قراءة في رواية “وادي الصفصافة”
- الكاتب أحمد الطراونة
- الناشر: أزمنة للنشر
- ط1، ورقيه 2009
الرواية تتحدث عن زمنين أولهما معاصر وهو زمن بطل الرواية بعد سنة 2000، وزمن آخر يرجع لزمن جده الذي عاصر أواخر مرحلة العثمانيين في منطقة الكرك وبلاد الشام، الجد حسن أحد قادة الثوار.
تبدأ الرواية من الحاجة أم أحمد في الأردن/الكرك، تجلس امام الباب تنتظر وحيدها الذي بلعته الغربة، وحيدها احمد الذي ذهب لتركيا ليتم علمه ويدرس الطب، ويتأخر بالعودة كثيرا. يعود أحمد اخيرا ليجد أمه والبلدة والعائلة كلها في انتظاره، يعود ومعه زوجته التركية، التي تلفت النظر بمظهرها المنفتح، والتي تكتشف انها في مناخ لا يتقبلها، احمد يبحث في صندوق والده حسن ويجد هناك مخطوطات تكاد تتآكل، ويبدأ يطلع عليها.
تمر حياة احمد بين البحث عن عمل كطبيب عند الدولة والانتظار للحصول على ذلك، وتأتيه الفرصة اخيرا، وبين التحذيرات له من قبل اقاربه ان يكون حذرا، فهناك ثأر ما زال قائما بين عائلته وعائلة أخرى، وقد يكون هو الضحية القادمة، وعادة الثأر ما زالت سائدة في كثير من البلدان ؛ حيث ينتقم لمقتل اي احد من عائلة او عشيرة او قبيلة ولاي سبب كان، ودون العودة للقانون واحقاق الحق، ينتقم من اي احد من طرف القاتل، مما يضطر أهل القاتل لمغادرة البلد، وترك اسباب حياتهم، ويعيشون خوفا مزمنا على أنفسهم وعيالهم من أن يطالهم القتل، الى ان تحل المشكلة عشائريا او يقتل احدهم، وتدور دوامة الثأر حاصدة أرواح الناس الأبرياء. أحمد وقع ضحية هذا الشعور والخوف والحذر، اضافة لعدم تكيف زوجته مع امه وواقع حياتهم.
في مسار آخر يبحر احمد في اوراق جده حسن؛ الذي كان معاصرا اواخر العهد العثماني؛ حسن (دواس الظلما أخو هدلى) الشجاع المقدام، الذي يعاني وربعه من ظلم العثمانيين وموظفيهم، الذين يمتصون خيرهم المحدود ويتركونهم على الكفاف، وخاصة انهم في بيئة زراعية قاحلة، منتجهم قليل، ماشيتهم لا تكاد تكفيهم بين البداوة والحضر، حسن وبدر والعم ابو محمد واخاه حسين ووجوه القوم في الكرك، يتداولون في امر العثمانيين الذين نكلوا بأهل حوران وجبل العرب، بعد أن طبقوا عليهم قانون التعداد والتجنيد، ومصادرة الخيرات، وسوق الابناء لحروب لا يعود منها أحد، حسن وعصبته يتداولوا بالأمر ويقرروا العصيان يعني الثورة، وهم يعلمون أن النصر احتمال ضعيف جداً، وأن القتل والتمثيل وسبي الأهل مصيرهم إن فشلوا، وكان خيارهم المواجهة رغم كل الاحتمالات، سنعيش معهم معاناتهم من القهر، واندفاعهم للثورة، ووجود من يحاول ثنيهم سواء لقناعته بالخلافة العثمانية؛ كحامي في مواجهة الغرب الذي بدأ يتمدد في فلسطين عبر شراء الأراضي لليهود، سنعيش تفاصيل كثيرة، ستحصل الثورة وسيكون لها أخطاءها، وخاصة عدم جوابها عن سؤال مهم وماذا بعد؟ ومن يساعدنا في حربنا ضد العثمانيين؟ سيرسل العثمانيين قوة كبيرة تواجه الثورة وتبيدها، وتعتقل قادتها وتنكل بهم قتلاً برميهم من أعلى القلعة أو إعدامهم أو سجنهم لسنين طويلة.
سيصل مخطوط الجد للوالد ومنه للحفيد أحمد، ورسالة جده لأحفاده: إنهم يعلمون أنهم لن ينتصروا لكنهم أخذوا المبادرة لصناعة ثورة الحرية، والتي لابد آتية ولابد منتصرة.
أحمد يعيش عشرات السنين بعد ذلك، لا عثمانيين الآن، والدول الوطنية جاءت ولكنها كانت استبدادية، وحياة الناس لم تختلف، ذهب العثمانيين وجاء الغرب؛ في فلسطين استوطن، وفي غيرها زرع أتباعه، هم يحاصرون العراق ويقصفونه، وهم (الغرب) حاضرون في كل شيء.
تنتهي الرواية مع نهاية المخطوط، والأسئلة مازالت قائمة: هل جاءت ثورة الحرية؟ وهل انتصرت.؟ هل تغيرت الأحوال؟!.
ما لم تقله الرواية وقالته الأعوام القادمة بعد تدوينها: إن ثورة الحرية حضرت مع الربيع العربي، وإن ظلم (الغريب، المستعمر) مثله مثل ظلم (القريب، الأنظمة المستبدة)، بل ظلم القريب أسوأ، وبطشه أقسى، خاصة أن تغطى بدعم الأعداء الدوليين والإقليميين.
ما زالت حركتنا لثورة الحرية مستمرة تحقيقاً للحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل وإنا لمنتصرون.