fbpx

في طبيعة العقوبات الأمريكية، والضرورات الوطنية لمواجهة عواقب كارثةالزلزال!

0 113

يبدو لي أنّ أوراق الضغط، والمواجهة، في العلاقات الأمريكية/السورية لا ترتبط كما يعتقد البعض بمصالح السوريين المشتركة أو قضاياهم العادلة! القضيّة مركّبة، ويجب النظر إليها من أكثر من زاوية، إذا كنّا نريد أن نقرأ الحدث من وجهة نظر مصالح السوريين المشتركة، خاصّة في هذا الظرف الكارثي.

لنفهم طبيعة سلاح العقوبات الاقتصادية واهدافه الأمريكية، وإطار مقاومتها السورية، وبالتالي طبيعة الموقف الوطني، يجب أن ندرك عدّة عوامل، يأتي في مقدمتها أنّ العلاقات بين النظام السوري وسياسات الولايات المتحدة، على الصعيد الإستراتيجي، هي اليوم في هذه المرحلة من التسوية السياسية ،وكما كانت منذ 1970، ذات طبيعة غير تناحرية؛ تقوم في توافقها منذ 2011 على أرضيّة منع حدوث انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي، (في موجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، أصبحت حينئذ ضرورة تاريخية وإمكانية، بفعل ما فرضه حراك السوريين السلمي من تغيّر في موازين قوى الصراع السياسي، لصالح قوى التغيير الديمقراطي) وفي تعارضها، منذ مطلع 2020، لا تتجاوز سياسات المواجهة على المستوى التكتيكي، ما تستخدمه واشنطن من ضغوط على النظام لتحقيق أهداف مشروع تسويتها السياسية[1]، التي تتناقض في الجوهر والسياق، على غرار سياسات النظام، مع قضيّة السوريين المركزية حل سياسي وطني، وفقا لأهداف وآليات لخطّة السلام العربية الثانية، أو حتّى لما دعت إليه بعض بنود القرار الأممي 2254.[2]

من الجانب السوري، ليس في سياسات مواجه العقوبات السوريّة أولويات التخفيف من أثارها على ظروف حياة المواطن، بقدر ما هي في استغلالها على أفضل شكل من أجل إنجاح خطط وأهداف سياسات الخصخصة الاقتصادية، التي يسرّع النظام خطواتها بشكل غير مسبوق منذ مطلع 2020 في إطار التسوية السياسية الشاملة وما أتاحته من خطوات تطبيع إقليمي؛ علماً أنّ سياسات الخصخصة المؤلمة التي ينفذها النظام هي في جوهرها استجابة لشروط صندوق النقد والمؤسسات الامبريالية الدولية وتأتي في سياق إجراءات إعادة التأهيل الاقتصادي!.[3]

في هذه الظروف والسياق، من الطبيعي أن يحاول الجميع استغلال كارثة الزلال لتدعيم رؤيته السياسية وخطط تعزيز مصالحه، في صراعات تبادل المصالح وتقاذف الاتهامات!.

في سياق خطط التطبيع وإعادة التأهيل على كامل الجغرافيا السورية، تعتقد الحكومة السورية أنّ من واجبها ومسؤوليتها الإمساك بورقة المساعدات، والإشراف على توزيع مواردها؛ في حين تصرّ سلطات الأمر الواقع وشركائها الخارجيين، في إطار تعزيز مصالح سلطاتها الخاصّة، أنّها المسؤولة عن إدارة ملف المساعدات. على الاقل وفقاً للآلية الأمميّة المعمول بها قبل الكارثة لتوصيل مساعدات الإغاثة؛ والتي يتنازع السيطرة عليها النظام وخصومه في سلطات الأمر الواقع الجديدة!.

اذا كانت ورقة العقوبات الاقتصادية هي من حيث الأهداف والنتائج سلاح تستخدمه الولايات المتّحدة كأداة ضغط على النظام (أو على سلطات الأمر الواقع الجديدة) من أجل تحقيق أهداف خاصّة، ليست مرتبطة بمصالح السوريين المشتركة كإطلاق سراح معتقلين أو تخفيف آلام الخصخصة، وخفض درجات النهب الاقتصادي، أو التجاوب مع متطلّبات حل سياسي، كما تؤكّد وقائع عدم تحقيق أيّ منها، وإذا كانت مواجهتها في خطط وسياسات النظام الإقتصادية لا تقوم على أرضية تخفيف أثارها السلبية أو احتوائها، وبالتالي، فإنّ المتضرر من فرضها ونتائجها هو عموم السوريين، فأين الفائدة من بقائها؟!.

الرؤية المؤدلجة الوحيدة الاتجاه التي يقدّمها البعض في المعارضة والموالاة حول قضيّة العقوبات الاقتصادية، وضرورة رفعها أو تخفيفها في هذا الظرف الكارثي الذي أعقب زلزال السادس من شباط المدمّر، لا تقدّم سوى جوانب من الحقيقة المرّة، وتعكس حالة عمى الألوان السياسي المسيطرة في الوعي السياسي السوري!!.

 عوضا عن العمل على فضح طبيعة تناقض العقوبات الأمريكية مع مصالح السوريين، سواء في أهدافها الأمريكية أو نتائجها السورية، والدعوة الى رفعها، او تغيير طبيعتها، يعمل الوعي السياسي والثقافي النخبوي على تسويغ دوافعها الأمريكية، والترويج لها، وهذا دليل آخر على انفصال ذاك الوعي ورموزه عن حقائق الصراع!!.

بكلّ الأحوال، لم تفرض الولايات المتّحدة تلك العقوبات لمصلحة بعض السوريين أو نصرة لحقوقهم، ولن ترفعها تجاوبا مع مطالب آخرين، وليس في سياساتها تجاه قضايا الصراع على سوريا أو غيرها أي اعتبار للقيم والحقوق، عندما تتعارض مع مصالحها الخاصّة!.

 إدراك بعض السوريين لهذه الحقيقة قد يوفّر عليهم خوض معاركهم الدنكشوتية على صفحات التواصل الاجتماعي؛ ويخفف عنهم نتائج صدمة رفع العقوبات أو تجميدها، وفقا لضرورات مصالح السيّد الأمريكي، ووسائل إدارة ملف التسوية السياسية.


[1]– تسعى السياسات الأمريكية لفرض رؤية واشنطن لخطّة تسوية سياسية شاملة، تقوم على مبدأ قيام تهدئة مستدامة بين جميع سلطات الأمر الواقع، وخارطة طريق تأهيل متزامن، يحافظ على الحصص ومناطق النفوذ التي صنعتها حروب تقاسم الحصص بين 2015-2020؛ وتأمل واشنطن أن تصل مفاوضات اللجنة الدستورية إلى توافقات تشكيل حكومة وحدة وطنية، تمثّل واجهة عبور للمرحلة الجديدة، وعلى حساب روح القرار 2254 – هيئة حكم انتقالية مستقلّة ومفوّضة – وهو ما يجعل من سياسات واشنطن الخطر الأساسي على آمال وأهداف السوريين المشتركة في قيام دولة سوريّة موحّدة وديمقراطية، بما تملكه من أوراق قوّة، وما تطرحه من مشاريع تسويات سياسية للحفاظ عليها.

من الطبيعي أن تتعارض خطط السيطرة الأمريكية ومشروع تسويتها السياسية مع مصالح أنظمة روسيا وسوريا، اللتين تسعيان لفرض سيطرتهما على كامل الجغرافيا السوريّة؛ مع إمكانية ضمان مصالح الولايات المتّحدة وتركيا في إطار تسوية سياسية شاملة؛ وهي خطوات تسوية تتعارض نتائجها مع مصالح وأهداف وآمال جميع السوريين، الذين دفعوا أغلى الأثمان على طريق الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي!.

[2]– خطّة السلام العربيّة: خلال الأشهر الثلاثة الأكثر خطورة في التأثير على مآل الصراع السياسي الذي تفجّر منذ أواسط آذار، ما بين تشرين الثاني 2011 وكانون الثاني 2012، وفي تكامل مع لجان المراقبين العرب، أطلقت الجامعة العربية خطّتين في محاولة للتوسّط في إنهاء الصراع، وقطع مسار الصراع العسكري، الذي بدأ يتفاقم بشكل متزايد، دافعا بالخيار العسكري الطائفي، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية، على طريق اللاعودة!.

المحاولة الأولى: على الرغم من موافقة الحكومة السورية في 2 تشرين الثاني على خطة سلام جامعة الدول العربية، كانت قد طرحتها قبل اسبوعين؛ تحدّثت عن وقف مسار الحلّ العسكري، عبر سحب الدبابات من المدن، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وبدء حوار مع المعارضة في غضون أسبوعين، والسماح للجامعة العربية ووسائل الإعلام الأجنبية بمراقبة مباشرة للوضع؛ فقد علّقت الجامعة عضوية سوريا، في 16 تشرين الثاني، بذريعة عدم التزام حكومتها بتنفيذ النقاط السابقة.

المحاولة الثانيّة: تشكّل مشروع حل سياسي سلمي متكامل، يتضمّن النقاط التالية:
1- تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها السلطة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والاعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على إجراءاتها وبإشراف عربي ودولي.

2- تفويض رئيس الجمهورية نائبه الاول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من اداء واجباتها في المرحلة الانتقالية.

3- إعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها أن هدفها هو إقامة نظام سياسي ديموقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي.

4- قيام حكومة الوحدة الوطنية على اعادة الامن والاستقرار في البلاد وإعادة تنظيم أجهزة الشرطة.

5- إنشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وانصاف الضحايا.

6- قيام حكومة الوحدة الوطنية بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على أن تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية خلال ثلاثة أشهر من تشكيلها وتتولى هذه الجمعية إعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم إقراره عبر استفتاء شعبي وإعداد قانون انتخابات على أساس هذا الدستور.

[3]– أعتقد أن ما يميّز الأزمة الاقتصادية التي يعيش اثارها الكارثية السوريون اليوم هي عوامل سياقها التاريخي، التي يشكّل أبرزها تحكّما بالسياسيات الاقتصادية الناهبة لأموال السوريين، ومستقبل أبنائهم:

أ- الخيار العسكري الطائفي، وما تركه من عواقب، دمّرت قوى الإنتاج وأدواته وعلاقاته، نهباً وحرقاً، وتهجيراً، وفشّلت مؤسسات الدولة السورية؛ وقد زادها خراباً بروز سلطات أمر واقع، تجاوزت ممارسات قياداتها قوى النظام في الفساد والنهب، والارتزاق للخارج!.

ب- سياسيات الخصخصة، في سياقي تلبية شروط المؤسسات الإمبريالية، وإعادة التأهيل والتطبيع، وما يرافقها من تشريعات عقارية وسياسات اقتصادية، تهدف إلى إعادة تركيز الثروة في أيدي الشرائح البرجوازية العليا المرتبطة بقيادة الهرم السياسي، على حساب جميع طبقات المجتمع المتوسطة، والشعبية ؛ وهي سياسيات ممنهجة، تتحكّم بسلّم الضرائب والرواتب، وبسعر الصرف، وفي خط بيان متصاعد، يستفيد من لعبة فرق الأسعار بين السوق الرسمي والموازي، وتسعى بتكامل أثارها الوخيمة على حياة السوريين، (وما يحمله بعضها من نتائج خطيرة على حاضر ومستقبل سوريا، تتجاوز اثارها المعيشية المباشرة)، لدفع أفراد الطبقة الوسطى لبيع ممتلكاتهم، وارصدتهم، في ابخس الأثمان والهجرة، في سياسيات ممنهجة، تبدو متكاملة مع سياسات التهجير والتغيير الديموغرافي خلال مرحلة الحرب!.

ت- المظلّة السياسية التي تُيح المسارات الاقتصادية السابقة هي بالتأكيد مسار التسوية السياسية الأمريكي، الذي يتضمّن في إحدى ركائزه إعادة التأهيل السياسي والاقتصادي لسلطة النظام وقوى الأمر الواقع، بما يحرم السوريين، والاقتصادي السوري، ومؤسسات الدولة الاقتصادية، من إمكانية ضخ دماء وطنية في شرايين الاقتصاد، وتجاوز أثار الحرب، سواء على صعيد الإدارة أو البيئة السياسية.

ث- طبيعة ببنية سلطة النظام السوري الحالي، التي تُظهر صراع محتدم على تقاسم الثروة بين قيادات تجّار الحرب، والقيادة السياسية، الذين يرتبطون سياسيّا ويرتهنون اقتصادياً لقوى المحورين الروسي والإيراني!.

ج- نظام العقوبات، خاصّة في جانبه المصرفي، وما يتركه من آثار مباشرة على حياة المدنيين، ويعطيه من مبررات لتعزيز سياسات النهب، وآليات لمركزه الثروة.

العقوبات الاقتصادية هي أقل العوامل تأثيراً على أسباب تدهور الوضع الاقتصادي؛ إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّها في طبيعة سياسات قادة مؤسسات الحكم الأمريكية لا تستهدف إضعاف سلطة النظام؛ بما تُتيحه من ثغرات، تمكّن أجهزة السلطة من الالتفاف عليها، وتفادي تأثيرها على أنشطتها ومصالحها الخاصة، وآليات عملها، وعلاقاتها بالعالم الخارجي. نظام العقوبات الأمريكية لا يخرج في اهمّ اهدافه وإجراءاته الرئيسة، خاصّة التي ارتبطت بقانون قيصر سابقا، أو الكبتاغون راهنا، عن سياق استخدام أوراق ضغط على النظام لدفعه التجاوب مع متطلّبات التسوية السياسية الأمريكية، كما ولتضليل الرأي العام السوري، لإقناعه بوقوف الولايات المتحدّة ضدّ النظام، وسعيها لتغيير سلوكه، أو دفعه على مسار حل سياسي، بخلاف ما تقوم به عمليا من تعزيز قبضته الاقتصادية والسياسية، في سياق إعادة تأهيله!.

في رؤيتنا لتكامل العوامل السابقة، وطبيعة سياقها السياسي، يمكن لنا أن نتخيّل نتائجها الكارثية، على صعيد حياة الناس اليومية أو على مستوى الاقتصاد الوطني.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني