fbpx

قراءة في رواية “حرب الكلب الثانية”

0 212
  • المؤلف: إبراهيم نصر الله
  • إصدار: الدار العربية للعلوم ناشرون
  • ط1، 2016، ورقية

إبراهيم نصر الله، روائي وشاعر فلسطيني متميز، غزير الإنتاج، اغلب كتاباته تنصب على القضية الفلسطينية، تتناولها من أوجه عدة، له سلسلة الملهاة الفلسطينية، وله سلسلة الشرفات. حرب الكلب الثانية؛ الرواية الحائزة على جائزة البوكر العربية عام 2018، هي رواية تتحدث عن المستقبل البعيد لا نعرف كم من السنين، لكن نعرف كم أصبحت التكنولوجيا متقدمة، وسائل الاتصال والتواصل، والتحكم والانتقال بين الكواكب.

تبدأ الرواية من زمان قادم بعيد، وبلاد هي أقرب لبلادنا، هي بلادنا العربية دون تسمية لهذه البلاد، بلاد أصبحت محكومة من سلطة كلية القدرة، تتحكم بكل مفاصل الحياة، والبشر منهم، يرمز للحكام بالقلعة حيث يتربعون على مرتفع – رمزياً – مطل يستخدم الوسائل الحديثة لإحصاء أنفاس الناس وحركاتهم، في هذا المستقبل؛ الشمس انحسرت واصبح النهار ساعات، والليل طويل والظلام دامس، الشخصية الرئيسية في الرواية “راشد”، شاب كان ينتمي للقوى اليسارية، التي عملت ضد السلطة، وكان نصيبها الاعتقال والتعذيب والسجن، راشد خرج من المعتقل وفكر أن يصنع حياته ومستقبله، من خلال الاقتراب والتعامل مع حكام القلعة، التي يتحكم فيها العسكر، وأفضل وسيلة للتقرب من أعدائه السابقين، هو الزواج من أخت أحد الضباط الذي كان يحقق معه ويسجنه، الفتاة اسمها “سلام” هو لا يعرفها، المهم انها أخت الضابط وستكون مدخلا له إلى عالم القلعة، تقدم لخطبتها في شبه مغامرة، تداول الضابط في الأمر مع مديره ومن حوله من المسؤولين في القلعة، راشد مناهض سابق للقلعة ومن فيها، ويعرف عنه أنه صمد امام آلة التعذيب الجهنمية أثناء التحقيق، ولم يحصلوا منه على أي معلومة، كانوا معجبين به لصموده، ويحترمونه لأنهم لم يستطيعوا تطويعه واستنزافه من معلوماته، فكروا انه يريد اختراقهم، ولم يخافوا فهم الحكام القادرين على سحقه مهما كان عنده، وفي اي وقت، فكروا أنه يريد أن يلتحق بهم ليحصل على سلطة ومصلحة ويخدمهم و بعض المكاسب له، لم يستبعدوا ذلك، لم لا؟، ليفدهم ويستفيد هو، قرروا قبوله في وسطهم ان رضيت به الفتاة سلام، وليكون تحت المراقبة طول الوقت. حصلت الخطبة بيسر وسهولة، وكذلك الزواج، اذهل راشد من جمال زوجته سلام، وتمنى لو يكون لها مثيلات كثيرات، ويكنّ له، بدأ يعمل مع الضابط أخ زوجته، وقدم له أفكاره ورؤاه عن مصادر استثمار جديدة وذات مردود عال، طرح عليه فكرة ان يستثمروا في سيارات الإسعاف، وتأمين المرضى والمصابين بأسرع وقت إلى مشافي الدولة أو المشافي الخاصة، خلق شبكة من سيارات الإسعاف وسائقيها ومسعفيها، وأضاف لها محاسبين لضبط مردودها المالي، وسميت مشروع أسير الأمل1، نجح المشروع وأعطى لراشد عند الضابط ومديره مزيد من الثقة والمصداقية. لم يكن راشد منشغلا بالمشروع فقط، بل كان مولعا بزوجته ويبحث عن شبيهات لها، ليعيش معهنّ علاقة جنسية دائمة، فكر ان يستفيد من تقدم التكنولوجيا والعلوم “هناك”، يعني بلاد أخرى نفهم – نحن – إنه الغرب، ويصحب سكرتيرته معه إلى هناك، مع صورة لزوجته ليعيد صياغتها شبيهة مطابقة لها، وهذا ما حصل، ويعودوا إلى البلاد ويعيش حياة جنسية ممتلئة، زوجته في البيت سكرتيرته الشبيهة في العمل. راشد يتقدم في العمل مع الضابط ومديره، ينجح المشروع، لكن مشكلة الأشباه بدأت تتكاثر، فها هو” الراصد الجوي” جار راشد بدأ يصبح شبيها لراشد رويدا رويدا، وهذا يعني خوف راشد على زوجته من أن يصل إليها جاره الراصد الجوي على أنه راشد، أصبح هذا الموضوع همّه الشخصي، وكيف يبعد جاره عن زوجته، ولو أدى إلى قتله، وكذلك سائقه الذي بدأ يصبح شبيها له ايضا. كما أنه أصبح يعاني من أخبار تصل لزوجته عن ظهورها مع زوجها في مواقع مختلفة، وهي لا تعلم، وبدأت تفهم أن هناك شبيهة لها تعمل مع زوجها، ستعلم انها السكرتيرة، ويقنعها أنه جعلها شبيهتها لحبه لها، وأن علاقتهما لا تتجاوز العمل فقط، لكن التشابه بين الناس يزداد ويصبح ظاهرة عامة، وتبدأ القلعة في محاربة الأشباه والقضاء عليهم. راشد يستطيع تبرير وجود سكرتيرته وكأنها شبيهة لزوجته الضابط وإدارة القلعة، أما جاره الراصد الجوي فيستطيع أن يصل إلى زوجته ويعاشرها جنسيا على أنه زوجها، وهو يقرر التخلص من الراصد الجوي، ولا ينجح في القضاء عليه. عمل راشد مع الضابط والمدير يتقدم، ويقترح عليهم مشروع أسير الأمل 2، الذي يعني بناء سجن كبير لاعتقال الناس ثم مساومتهم على خروجهم، أو استمرار اعتقالهم، أو تعذيبهم، أو قتلهم ان تطلب الأمر ذلك، كل ذلك على أرضية الاستثمار والمرابح، وبدأ المشروع ونجح وزاد الاستثمار وارتفعت أسهم راشد عند الضابط والمدير. لكن واقع الحياة الأخرى لم يكن بخير، ظاهرة الأشباه وملاحقتها وقرار القلعة محاربتها، لم تخفف من حدوثها وانتشارها، أصبحت وباء شائعا، الليل الذي يطول، والنهار الذي يقصر، التكنولوجيا التي وصلت للاتصال من أي شيء لأي اتجاه، السيارات الطائرة، الحيوانات النافقة، الغذاء البلاستيكي الذي استعاضوا به عن الغذاء الطبيعي الناضب، الصراعات الاجتماعية الكثيرة، لأي سبب تحصل وتمتد وتؤدي لكوارث تتحول لتصبح عالمية، حرب الكلب الأولى سببها كلب باعه صاحبة وقبض نصف ثمنه، وبسبب مماطلة الشاري حصلت الحرب وأصبحت كونية. تدور أحداث الرواية في الحلقة المغلقة ذاتها، راشد يبحث عن جاره الراصد الجوي ليقتله، والراصد يخترق بيت راشد ويصل لزوجته ويمارس معها الجنس، الضابط ومديره يتقدمون بالمشروع أكثر وتزداد مرابحهم، الضابط يعاني من مشاعر جنسية اتجاه السكرتيرة الشبيهة لأخته ويصل إليها ويمارس معها الجنس، وراشد يصل للراصد شبيهه ويقتله، وقد لا يكون قتله. تحدث حرب الكلب الثانية، ولا نعلم لماذا؟ ولا كيف؟ لكنها تدمر العمران وتقتل البشر والشجر، صواريخ تنهمر وتدمر وتقتل، الموت في كل حين وفي كل اتجاه، القلعة منهمكة بملاحقة الأشباه، وتخوض معركة أشباه راشد، الذي لم يستطع أن يقنعهم بأنه الأصل وليس الشبيه، ويموت تحت التعذيب، تنتهي الرواية عندما تحضر ناقة عليها راكب إلى مضارب صحراوية، ليلتقي به أحدهم ويصطدم معه، ثم يؤسس لصراع جديد يصنع حرب الكلب الثالثة.

وفي تحليل الرواية نقول: إن الرواية متعبة من حيث هي غرائبية جدا، وفيها الكثير من الخيال العلمي، وتدور احداثها في كثير من الاحيان عند غرائزية ابطالها وبدائية رغباتهم، ودورانهم حول ذواتهم المريضة، تحاول الرواية توصيل رسالة مفادها ان العالم اصبح تحت هيمنة مطلقة للقلعة، التي تعني السلطات المحلية ووراءها قوى دولية، وأنها تتصرف مع شعوبها بصفتهم مجرد أدوات استثمار اقتصادي، لا أهمية لحياتهم وموتهم، يدمرون الطبيعة التي تحتضنهم، تحولت حياتهم لجحيم، الحكام لا يفكرون إلا بمصالحهم، والناس ضحايا في كل الوقت وما يمت بصلة لحياتهم. الرواية تتوقف عند الصراعات الفردية والجماعية البينية العدمية والعبثية والصفرية، بصفتها حروب بأسباب واهية، حرب الكلب، وهذا بعض الحقيقة، وهو نتيجة، فالحروب اصلا حروب المصالح، هناك شعوب ودول ضحايا ومختبر تجارب، مستباحة بشرا وحجرا، وهناك دول تتربع على خراب العالم، مجللة بعاره، لا علاقة للكلب بحروف العالم، وصراعات البشر، وعندما تصبح البلاد سجون كبيرة، تحكمها قلاع تستعبدها وتمتص دماءها، وتستخدم كل وسائل التقدم العلمي لذلك، عند ذلك سيظهر صراع الفناء البيني بين أبناء المجتمع الضحية. إن أجواء ما يحصل من القضاء على الربيع العربي واستباحة الإنسان قتلا وتدميرها وتشريدا وابادة، كما في سوريا والعراق واليمن وليبيا، نماذج عيانية، يريد أن يقول الكاتب ان أسباب الصراع واهية، لكن نتائجها كارثية، والمستفيدين منها كثر، السلطات ومن يدور في فلكها، والأعداء كل الأعداء.

الرواية تتعب القارئ كمتابعة وقراءة، ومن قرأ لإبراهيم نصر كتاباته السابقة، يعتبرها روايته الأضعف، لكنها من حيث هي بهذه الغرائبية والسذاجة والدوران في حلقة مفرغة، ومتابعة متغيرات فردية ومجتمعية وطبيعية، بطريقة أقرب لمتابعة مريض نفسي يجتر في طرح نفسه، وعقده الجنسية وادعاءات تفوقه الاسطورية وذكائه الخارق، تاركاً وراءه كل هذا الخراب.

لذلك – أعتقد – استحقت أن تحصل على جائزة البوكر للرواية العربية لعام 2018.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني