في حيثيات ومآلات الصراع السياسي في إيران
أعتقد أن الصراع السياسي الراهن في إيران – الذي يشكل إحدى حلقات التمرد الشعبي الواسع في مواجهة سلطة استبداد قهرية، طاغية، والذي فجره مقتل الشابة مهسا أميني على يد جلاوزة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخمينية، وأخذ شكل مظاهرات شعبية غاضبة، يمكن أن تتحول إلى ثورة شاملة، في ظل معطيات الواقع الإيراني، الاقتصادية والسياسية – قد يسير في أحد اتجاهين:
- إذا صدقنا دعايات نظام المقاومة وعدوه الديمقراطي عن وجود حالة صراع رئيسي بين أهداف وأدوات مشروع الولايات المتحدة الإقليمي والنظام الإيراني، يصبح من الطبيعي أن تستغل الولايات المتحدة، بعد أن استعادت حيويتها التكتيكية والاستراتيجية، (بعد مرحلة خمول استراتيجي، استغلها الإيرانيون والروس للقفز على المنطقة!)، الحراك الشعبي في ساحات ومدن عدوها لإحداث أعمق أشكال التغيرات السياسية، أليس كذلك؟.
بناء عليه، نتوقع حصول تصعيداً للحراك الشعبي، بدعم من الخارج، تُجيزه بالدرجة الأولى الولايات المتحدة، عبر وسائل ضغط على النظام، تستخدم فيها الولايات المتحدة أوراق قوتها، وأدواتها الإقليمية، بما يؤدي إلى فرض تغييرات سياسية هامة في قمة الهرم السلطوي. اعتماداً على هذا النسق من التحليل، من الطبيعي أن نتوقع أن يكون الهدف الرئيسي لدعوة بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، واجتماعه مع وزراء خارجية كل من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وجمهورية مصر العربية وجمهورية العراق والمملكة الأردنية الهاشمية وكذلك الجمهورية اليمنية والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في مدينة نيويورك بتاريخ 23 أيلول الماضي، بعد أقل من أسبوع على تفجر الثورة، في 15 من الشهر، ليس فقط من أجل التأكيد على الشراكة التاريخية والدائمة بين بلدانهم وتعزيز التعاون المشترك في جميع المجالات، كما جاء في البيان الختامي، بل، والأهم في هذا الظرف الثوري، من أجل وضع خطة هجوم لإسقاط النظام الإيراني، أو تحسين سلوكه (كما يحبذ الأمريكان القول!) طالما أن الهدف الأساسي لتلك الشراكة هو مواجهة الخطر الإيراني.[1]
- في سيناريو متناقض مع أكاذيب الدعاية، ويتساوق مع حقيقة تقاطع المصالح والسياسات، الاحتمال الأرجح هو عدم إقدام الولايات المتحدة على أية خطوات عملية، قد تصب في خدمة السيناريو السابق، بل على العكس، قد تقوم بإجراءات لمساعدة النظام الإيراني، يأتي في مقدمتها توقيع صفقة الاتفاق النووي؛ إذا أدركت جدٍية الاخطار التي يخلقها الشارع.[2]
ثانياً: السيناريو الأول، المتفائل، يقوم بالدرجة الأولى على أرضية تصديق دعايات النظام الإيراني والمسؤولين الأمريكان، بفرضية وجود علاقات صراع تناحري، وهي في تقديري منفصلة تماماً عن حقائق الواقع.
فبعد كل ما حصل في المنطقة منذ 1980، من تمدد لأدوات المشروع الإيراني، من مصلحة جميع السوريين، وفي مقدمتهم، المصدقين لدعايات النظام الإيراني التي حاولت تبرير أهداف مشروع سيطرته الإقليمي، التساؤل:
كيف نفهم ونفسر حقيقة الاسباب التي مكنت سلطة النظام الإيراني[3] من التمدد والسيطرة على قلب منطقة مثلث النفط الاستراتيجي العالمي، في إيران والسعودية والعراق، ومحيطها الجيوسياسي؟.
أليس من المستحيل أن يغامر النظام الإيراني (أو غيره، لنتذكر عواقب غزو أفغانستان المتاخمة لمنطقة النفوذ الأمريكي)، في محاولة تحقيق هذه السيطرة، إذا أدركنا إنها بالأساس، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، هي المنطقة الاستراتيجية رقم 1 في خطط السيطرة الإقليمية والهيمنة العالمية الأمريكية؟.
هي المنطقة التي أدرك قادة الولايات المتحدة منذ بديات اكتشاف النفط في السعودية، ثلاثينيات القرن الماضي قيمة الكنز، وأهميته الاستراتيجية في عوامل السيطرة العالمية، وبذلوا كل ما هو ممكن لضمان وضع يدهم عليه من خلال علاقة جداً خاصة؛ قامت على تحالف غريب، بين أكثر الأنظمة إغراقاً في الرجعية والاستبداد، مع أعظم الديمقراطيات العالمية!.
إن أبسط حقائق الواقع تقول بامتلاك المنطقة كنزاً عالمياً، مَن يتحكم به، يضمن وسائل السيطرة على العالم.
أليس النفط والطاقة هما السبب الأساسي للصراع الروسي/الأمريكي على أوكرانيا وأوروبا اليوم؟، فكيف إذا كانت المنطقة يزيد مخزونها عن 40% من احتياطات العالم؟! وكيف إذا أصبحت الطاقة أهم سلاح بيد الولايات المتحدة لتأبيد سيطرتها، ليس فقط على حليفتها أوروبا، بل وعلى الصين واليابان؛ وهو بالتالي أهم سلاح للحفاظ على هيمنتها العالمية؟.
التساؤل: لنفترض أن ما حققه النظام الإيراني من سيطرة على مواقع النفط والغاز هو، وفقاً لدعاية الشيطان الأكبر، ونظرية المقاومة، في مواجهة مع الولايات المتحدة، ألا يبقى التساؤل حول كيفية تصريف تلك الثروة، أكثر أهمية من امتلاكها؟.
بمعنى، هل يستطيع النظام الإيراني بيع نفطه وغازه – ناهيكم بنفط العراق – دون موافقة الولايات المتحدة؟.
ألا تتحكم الولايات المتحدة بجميع وسائل وطرق وآليات تصدير النفط (والتجارة العالمية)، وتسطيع منعها؟ أليس هدف نظام العقوبات الأمريكي ضد إيران هو التحكم بآليات وكميات النفط التي يبيعها النظام الإيراني؟ حتى ما يهربه، يستحيل أن يحصل دون غض النظر من قبل الأمريكان؟.
ما الذي يمنع إسرائيل من مطاردة سفن التهريب الإيرانية لولا إدراكها أنها تتم بضوء أخضر أمريكي؟.
لنتذكر محاصرة العراق ومنعه من تصدير نفطه، أكثر من ذلك، انظروا إلى طبيعة الصراع في أوكرانيا وأوروبا!.
العامل الأساسي الذي فجر الحرب هو سعي الولايات المتحدة لوقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا – قبل الحرب، لم يسمح ترامب للقيادة الألمانية بتشغيل خط غاز نورد ستريم 2 الذي بنته روسيا وألمانيا، بتكلفة باهظة، رغم جاهزيته منذ 2019!.
روسيا، دولة عظمى، وتملك ترسانة نووية (ليس حفنة من اليورانيوم المُخصب!)، ومخزون من أكبر احتياطات النفط والطاقة في العالم، لكنها لا تستطيع تصديرها حتى إلى جيرانها الأوربيين دون موافقة واشنطن، وإن فعلت، انظروا العواقب!.
فكيف لنظام الملالي امتلاك القدرة والجرأة على السيطرة على ثروات المنطقة، وتصديرها إلى العالم، في مواجهة مع الولايات المتحدة؟!.
لكن، في الواقع، هو يتمدد، وتسيطر أذرعه على عواصم مثلث النفط، ومحيطه الجيوسياسي؛ وتصر الدعاية على نجاح محور المقاومة في مواجهة محور الولايات المتحدة والانتصار عليه؛ وهو ما، تكذبه حقائق الواقع!.
الوقائع تُظهر أنه يستحيل أن تحقق أذرع النظام الإيراني هذا التمدد الإقليمي، وتفشيل لمقومات الدول، دون أن يكون في سياق تحقيق أهداف المشروع الأمريكي، وليس في مواجهته، أو في غفلة منه.
من جهة أولى، انظروا حال أطراف محور المقاومة اليوم!.
الجميع يستغيث، وينتظر قشة النجاة الأمريكية، مصير روسيا اليوم، الدولة العظمى، تقرره سياسات واشنطن ومصالحها، استقرار الصين مرهون بقرار أمريكي؛ وهو القادر على إشعال فتيل حرب مدمرة في بحر الصين، تُعيد الرفاق الحمر إلى مرحلة القرون الوسطى، ويعتمد على قرار واشنطن بتفجير حرب طاحنة مع تايوان!.
مآلات الصراع في إيران، ومصير نظام طهران اليوم، أكثر من أية لحظة سابقة، تحدده سياسيات الولايات المتحدة بالدرجة الأولى!.
من جهة ثانية، دعاية واشنطن عن حالة الانسحاب التكتيكي والتراخي الاستراتيجي التي عانت منها السياسيات الأمريكية، والتي سمحت للنظام الإيراني وروسيا بملء الفراغ، على طريقة القط والفأر ليست أكثر من ترهات إعلامية، ولا تصمد أمام حقائق الواقع؛ رغم ما بذله نخبة جهابذة التحليل المعارض والمؤيد (د. سمير التقي وطلال أبو غزالة) من جهد لتحويل أكاذيبها إلى رأي عام!.
فالولايات المتحدة هي المتحكم الرئيسي بخيوط السلم والحرب في سوريا، والإقليم، وقدرتها على هذا الفعل لا ترتبط بعدد جنودها، أو كمية عتادها، وعدد مواقع سيطرتها؛ وهي على هذه الحال من التقنين ليس لضعفها أو غفلتها أو لأنها كانت خارج رقعة الصراع، بل لأنها تُحرك قواها بخيوط لعبتها المسيطرة، منذ اللحظات الأولى!.
ثالثاً: إذا وضعنا ترهات الدعاية جانبا، لنتساءل: ما هو الهدف الرئيسي لسياسات سلطة النظام الإيراني الداخلية والخارجية التي تعكس مصالح القوى السياسية والطبقية المهيمنة، والتي لا تختلف عن سياسات جميع أنظمة دول العالم الثالث، صغيرها، وكبيرها، أنظمة الدول الرأسمالية التابعة، التي تشكل الحلقة الأضعف في النظام الرأسمالي العالمي؟.
في ظل معطيات الواقع التي تقول بهيمنة إمبريالية أمريكية، خاصة في منطقتنا، قلب منطقة مثلث النفط والطاقة- الحقيقة الابرز الذي تُدركها النخب السياسية الحاكمة اليوم، (ومَن جهلها أو تجالها دفع الثمن!) هي أن قدرة سلطة أي نظام سياسي على الاستمرار، بغض النظر حجم وفاعلية وسائل سيطرتها الداخلية، تعتمد بالدرجة الأولى على قيمة الأوراق التي تمتلكها في اللعب على رقعة المصالح الأمريكية!.
في دول أنظمة الاستبداد، حيث تفتقد سلطاتها للشرعية الشعبية والوطنية، يصبح البحث عن وسائل وأدوات (أوراق قوة) خارجية (إقليمية) تسطيع من خلالها ضمان استمرار مظلة الحماية الأمريكية، من أجل استمرار وتعزيز سلطتها الداخلية، هو الهاجس الأول، والمهمة المركزية التي لا تغفل عنها أعين القادة.
بناءً عليه، يمكن الاعتقاد بإدراك قادة النظام الإيراني أن مصلحة النظام في إيران، وضمان استمراره، كغيره من أنظمة الاستبداد، هو أن يمتلك أوراق قوة كافية لكي تقبله الولايات المتحدة الأمريكية (بصفتها الدولة الأقوى، والأقدر على تأمين الحماية، مقابل الخدمات) ضمن جوقة شركائها الاستراتيجيين الإقليمين (نظام آل سعود، إسرائيل، والأنظمة العربية)، كضمان أساسي وحقيقي للاستمرار، وتأبيد سيطرتها الداخلية.
وفقاً لقوانين تلك اللعبة الأمريكية، فاز نظام الشاه 1953، في مواجهة حكومة مصدق الديمقراطية، وكسب نظام الملالي الاستبدادي عام 1979، في مواجهة ملكية الشاه الدستورية، الديكتاتورية، وسيبقى نظام الملالي، طالما مازال يملك أوراق قوة في خدمة مشروع السيطرة الإقليمية الأمريكية، ولا يبدو في شوارع طهران ما يبشر الأمريكان بما هو أفضل!.
أعتقد أن أساس المصلحة المشتركة بين أمريكا ونظام إيران يتجسد في ما يملكه النظام الإيراني من أدوات ووسائل القضاء على احتمالات التحول الديمقراطية في أي بلد عربي أو إقليمي، وتفتيت وحدة الشعوب الوطنية، وقطع صيرورات الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي؛ وهو العامل الأساسي في تقاطع مصالح المشروعين، والورقة الأقوى التي تضمن بقاء النظام الإيراني كلاعب رئيسي على لوحة المصالح الأمريكية، وتحت مظلة الحماية الأمريكية؛ رغم تعارض نتائجه مع مصالح شركاء واشنطن التاريخيين، إسرائيل والسعودية وتركيا، وحتى الباكستان!.
ألا تزال تمتلك سياسات نظام الملالي الطائفية وأذرعه الميليشياوية قوة تدميرية ضد الشعوب ومؤسسات الدول الوطنية، أكثر فاعلية من أدوات، وأذرع شركاء السيطرة الأمريكية الكبار، خاصة الإسرائيلي؟.
السلام والعدالة لشعوب المنطقة!
[1]– وزارة الخارجية الأمريكية
تعميم إعلامي
مكتب المتحدث الرسمي، 24 أيلول/سبتمبر، 2022
صدر نص البيان التالي عن حكومات الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن واليمن:
بداية النص:
اجتمع وزراء خارجية كل من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وجمهورية مصر العربية وجمهورية العراق والمملكة الأردنية الهاشمية وكذلك الجمهورية اليمنية والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بدعوة من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مدينة نيويورك بتاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2022 من أجل التأكيد على الشراكة التاريخية والدائمة بين بلدانهم وتعزيز التعاون المشترك في جميع المجالات.
وشدد وزير الخارجية على التزام الولايات الدائم بالأمن والدفاع الإقليمي لشركاء الولايات المتحدة واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها وكذلك تطوير المجالات المشتركة للتعاون والتكامل، بناءً على قمة جدة للأمن والتنمية الناجحة في تموز/يوليو 2022.
وأكد الوزراء على الشراكات التاريخية والاستراتيجية وكذلك الشراكات الطموحة والمتنامية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، والدول الأعضاء فيها، وكذلك العراق والأردن واليمن، من أجل تعزيز السلام والأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي في الشرق الأوسط ومواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، بما في ذلك الأزمات الإنسانية والغذائية والصحية والمناخية.
[2]– ضمن هذا السياق، يصبح الهدف الرئيسي لوزير الخارجية الأمريكي هو توضيح سياسات بلاده القادمة تجاه إيران، واحتمال توقيع الاتفاق النووي، وتنبيه الزعماء من خطورة انتصار ثورة شعبية في إيران على استقرار أنظمتهم!.
[3]– التي استطاعت السيطرة على طهران في شباط 1979، بمجموعة ميليشيات لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة مئات، ولا يتعدى تسليحها ما نهبته من مخازن الشرطة والجيش من البنادق اليدوية، وتحت سمع وبصر أوروبا، وبدعم فرنسي مباشر، وفي مناخ معاد للجار الشيوعي السوفياتي وفي مواجهة مع جيش الشاه، أقوى خامس جيش في العالم، ويقع مباشرة تحت سيطرة جنرالات الاستخبارات الأمريكية!.