fbpx

قراءة في رواية ممالك البحر الأحمر – السقوط

0 282
  • الكاتب: بلال البرغوث
  • الناشر: كتابنا للنشر والتوزيع
  • ط1، ورقية، 2019م

بلال البرغوث روائي سوري شاب متميز، قرأت له روايته ثلاثة لاجئين ونصف وكتبت عنها، هذا ثاني عمل روائي أقرؤه له.

ممالك البحر الأحمر – السقوط، هي الرواية الأولى لبلال البرغوث التي يتحدث في تقديمها عن ظروف ولادتها، وأنه وجد من يؤمن بموهبته ويشجعه على الكتابة والنشر، وأنه يكنّ لكل من دعمه الود والشكر. خاصة وانه ابن مدينة دوما التي كان لها حضور في الثورة السورية، حيث كان أحد الناشطين في الثورة، كان يدرس طب الأسنان، غادر إلى ألمانيا عام 2015م، وهناك بدأ دراسته للحقوق فيها.

تحاول رواية بلال الأولى أن تحاكي الواقع السياسي لمنطقتنا العربية في بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية ووادي النيل مصر والسودان، مستخدماً اسم البحر الأحمر والممالك التي تحيط به في زمان ما قديم، قبل نزول الرسالات السماوية في مشرقنا العربي، ممالك بأسماء مختلفة.

تبدأ الرواية من لحظة تاريخية فارقة وهي اكتشافات ألواح طينية تتحدث عن طوفان حصل في زمان ما قديم، وكأنه إشارة إلى طوفان النبي نوح، وان هناك إله حمى المؤمنين به وأنقذهم. حصل ذلك في مملكة بلاد الشام وما حولها، حيث كانت متميزة في ذلك الزمان بالعلم والمعرفة وحضور للفلسفة والفلاسفة، والحكم فيها أقرب للعدالة قياسا ببقية الممالك. صنع هذا الاكتشاف انقلابا نوعيا في عقل الفلاسفة والحاكم وبدؤوا يعدون العدة للمتغير الجديد في عقائدهم، خاصة أنهم كانوا لا يؤمنون بآلهة للوجود وينكرون أي ألوهية.  وطدوا الإيمان الجديد في بنيتهم العقلية وبين الرعية، ما يعنيه ذلك من انقلاب في التفكير وتغيير في نمط الحياة. خاصة أن هذه المملكة كانت قد رفضت الإيمان بأي إله، كما ذكرنا، في الوقت الذي كانت ممالك الإعراب تؤمن بآلهة أوثان تتجمع حول الكعبة ولكل مملكة وقبيلة إله خاص. أما في مصر فقد كان الحاكم هو الإله المعبود، أما السودان فلا اعتقاد عندهم، كذلك كانت ممالك عدن على البحر الأحمر لا تهتم لأمر الآلهة من قريب أو بعيد، فهي مدن تجارة ومال ومصالح.

تتحدث الرواية عن فترة سابقة على الحدث الجديد التي عاشتها المنطقة تزيد على القرن، كانوا فيها في حالة حرب وصراع دائم بين هذه الممالك الخمسة، ثم حصل توافق وُثّق بعهود جعلهم يعيشون في حالة سلم يتبادلون المصالح. شكلوا تنظيماً سرياً يحمي المعاهدة ويعاقب من يخترقها.

وصل خبر اكتشاف الإله الذي حصل في بلاد الشام إلى ممالك العرب المتعددين، الذين سيّدوا أقواهم وأعقلهم وأكثرهم حنكة ودراية، بحثوا في الأمر وقرر ملكهم أن يعمل على منع انتشار هذا الاعتقاد ولو أدى إلى حرب مع مملكة الشام، أو خلق حرب أهلية وتخريب وصراع وفساد فيها، السبب في ذلك الخوف من أن يؤثر الاعتقاد بوجود إله على عقائد العرب الوثنية وما يعنيه ذلك من احتمال صراع واختلافات تضر بمصالح الأمر الواقع للممالك العربية المتوافقة فيما بينها.

بدأ ملك العرب هذا رحلة إلى الممالك الأخرى بهدف حشد التوافق على ضرب مملكة الشام. وصل إلى مملكة عدن وتوافق مع ابنة ملكها، حيث ساعدها في قتل والدها وأخيها وريث العرش، وأصبحت هي الحاكمة ولاعتبارات ذاتية لها، حول حب حصل بينها وبين ملك الشام حين كانا يدرسان في ممالك الشرق البعيد ولم يستجب للتواصل الجسدي معها، لكونه كان عاهد زوجته على عدم خيانتها مع أي امرأة أخرى. كذلك ألّب مملكة السودان التي كانت حريصة على استمرار استخراج الذهب من المناجم وبيعه واستمرار بيع العبيد واستيلادهم من أم وأب عبيدين. كان الظلم في السودان يتجاوز كل تصور. العبيد ليسوا من بني البشر، طبقة الأحرار تهيمن بالمطلق على العبيد، تأكل لحوم العبيد، وتستبيحهم في كل شيء. كان حكام مملكة السودان يصرون على حماية مصالحهم مع بقية الممالك وخاصة مملكة مصر، المملكة التي يسيطر عليها ملك يطرح نفسه أنه إله، كانت تنافسه طبقة السحرة التي تشكلت بالتوازي معه، كان حريصاً على الاستجابة لطلب ملك العرب والعمل لضرب مملكة الشام وما تطرحه حول الإله الجديد، كان ثمن قبولها التحالف، مساعدة الملك بالقضاء على طبقة السحرة التي تشكل خطراً وتهديداً دائمين على الملك الإله المصري، وهكذا حصل حيث تم القضاء عليهم في مؤامرة حاكها ملك العرب.

بدأت معركة الممالك الأربع العرب وعدن والسودان ومصر على مملكة الشام من خلال اختراقات لها من قبل قراصنة البحر الكبير “الأبيض المتوسط”، حيث دخلوا بلدة ساحلية قتلوا وأحرقوا ودمروا البلدة عن بكرة أبيها، وكذلك انتشر الكثير من المقاتلين السريين في جميع أرجاء المملكة، يقتلون ويستبيحون الحرمات، بحيث أصبحت مملكة الشام في وقت قليل مستباحة، عجز ملك الشام وجنده من ضبط الأحوال، ولم يفهموا حتى لِم حصل هذا معهم ومن وراءه؟.

اجتمع ملوك الممالك ودعوا ملك الشام إليهم تحت دعوى التشاور في المستجدات، ولكنهم دعوه ليعتقلوه وأخبروه بأن ما حصل معه ومع مملكته، هو جراء قبوله وفلاسفته بأن هناك إله في الكون، وما يعني ذلك من تغيرات تطال حياة الناس وتصنع اضطراباً في الممالك وتضر الجميع. لذلك، اعتقلوه وادعوا أنه مات على الطريق حينما جاء إليهم وساقوه عبداً إلى مملكة مصر، وعملوا ليضعوا ملكاً غيره على مملكة الشام توافقوا مع الأب الروحي لملك الشام أن يضعوا ابن الملك السابق ملكاً على الشام وأن ينكروا دعوة وجود الله.

اعتقد ملك العرب وبقية ملوك المماليك أن الأمر استتب لهم.

لكن المنظمة السرية التي تحاسب كل فعل ينقض الاتفاق الذي أبرم منذ زمن بعيد، علمت بما حصل، وأنه مؤامرة على مملكة الشام. وبدؤوا حملة تأديب ومعاقبة لمملكة مصر وملكها.

إلى هنا تنتهي الرواية لكن الكاتب يؤكد أن الملحمة الروائية لم تكتمل وأن هناك أجزاء أخرى قادمة.

في التعقيب على الرواية أقول:

كان غريباً علي وعلى قراء العربية أيضا – كما أعتقد – هذا التغير الجذري في الأسماء سواء للأعلام أو حتى الاماكن بحيث يصعب متابعتها أو حتى حفظها ضمن متابعة السرد الروائي، لذلك عندما كتبت التعقيب عدت إلى الأصل في تسمية الأماكن كما هي على أرض الواقع، أعلم أن الكاتب أراد أن يخلق عالماً بديلاً، ولذلك غاص عميقاً في تغيير كل شيء، مشكور أنه احتفظ بالخريطة وتسمية البحر الأحمر.

لقد وضع الكاتب يده على مشكلتين في حياتنا المعاصرة، الأولى: ضرورة وجود الدولة الديمقراطية العادلة التي تحترم عقائد الناس والتي تحترم الناس وعقولهم ومصالحهم، التي تمثلهم حين تحكم وتعود لهم في أي أمر حياتي جديد يهمهم. نموذج ذلك مملكة الشام، الفلاسفة والعلم والحكمة ومجلس الشيوخ “النيابي” والتحدث مع الناس والعودة لهم في كل أمر. بينما واقع بقية الممالك مختلف في مملكة لكنهم كلهم ممالك استبدادية تحكم بالقوة وتستغل شعبها.

ممالك العرب كانت مجزأة محكومة من رؤوس عشائرها متوزعة في الصحراء تلتقي وتختلف حسب مصالحها التي تراها في أي زمان واي مكان. يقودها الأقوى والأدهى وأكثر حنكة وبطشاً إن ألزم.

أما مملكة عدن فهي منطقة تقاطع مصالح على مدخل البحر الأحمر الجنوبي وهي لذلك تهتم بالمال والمصالح وتقديم الخدمات لكل الأطراف تحاول ألا تختلف مع أي طرف وتخدم كل الأطراف بدءاً من المال إلى تجارة العبيد والجنس وكل شيء، مثلها نماذج عربية معاصرة.

أما مملكة مصر فهي النموذج الموغل في الاستبداد واستعباد الناس، إلى درجة تأليه الحاكم وخلق طبقة فكرية “السحرة” تنتج عقائد تؤكد ألوهية الحاكم وتحكمه بكل شؤون حياة الناس. هؤلاء السحرة الذين يتبادلون المنافع مع الحاكم الإله.

أما نموذج مملكة السودان في الأكثر انتهاكاً لإنسانية الإنسان، العبيد المعتبرين سلعاً وليسوا بشراً مستباحون أجساداً وأعراضاً، بيعا وشراء واستخداماً مذلاً، وحتى يُؤكلون في وجبات الحكام وطبقة الأحرار.

مرارة الشعور بحصول ذلك يؤلم، والواقع المعاصر فيه كثير من هذا، ليس في السودان فقط بل في بلاد العرب كلها أيضاً، ولو أن آكل لحوم البشر الآن معنوي واستباحة البشر وحياتهم وهدرها قائم للآن.

الثاني: في الرواية إشارة مهمة حول العقائد المهيمنة سابقاً. عبادة الأصنام وعبادة الحاكم، وعبادة المال، واستباحة البشر دون أي عبادة، ثم مجيء الإشارة إلى الله خالق البشر، وعبادته بما يعني ارتقاء في العقل البشري في البحث عن الله الخالق للكون والبشر فيه. تساوي الناس أمامه، وأنهم أحرار في حياتهم وأن العدالة أساس عيشهم وأن العقل والفهم والقبول المتبادل للبشر أساس عيشهم.

كما لا يمكننا إلا أن نذكر الرواية اعتنت بالغوص عميقاً بالعلاقات الإنسانية الذاتية والنفسية، حب ووفاء وأمومة وأبوة وجنس من كل نوع يمثل عموداً فقرياً في صلب الحياة للإنسان في أي مكان وأي زمان، وهذا جعل الرواية أقرب لكونها نص يغوص في حياة الناس على المستوى الخاص والعام في تشابك لا يمكن فصل عراه.

في الرواية رسائل كثيرة، الرواية هذه تنبئ بموهبة متميزة عند الشاب بلال البرغوث، نتمنى منه دوام العطاء وله التوفيق.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني