fbpx

في مرايا زجاج مطحون لإسلام أبو شكير

0 611

على الرغم من عدم تأطيرها زمانياً ومكانياً فإنَّ رواية زجاج مطحون غير المباشرة للصديق الأديب إسلام أبوشكير جزء من نتاج أدبي بعد فاجعتنا السورية التي وضعت الجميع أمام ذواتهم من جهة في تحديد خياراتهم، وفتحت الآفاق لإيجاد حلول للخلاص الفردي والعام من جهة ثانية. وهي عمل إبداعي مثير للدهشة عن الإنسان والهوية وعن الحرب والسلام، مشغولة بدقّةٍ وفرادةٍ لغةً وأسلوباً.

إسلام أبو شكير شاعر وقاص وروائي مميز له عزف منفرد في عمله الإبداعي الثري لغوياً وثقافياً وإنسانياً. ونلمس ذلك في أعماله “استحواذ”، و” الـ O سلبي.. الأحمر والمشع”، و”30 > 43″، و”القنفذ”، و”زجاج مطحون”، و” أرملة وحيد القرن”.

 

الاديب اسلام ابو شكير

وفي
مقاربة أولية لروايته زجاج مطحون نجد أنها تحتمل قراءات متعددة، وفي كل
قراءة تتكشف احتمالات جديدة ثانية.

كعادته في أعماله
السابقة التي اتّسمت بمخيلة خصبة، يبرّر الكاتب ببراعةٍ فنيّةٍ ومنطقيةٍ الأحداثَ
اللامنطقيّةَ بتفصيلاتها، من دون أن يهمل جزئية أو يتركها شاردةً خارج السياق أو
التفسير. أربعة أشخاص وجدوا أنفسهم محتجزين في مكان مغلق. لهم اسم واحد. كبيرهم هو
الراوي، وهو أيضا اسم الكاتب (وقد يكون اسماً لآخرين كثيرين) (ومن المرجّح أن
يكونوا شخصاً واحداً، ذلك ما نلمسه بعد الحرب على الاسم والاتفاق على هدنة التوزيع
إلى أجيال العشريني والثلاثيني والأربعيني والخمسيني). وتالياً الحروب (الداخلية)
الأخرى والتي تنتهي غالباً باتفاق أو هدنة.

المكان مغلق (لكنه يتّسع
لمسبح) لا أبواب له ولا شبابيك ولا سقف ولا فتحات تهوية! غير أنّه قابل للعيش. ويتم
تزويده من (الخارج) بطريقة مجهولة من احتياجات ضرورية في المأكل والمشرب وبعض الرفاهيات
الصغيرة. باستثناء ثلاثة أشياء قد تبدو ثانوية لكنّها جوهر الحكاية: المرايا
والكاميرات والأسلحة.

في أكثر من موضع يشير
الكاتب/الراوي إلى تكرار طلب المرايا كما يشير إلى عدم الاستجابة لهذا الطب، وأنّها
ممنوعة، هذا يحيلنا إلى سلسلة أسئلة أهي مرايا الذات والبحث عن (الهوية) أم هي
مرايا الناس الذين طحنتهم الحرب فصاروا دمعاً رمادياً كزجاج مطحون؟

كيف يموت الإنسان جيلاً
بعد جيل في حروب طاحنة داخل الذات وخارجها؟

ما الذي تفعله الحرب
بالناس؟ كيف يصنعونها؟ أين؟ ولماذا؟

وفي كلّ الحالات فإن
غياب المرايا يكلف المزيد من الدماء. ومادام الأمر كذلك فمن يوقف الدم؟

المرآة الوحيدة التي كانت متاحة لهم هي ما
يبثه التلفزيون الأحادي من الخارج بقناتيه الأولى للأغاني وبرامج المنوعات،
والثانية للطبيعة والحيوان. باستثناء وحيد حين نشبت الحرب عرضوا فلماً عن العالم
في الألفية الرابعة وظروف حياة البشر في حياتهم الجديدة بعيداً عن الأرض. وهذه
الإشارة الزمنية اليتيمة في الرواية. ولعلّها أيضا إشارة إلى أنّ مصير البشرية
مستقبلاً سيكون (بعيداً) إن استمرت الحروب والصراعات على الأرض.

قائمة الممنوعات تشمل
أيضا الكاميرات، فلا ملامح شخصية ولا توثيق للضحايا حتى ولو بصورة معلّقة بشريط
أسود على جدار. أما الأسلحة فحتى حين تصير ضرورة للمشاركة في الحرب ضد الأعداء فإنها
تمنع أيضاً ولو كانت خشبية أو بلاستيكية.

في الحرب بمرايا الذات يفقد الناس هويتهم؛
أسماءهم؛ ملامحهم؛ أصواتهم.. يصبحون أرقاماً، وينزفون يوماً فيوماً، ويموتون جزءاً
فجزءاً. وفي الحرب بمرايا الصراعات يخرج الناس عن طورهم البشري إلى براري التوحش، فيسود
القبح ويختفي الجمال (كذراع عاشق أو فراشات وورود).

وفي ميزان الأشياء العظيمة يُرجّح إسلام
أبو شكير كفّة الفنّ على الحرب، ويخبرنا بلسان الراوي في زجاج مطحون عن السعادة
الغامرة ونشوة الانتصار بنحت تمثال صغير من حجر مركون في زاوية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني