fbpx

قراءة في رواية الخزّاف الطّائش

0 339
  • الكاتب: أديب حسن
  • الناشر: موزاييك للدراسات والنشر
  • ط1، ورقية 2020م

عن دار موزاييك للنشر والتوزيع صدرت رواية الخزاف الطائش للكاتب أديب حسن.

أديب حسن كاتب كردي سوري من مدينة القامشلي السورية، الخزّاف الطائش أول عمل روائي أقرؤه له، وله أعمال أدبية أخرى، وهي رواية تعتمد أسلوب السرد على لسان الراوي، كما أنها تعتمد في سرديتها على خلط الزمان والحال، فيها استرجاع، كما لا تخلو من تهيؤات وأحلام وغرائبية مقصودة تخدم موضوع الرواية وهدف الروائي.

سامان ابن القامشلي السورية الموجود ضمن خليط مجتمعي من مكونات الشعب السوري، عربي وكردي ومسيحي أرمني وبعض اليهود.

زمان الحدث الروائي هو بعد حصول الثورة السورية بزمن قد يكون سنوات، لم يقترب الراوي من موضوع الثورة ولا لماذا حدثت ولا كيف تطورت في القامشلي وجوارها، لكنه أشار عرضاً وفي كثير من المواضع عن النظام السوري وعبادة الحاكم الإله الأب والابن، المحسوبية والخوف الانتهازية والصمت عن المظالم، لأن الحديث بذلك أو النشاط المعارض يؤدي إلى المهالك.

سامان كردي سوري، وهذا يعني أنه محمل بأثر كبير من تصورات ووقائع وتاريخ، فهو يؤمن بأن للكرد قضية قومية وأنهم موزعين بين أربع دول منذ تقسيمات سايكس بيكو بين الإنجليز والفرنسيين، يسترجع تاريخ الكرد منذ أيام العثمانيين، وكيف كانوا يخدمون في جيش السلطنة ويحاربون تحت لوائها، يبرر ضمناً ما حدث من صراع مع الأرمن وأدى إلى ضحايا مدنيين بينهم بأنه جزء من سياسة السلطنة وهم مجرد أدوات مجبورة على ذلك، رغم أن الأرمن لم يكونوا مظلومين تماماً، فمنهم من كان يعمل ضمن فصائل مسلحة تحارب مع روسيا القيصرية، وذهب المدنيون من كل الأطراف ضحية هذا الصراع.

يعرف سامان أن هويته الكردية عبء شخصي عليه، يعيش أزمة اغتراب ذاتي يحمل معوله دائماً يحفر قبره ليسكن فيه ويدرك وقتها أنه موجود وله وطن حتى لو كان قبراً له شاهده، فهو من الأكراد الذين لم يدخلوا في السجل المدني السوري يعني غير مجنس، وبقي دون هوية شخصية وبلا أدنى حقوق، يحمل ورقة إخراج قيد توضح وضعه ولا تعطيه أي حقوق، وتذكرها دائماً بمشكلته.

هذا الحال الذي طال الكثير من الأكراد وجعل حياتهم صعبة ومؤلمة، سامان ابن القامشلي دخل في سن النضج وتعرف على سوزي الفتاة المسيحية الأرمنية، أحبها وأحبته، وعاشا علاقة مليئة بالمشاعر والتواصل الجسدي حتى، أدرك سامان وسوزي أن علاقتهم ستنتهي بالفشل فهي ممتلئة بثقل تاريخ الصراع الكردي الأرمني والاختلاف الديني، لذلك انفصلا، وبقي سامان يقتات في حياته كلها على هذه العلاقة التي لم تكتمل.

سامان في القامشلي لم يقبل أن ينتسب لأي فريق سياسي كردي، الأحزاب غير متوافقة، يوجد حزب العمال الكردستاني الذي بدأ يسيطر برعاية أمريكية على كثير من مناطق تواجد الأكراد في سوريا، قرر سامان أن يغادر القامشلي وسوريا وفكر أن يذهب إلى أوروبا أسوة بغيره لعله يعيش حياة فيها حرية وكرامة وحقوق إنسان.

يتذكر أنه استدعي للأمن أكثر من مرة وحُقق معه لأسباب مدّعاة وليس لها أي أصل، وأنه عاش تحت رهاب أنه كردي بلا هويّة ولا حقوق، وأنه يعرف تاريخ المنطقة جيداً وما عاشه الأكراد من مظالم في التاريخ الحديث، يتذكر حلبجة التي راح ضحيتها أكراد نتيجة استعمال السلاح الكيماوي بحقهم من النظام العراقي، وغيرها أيضاً.

سامان يتفق مع مهرب ليأخذه إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، تبدأ رحلته، يحدثنا بالتفاصيل عن معاناته، الهروب من سورية عبر الحدود التركية – السورية، الصعوبة والألغام والدوريات وأخيراً احتمال أن يقبض عليك السوريين والأتراك.

وهكذا حصل فبعد صعوبة استطاع سامان وآخرين عبور الأسلاك الشائكة، إلى تركيا لكن الجندرمة تلقي القبض عليهم، وتعتقلهم وتسيء لهم ومن ثم تعيدهم إلى الأراضي السورية.

ومرة أخرى يعود سامان للهروب من سورية، يودع أمه للمرة الثانية، بعد تأمين مبلغ المهرب الذي يختاره هذه المرة متمرس وموثوق، فهو كردي عاش عمره كله مهرباً لكل شيء المخدرات والسلاح والدخان والبشر. وبالفعل يستطيع إيصال سامان إلى ديار بكر، الرحلة كانت شاقة، استرجع فيها سامان والمهرب كثير مما عاشه الأكراد في تاريخهم من عذاب وظلم ومعاناة.

وصل سامان إلى ديار بكر ومنها توجه مع مهرب آخر إلى مدينة إزمير للانتقال عبر البحر هناك مع آخرين الى اليونان ومنها إلى ألمانيا وجهته النهائية، لكن ذلك لن يتحقق فبعد انطلاقتهم في البلم المحمل فوق طاقته متوجهين إلى اليونان هاج البحر وصدم البلم بصخرة بالبحر وغرق البلم ومن فيه ومنهم سامان.

هنا تنتهي الرواية.

في التعليق عليها نقول:

إننا أمام رواية رائعة في صياغتها الأدبية، اللغة المشاعرية، الغوص عميقاً في النفس والقدرة على سبر أغوارها، الحب المعاناة العلاقة مع المكان والطبيعة والتاريخ، هناك تألق في التعبير عن كل ذلك.

لم تستطع الرواية أن تجعلنا في أجواء الثورة السورية ورد فعل النظام والأطراف الدولية والإقليمية وأدوار الكل في القامشلي وما حولها، وخاصة حضور حزب العمال الكردستاني، ودور النظام الاستبدادي المجرم الذي أشار إليه الكاتب أكثر من مرة، أن وضوح ذلك كان أفضل لتبرير مشروعية هروب سامان ومثله ملايين من سوريا إلى كل أطراف العالم.

وأما موضوع الأكراد وتركيز الكاتب على الأكراد ومشكلاتهم سواء المحرومين من الجنسية أو المظلومية المجتمعية والسياسية في سوريا والدول الأخرى.

نحن نرى أن هناك حق فيما يرمي إليه الكاتب، وأن ذلك يحتاج لنقاش مجتمعي وسياسي أكثر وأعمق منطلقاً من المنظور المجتمعي الوطني الديمقراطي السوري على قاعدة المواطنة المتساوية المصانة في الدستور والقانون والحقوق الحياتية.

كما أن غياب الحديث عن المظلومية المجتمعية لبقية الشعب السوري، بما فيهم الكرد، يجعل الصورة ناقصة وغير شاملة، فالشعب السوري كله يعاني من مظلومية تطال كل مجال الحياة، استمرت لعقود، وأدت الى ثورة في كل سوريا شارك بها كل مكونات الشعب السوري، ومنهم الكرد، وإن مطالب الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل كانت أساس هذا الحراك ودوافعه. وبغض النظر عن كيف تطور الحال وأصبحنا ضحية عنف النظام وحلفائه روسيا وإيران والمرتزقة الطائفيين، المحتلين لسوريا مع أمريكا، مع سيطرة الانفصاليين حزب العمال الكردستاني الـ (PYD) على الشمال الغربي والجزيرة وشرق الفرات من أرض سوريا برعاية وحماية امريكية هذا غير الشهداء والجرحى والمعاقين والنازحين واللاجئين وسوريا التي تدمر أغلبها وعادت للخلف عقود كثيرة.

مع ذلك بقيت الثورة مشروعة والحقوق مطلوبة والمهام زادت والمطلوب لننتصر أكثر.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني