قراءة في رواية “أرض السودان.. الحلو والمر”
- تأليف: أمير تاج السر
- إصدار: الدار العربية للعلوم ناشرون
- ط1، ورقية 2012
الروائي أمير تاج السر سوداني، وهو – هنا – يكتب بلسان بريطاني في نهاية القرن التاسع عشر يعني قبل ما يزيد عن المائة سنة، أيام كانت السودان تحت الاحتلال البريطاني و”المصري”، اسمياً طبعاً، تبدأ الرواية من حفلة لتهنئة أحد أصدقاء بطل الرواية (جلبرت أوسمان)، صديقه الذي رفض أن يلتحق بالجيش في أرض السودان، وحكم عليه بالسجن والاحتفال بسبب خروجه من السجن، في الاحتفال وبعد تبادل أنخاب الشراب المسكر، يواجه جلبرت العسكري الرافض الذهاب للسودان بأنه جبان، ويعتدي على أوسمان، ما جعل أوسمان يفكر بالذهاب إلى السودان كرد على التحدي، يترك أوسمان وراءه حياة شاب صاخبة، وشبكة علاقاته، مودعا والده بائع الزهور وأخته التي تنتظر زواجها، يرحل بالسفينة عن طريق البحر إلى مصر ومن ثم السودان، سيلتقي بعشاق البحر ممن يعيشون على ظهر السفن وبعض المغامرين مثله، سيصل إلى الإسكندرية ويركب في النيل متجها إلى السودان، سيلتقي في رحلة الطريق الطويلة و المضنية بـ (سيف القبيلة) تاجر الإبل السوداني وسيكون صديق رحلته ليصل إلى الخرطوم، يلتحق بنزل (مستكه) المرأة المتميزة والجميلة، صاحبة الحظوة والسطوة، من خلال السكن عندها يبدأ بالتعرف على معالم المدينة، الناس يعيشون حياة الفقر والشظف، بيوتهم طينية وحياتهم أقرب لحياة الكفاف، أوسمان أعطي اسم عثمان الإنكليزي، رصد أن المناصب والمسؤوليات كلها للإنكليز وهم المتنفذين ولهم سطوتهم لأنهم المستعمرين، لا يتوانوا عن جلد أي مواطن دون أي رادع، تأكد أوسمان بعد أشهر أنه لن يعود إلى بريطانيا وأنه يجب ان يعمل في السودان، يلتحق بالعمل في سكة الحديد التي ينوون انشاءها في الخرطوم ممتدة لمدن أخرى، سيتعرف على حياة الناس البسيطة، فهناك من يعمل بالزراعة والرعي ويتبادلون البضائع في سوق المدينة، سيتعلم من سيف القبيلة بعض فنون البيع والشراء، وسيعمل لاحقاً تاجراً يحصّل بعض المال، سيكتشف أن هناك جزءاً من أبناء المجتمع عبيداً، يعملون في الخدمة يباعون ويشرون كأي سلعة، وان النساء يشترون كسراري (للسرير والمتعة) وللخدمة البيتية والجنسية، ويعتبر كل ذلك طبيعي، فلا العبد يرفض حاله، ولا المجتمع يحس بالخطأ الإنساني، والأسوأ أنه لا مخرج قانوني للخروج من العبودية إلا العرف، وهذا يعني أن يعتق صاحب الرق رقيقه، أو يكاتبه على مال يؤديه له ثم يعتقه، فالقانون قاصر في ذلك، يتعرف على الطرق الصوفية المنتشرة والمتحكمة في عقول وتصرف الناس، يسيطر عليها التعبد المفرط، تسبيح وأذكار وجلسات ذكر، والابتعاد عن أجواء الحياة المباشرة، هناك اتفاق غير معلن بين المتصوفة والمستعمر الإنكليزي، الحكام ومديرو الأعمال وكبار المجتمع كلهم أجانب ومن كل الجنسيات الأوروبية، الناس يعيشون حياتهم بتلقائية مطلقة وكأن ما يعيشوه قدر الله الذي لا يتغير، تعرف عثمان الإنكليزي في نزل مستكه على وجوه الحكم في جلسة الخميس للتسلية والترفيه، الألماني الخياط الذي يعمل في كل شيء، كذلك رئيس سكة الحديد الإنكليزي، ورئيس المتصوفة، و(شرفية) الفتاة المتفق على أنها جنية بصفة إنسان، ابنة الفقر والخرائب، مظهرها مؤس وتصرفاتها وحكيها يدل على تخلف عقلي وسوء الحياة التي تعيشها، يخافها الناس ويحترمونها لأنها جنية؟!، يؤمنون بذلك، يتذللون لها، سنتعرف على نمط حياة الناس شديدي الفقر والتخلف، سنتعرف على أحدهم يتصرف كرجل قوي ويتحدى سيف القبيلة و يلعبا لعبة المكاسرة بالأيدي، ويغلبه سيف القبيلة وتعاد ثانية، ويذل لأنه رفض الشرط بتخليه عن زوجته إن هُزم!!، يهرب من المواجهة ويتدخل وجهاء الصوفية للصفح عنه، وإلا لكان لُقّب مدى الحياة (امرأة) وعاش منكراً ومهملاً، سيسامحه سيف القبيلة ويعود إلى سيرته السيئة، ترميه زوجته بالبئر الذي يبيع منه الماء ويموت وتعود هي لأهلها، سيحب سيف القبيلة إحدى الغجريات وترفض الزواج منه أولاً ثم سيعيش معها، تسلبه كل ما يملك وتهرب، ينهزم ويعود منكسراً لأهله، سيعمل عثمان الإنكليزي على معالجة مشكلة شرفية ويتبعها لسكنها في الخرائب ويعرف قصتها، وانها لقيطة وأنها تقبل كونها جنية محترمة، يعيد تأهيلها إنسانيا ليتزوجها، ويدخلها في عقل المحيطين به وبها على أنها إنسان وليس جني، يطلع على الإسلام معرفة ووعياً، وينتصر لحرية الإنسان ويشتري بعض العبيد ويمنحهم حريتهم، يعلن إسلامه على يد وجوه المتصوفة، وتنتهي الرواية عندما تزوج شرفية في أجواء حفل كبير، لكن آخر الرواية نراه يصحو وهو بين الخرائب وأمامه شرفية بكل أحوالها السيئة، بعد ممارسته معها الجنس، إنه كئيب، هل كان ما يأمله من أجل شرفية كان مجرد حلم؟، سؤال مفتوح لم يجب عليه.
في التعليق على الرواية نقول:
الرواية اقتراب بسيط ودون تعقيدات ودون الغوص في العمق في المجتمع السوداني وتداخلات الاحتلال البريطاني والمصري الشكلي ولو اسمياً، والمجتمع بكل تداخلاته، إن الرواية قراءة سطحية للسودان في ذلك الوقت كنا ننتظر الأكثر، فالسودان ما زال بلداً عربياً مغموراً وفيه كثير من التعقيد، وفيه وعليه الصراع، ولم ينتهي بانفصال الجزء الجنوبي منه، وهو مفتوح على كل الاحتمالات، كما نحن جميعنا في بلاد العرب، بعد الربيع العربي الذي أراده أعداؤنا كلهم جحيماً عربياً، وما زال الصراع مستمراً.