fbpx

في دمشق كرام على موائد اللئام واللحوم تتحول إلى أحلام وتختفي عن موائد المواطنين

0 191

لطالما كانت اللحوم موجودة على موائد السوريين وكانت عنصراً مهماً في غذائهم ولم يحدث أن تختفي نهائياً أو لفترات طويلة عن موائد المواطنين، ومن مميزات سوريا أنها وجدت في بيئة طبيعية مناسبة لوجود وتكاثر الماشية بالإضافة إلى وفرة الأيدي العاملة وانتشار المساحات الخضراء، وكانت أرياف المدن عامة مليئة بالمواشي من أبقار وأغنام ومختلف أنواع الطيور وكان غذائها متوفراً بكثرة، والحبوب والأعلاف موجودة وبأسعار مناسبة، والطقس أيضاً كان عنصراً مساعداً لمعيشتها وتكاثرها، فلم يكن هناك بيت في الريف أو حتى في بعض المدن يخلو من الطيور أو المواشي من أغنام وأبقار وحتى ماعز، وفي تلك الفترة لم يكن يتجاوز سعر كيلو لحم الغنم الحي الـ 50 ليرة سورية والمذبوح 200 ليرة سورية، بينما سعر كيلو الدجاج 45 ليرة سورية فمن لم يقدر على سعر اللحوم كان الدجاج في متناول يديه.

تصدير المواشي والدجاج إلى معظم الدول العربية قبل الحرب

رغم إهمال النظام لقطاع الثروة الحيوانية وعدم تقديمه أي دعم للعاملين فيه وعدم العمل على تطويره وتعزيزه مع أنه كان سيشكل داعماً كبيراً للاقتصاد، فإن المزارعين والعاملين في مجال تربية المواشي جعلوا سوريا في مقدمة الدول العربية المصدرة للمواشي والدجاج، والجدير ذكره أن سوريا كانت المصدر الرئيسي للمواشي في موسم الحج وكانت رؤوس الأغنام السورية تعد من أفخر أنواع اللحوم وخاصة في دول الخليج وبعض الدول المجاورة وكل الفضل يعود إلى القائمين عليها والمسؤولين عن تسويقها، أما الدواجن فقد كانت تشكل ثقلاً اقتصادياً مهماً في الاقتصاد الوطني، حيث تساهم بـ 54% من استهلاك المواطن من اللحوم بالإضافة إلى توفيرها للكثير من القطع الأجنبي عن طريق إنتاج و تصدير آلاف الأطنان سنوياً، ناهيك عن البيض الذي كان يصنف كنخب أول والذي كان يتوفر بكثرة في مختلف المناطق. ولكن للأسف كل الثروات كانت تدار بطريقة عشوائية ولا تخضع لأي تنظيم.

تضرر قطاع الثروة الحيوانية خلال الحرب 

مع بدء الحملة الهمجية التي كان يقودها النظام ضد الشعب السوري، وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجها لوأد الثورة احترقت آلاف الدونمات من الأراضي ومعها احترقت آمال السوريين وأحلامهم وحتى مصادر رزقهم بالإضافة إلى احتراق ونفوق آلاف من الدواجن ورؤوس الماشية. والتي لم يمت قتلاً بالحرب نفقت من الجوع بسبب نزوح الأهالي وتركها أو بسبب قلة العلف، بسبب احتراق الأراضي التي كانت مصدراً لغذاء تلك الحيوانات أو بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتصحر الذي بدأ يضرب الأراضي السورية.

اللحوم الحمراء والبيضاء أصبحت حلم السوريين

مع الضرر الكبير الذي أصاب المواشي والطيور، كالعادة دفع الثمن المواطن السوري، فبعد أن كان المواطن السوري يتباهى بمأكولاته المتعددة ومطبخه المشهور الذي تشكل اللحوم جزءاً كبيراً منه – فبعض الأطعمة تعتمد على حشو اللحم باللحم – أصبح الآن يخشى المرور أمام محلات بيع اللحوم مع أطفاله كي لا يروا نظرة الانكسار والقهر بعينيه عندما يطلبون منه شراء اللحم. هكذا أخبرنا سعيد وهو موظف حكومي عندما قمنا بسؤاله “هل تستطيع شراء اللحوم”، أما سهى التي تعمل كمعالجة فيزيائية فأخبرتنا أنها في طفولتها كانت تستطيع تناول اللحوم والدجاج لكن الحسرة في قلبها على أطفالها الذين لم تستطع منذ 4 أشهر أن تشتري لهم كيلوغراماً من الدجاج الذي يبلغ سعره 5000 ليرة سورية، أما اللحم فيبلغ سعر الكيلو منه 18000 أي أن راتب موظف الدولة يتيح له شراء 2 كيلو غرام من اللحم.

أما أحمد فقد كانت شكواه من ارتفاع أسعار البيض، أخبرنا أنه في بداية عام 2020 لم يكن يتجاوز سعر علبة البيض أي 30 بيضة الـ 1500 ليرة سورية أما الآن فقد قارب سعرها الـ 5000 ليرة سورية، ويتساءل ما الذي جدّ؟ أليس الدجاج سوري والبيض سوري، وكالعادة قامت الحكومة بتدخل كارثي كما اعتادت أن تفعل في كل الأزمات التي تقع بها فقررت استيراد دجاج إيراني مجمد لا يخضع لأي رقابة صحية أو شروط تخزين مناسبة لتغطية حاجة المواطنين من الدجاج وبسعر 2500 ليرة سورية وقامت بنشره في مؤسساتها التجارية، إلا أن الأطباء قاموا بتوجيه تحذيرات شديدة للمواطنين من شراء الدجاج المجمد الإيراني لأنه من الممكن أن يكون مليئاً بالفيروسات والجراثيم التي تتشكل من الذوبان والتجميد المتكرر للحوم وقد تؤدي إلى الوفاة، بالإضافة إلى رداءة اللحم الذي لا ينضج بسهولة، ناهيك عن الرائحة المقززة التي تفوح منه.

كل تلك المساوئ لم تثن الحكومة عن استمرار استيراد الدجاج بل والتبجح بأنها استطاعت سد حاجات المواطنين وتأمين الدجاج بأسعار مناسبة.

ويبقى المواطن تائهاً بين حاجات وضروريات الحياة له ولعائلته وبين فشل حكومي مافتئ يحول كل مقومات الحياة الكريمة إلى أحلام وأمنيات يعجز المواطن حتى عن تأمين أدناها.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني