fbpx

قراءة في رواية السراب

0 355

بداية، الكاتب أردني ونمط الكتابة هنا أقرب ما يكون للمذكرات والتأريخ والتجربة الشخصية وقراءة العالم والدين، والغوص عميقاً في متابعة ونقد وتقويم للعمل الإسلامي السياسي العربي عموماً والإخوان المسلمين تحديداً وفي الأردن خاصة وعبر عقود طويلة.

يبدأ الكاتب روايته بالتحدث عن وائل الشاب الأردني المتشبع بأجواء نهر الأردن وتاريخه الممتد من الآراميين ليصل إلى الإسلام للعصر الحديث. نهر الأردن الذي يمتد من جبل الشيخ في سلسلة جبال الحرمون، المطلة على سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، والعامر دوماً بالثلج في قمته المرتفعة. والمعطي للمياه القادمة إلى طبريا وإلى نهر الأردن، الذي يمتلئ بتاريخ الأنبياء والبشر والحياة المتدفقة عبر آلاف السنين.

وائل، ابن جيل الأربعينيات ومن بيئة متدينة يجد نفسه مع المجموعة الأولى التي عملت لبناء حركة الإخوان المسلمين في الأردن، والتي لقيت الرعاية والاحتضان من الملك عبد الله الأول ومن بعده ابنه الملك حسين. في الوقت الذي كانت أغلب الدول تلاحق الإخوان وتسجنهم وتضطّهدهم.

وجد وائل في الإخوان محاولة لإعادة صنع مجتمع مثالي، والتحق بهم تحت سيطرة وإلحاح فكرة العدالة الاجتماعية التي رسخت في ذلك التاريخ وخاصة كتابات مصطفى السباعي وسيد قطب قبل تعرضهما للسجن.

تابع وائل نشاطه مع الإخوان ودراسته للطب التي تابعها في الجامعة الأمريكية، وتعرف بها على ابنة أستاذه الأمريكي، الطالبة في الجامعة، ليكون التعارف مقدمة لحب وتفاهم يؤدي للزواج والذهاب مع زوجته بعد ذلك إلى أمريكا لتتمة الاختصاص.

سيكتشف وائل أنه أمام مدارس عدة في الإخوان، فبعضهم ينطلق من الخلفيه الدعويه والتعبدية والقيم الأخلاقية والسلوكية الاجتماعية الفاضلة والمتكاملة للخير ومساعدة المحتاج والفقير. وبعضهم يراها مشروعاً سياسياً يعمل للحكم وبناء الدولة الإسلامية، وبعضهم يتطرف وينطلق من تكفير الدول على أنها غير إسلامية وضرورة محاربتها واستبدالها بالدولة الإسلامية ولو بالقوة والعنف. وبعضهم وصل لتكفير المجتمع الساكت عن الحاكم غير مسلم. وتطور هذا الموقف لهدر دم الناس لأنهم ساكتين عن الحق.

ينتمي وائل للفريق الذي ينطلق من خلفية العدل والقيم والخير للإسلام، ويختلف مع الآخرين وينفصل عنهم نفسياً. ويضاف لذلك غربته لأمريكا وتعلمه هناك وزواجه من أمريكية وإنجابه منها أولاده سالم وإبراهيم (كاتب الرواية) ويارا. أولاده الذين تختلط أقدارهم مع أقدار أهلهم وأعمالهم وتاريخهم.

وائل سيتعرف على أوديت اليهودية في أمريكا ويتفاعل معها، ويتزوج ابنه سالم من ابنتها في أمريكا بعد سنوات طويلة، وسيعودون لنهر الأردن بشكل متقطع، وحاولوا أن يبنوا انسجاماً إنسانياً ما.. فالكل أردنيين و(إسرائيليين) هم الان أصحاب الجنسية الأمريكية.

الرواية تبحر في كثير من الموضوعات، وعلى طريقة الدراسة التاريخية النقدية الفكرية أيضاً. وخاصة للإخوان المسلمين وتحولاتهم الفكرية والسياسية وامتدادهم في الأرض. ويكون وائل وبعده ابنه إبراهيم المولود في أمريكا والدارس الطب كوالده، والمرافق له في أغلب أسفاره.

الإخوان لم يبقوا واحداً من بعد اغتيال المؤسس حسن البنا، والخلاف مع عبد الناصر وزج الإخوان في السجن. وتطور فكر سيد قطب ليصل لفكرة تكفير الدولة والمجتمع لأنهم لا يحكمون بالإسلام. ويعدم بعد ذلك حيث تحول لرمز ويتوالد الأتباع. الإخوان يستمرون في مصر كحركة سياسية تتكيف مع الحكم وتحاول أن تلتزم بمضمون كتاب مرشدها الثاني حسن الهضيبي “دعاة لا قضاة” في مواجهة كتاب معالم في الطريق لسيد قطب، هذا الذي أفرز جماعة الجهاد بقيادة أيمن الظواهري، والجماعة الإسلامية التي قامت بأعمال عنف واغتيال كان ذروتها اغتيال السادات نفسه. وحملات الاعتقال والسجن، ومن ثم الخروج والالتحاق بالجهاد الأفغاني. وسيكون وائل كطبيب معالج وابنه إبراهيم شاهدين على ذلك. وسيكون للإخوان الأردنيين حضور كبير هناك وعلى رأسهم عبدالله عزام.

نرصد مع الكاتب تطور الفكر الإسلامي وتنوعه لدرجة التناقض بين الدعوية والحاكمية في الأردن، وبعدها في باكستان وأفغانستان أيام الحرب على الروس وبعدها في دولة طالبان. نرصد الصراع الحاصل بين الحكومات العربية والإسلاميين فيها. وتحولهم للحرب في أفغانستان. واستخدامهم بالعلن من قبل أميركا ومخابرات العالم كله في الصراع مع الروس وتحولهم لأداة ووقود لصراع عالمي وإقليمي، كانت دمائهم وحياتهم الضحية. نرصد بذور التحولات التنظيمية والفكرية التي أنتجت القاعدة على يد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري المصري المنظر، والقائد الفعلي للقاعدة كما يقول الكاتب. وتحولها لتنظيم يكفر العالم ويحارب في كل مكان وضرب أمريكا في عمقها.

نرصد تحولات العالم أيضاً وسقوط الاتحاد السوفييتي وتحول الإسلام والإرهاب الإسلامي إلى عدو بديل عند الغرب وعلى رأسه أمريكا وخاصة أنها استهدفت في هجمات 11 أيلول 2001. وسنرصد استخدام ما حصل لتحتل أمريكا أفغانستان وبعدها العراق. وتتوالد الأسباب الموضوعية للصراع والإرهاب، وتتوالى الأحداث دامية في الشرق الإسلامي ويستثمرها الغرب بكل تفاعلاتها.

سنطلع على القراءات المتعددة للإسلام بأكثر مما تطيق رواية، قراءات متناقضة أيضاً، وتدعي أكثر مما تستطيع. وهي ضحية شعور العظمة دون مردود، والمظلومية بما يؤدي لعقد نفسية وسلوكيات انتقامية تزيد المشكلة ولا تحلها.

سنتابع دأب عمل وتفكير وائل وإبراهيم وهم يحاولان أن يصنعا معنى وقيمة لما يعيشان ويفشلا ويصابا بالخيبة ويرصدا تحول الإسلام لسلاح يقتل أحياناً أو يستثمر سياسياً أو اقتصادياً، والكل يتلفح ويتدّرع بالإسلام ويدعي أنه يمثله وهو حمال الأوجه والقادر على استيعاب الجميع.

في الرواية منبر لأوديث اليهودية صديقة وائل في أمريكا اليائسة من دولة (إسرائيل) التي انحرفت عن أفكار مؤسسها بن غوريون وظهرت عدوانيتها التي ترسخت بعد حرب 1967. أصبحت على تناقض مطلق مع محيطها. إسرائيل التي قتلت إسحاق رابين ونصبت بيغن وشارون قادة للحرب والصراع الأبدي مع الفلسطينيين والعرب. أوديث ترى أن اليهود أبناء المنطقة كانوا محتضنين بها منذ آلاف السنين وأن فلسطين يجب أن تكون دولة ثنائية القومية للعرب واليهود. وتكتشف أن حلمها ضاع تحت ضربات اليهود المتطرفين الذين لا يرون في العرب والفلسطينيين إلا مادة للقتل. لذلك تهاجر إلى أمريكا.

يتابع الكاتب تطور الحركة الإسلامية الفلسطينية وتحولها لحماس، قرارها بالمشاركة السياسية. وتطورها المصلحي واستعدادها أن تقبل بدولة فلسطينية بجوار إسرائيل، وتطور النظرة الأمريكية لحماس والصعود الإسلامي عموماً في فلسطين وتركيا والأردن والجزائر. تصور الكاتب أن هناك مصالحات قادمه مع التيار الإسلامي الديمقراطي. لا يصدق مع واقع حال الربيع العربي القادم الذي لا تصل الرواية له زمنياً.

يتابع الروائي عبر زوجته الأمريكية التي رافقت والدها المدرس في الجامعة الامريكية في لبنان وقراءة لبنان والعرب والإسلام وفلسطين.. وإن كل ذلك عند الأمريكان ينطلق من مصلحتهم الاقتصادية نفط وغيره والسياسية؛ وجود (إسرائيل) وحمايتها. وتحالفاتها وصراعاتها الدولية.

سنتابع في الرواية قراءة الجيل الجديد عبر رؤية يارا، ابنة وائل الصغرى. التي ترى أن العرب والمسلمين يحاولون تلمس مستقبلهم وأنهم لم يفلحوا للآن وأن الإسلام طاقة يمكن أن تكون بناءة ويمكن أن تكون هدّامة. وهذا حسب الخلفية التي تتعاطى معها ومع الواقع أيضاً، وإن المستقبل مفتوح.

كما يستحضر الإسلام نصيراً للعدل والحرية والخير وحياة الإنسان الأفضل. وإن أسوأ ما يحصل أن يتحول الإسلام ليكون عنواناً للتطرف والتكفير والإرهاب ووبالاً على شعوبها ومجتمعاتها. وهكذا كان للأسف.

تنتهي الرواية والحالة الإسلامية والعالم مفتوح على كل الاحتمالات المستقبلية. فالربيع العربي جاء، الرواية كتبت 2009 والربيع العربي جاء في 2011. وكان الإسلام الشعبي رافعة له الإسلام القيمي نصير الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، ولم يتقبل الغرب والحكام وإسرائيل هذا النهوض الذي يعني استعادة الحقوق للشعوب العربية ضحية الاستبداد والاحتلال. وعملت هذه القوى على إسقاط الثورات العربية. وتذرعت بأنها تواجه الإرهاب الإسلامي. فأسقطت ثورة مصر وحرفت ثورة ليبيا وأجهضت ثورة اليمن وحولت ثورتي سوريا والعراق لحرب تدمير مجتمعي كامل. ولأرض صراعات دولية وإقليمية ضحيتها الشعبين السوري والعراقي. واستخدمت فيه بحرفيه عالية حكاية الإرهاب الإسلامي وتحوله للتوحش وضرورة حربه. وبكل الأحوال نكون نحن الشعوب ضحية. وكان الإسلاميون من قاعدة وداعش وقودها وأدواتها والمبرر لها أيضاً.

لن تنتهي الحروب والمشاكل في إقليمنا العربي إلا برفع المظلومية والتعامل معنا وفق حقوقنا كأمة وشعوب لها حق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والعيش في دول ديمقراطية. إنصافنا في ثرواتنا وحقوقنا وحل مشكلة فلسطين تاريخياً.

غير ذلك الصراع مستمر ونحن ضحاياه ونرجو أن يكون نتاجه استرداد الحقوق كاملة وتحقيق المستقبل الأفضل. نتمنى ونعمل.

الكاتب: إبراهيم غرايبة

الناشر: ثقافة للنشر والتوزيع

ورقيه، 2009، ط1

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني