفاضة وتعريفات مفتوحة وعامة للعمل الإرهابي والمؤامرة.
وأضاف التقرير أن النظام السوري أحدث محكمة جزائية استثنائية أخرى لقضايا الإرهاب، ليزجَّ من خلاله أكبر عدد من المعتقلين أمام محكمة قضايا الإرهاب وترك المجال أمام القضاة لشرح وتحليل التهم الموجهة وفق آرائهم، وهذا ما فتح الباب أمام عمليات الاستغلال والابتزاز المادي للمعتقل مقابل إطلاق سراحه أو تشميله في مراسيم العفو التي تصدر.
وأكد التقرير أنه في الأصل لا يوجد أساس قانوني لآلية تجريم المعتقلين وتوجيه التهم سواء وفق قانون مكافحة الإرهاب أو قانون العقوبات العام وعادةً ما تستند إلى الاعترافات التي انتزعت بالتعذيب والإكراه وهي ليست محاكم بالمعنى القانوني والقضائي.
أبرز التوصيات:
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بإيجاد طرق وآليات لتطبيق قرارات مجلس الأمن 2041 و2042 و2139 والبند 12 في القرار 2254 الخاصة بالمعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا، كما طالب مجلس الأمن باتخاذ خطوات لإيقاف عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت. إلى غير ذلك من توصيات إضافية…