في اليوم الدولي للمرأة… قمع النساء في المناطق السورية المحررة يكرس حالة من فقدان التنمية والمساواة والأمن
تأمل السوريون الذين شاركوا في الحراك الشعبي منذ آذار 2011، أن تكون المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري نماذجَ في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستقلال القضاء، وما إلى ذلك من مقتضيات دولة القانون، لكن هذا لم يحدث، وغالباً ما تقوم السلطات في تلك المناطق بمقارنة حالة الحريات، والحقوق والقضاء مع النظام السوري.
النظام السوري قتل 74 امرأة تحت التعذيب لا يصح نموذجاً للمقارنة معه
إن المقارنة التي تقوم بها السلطات في المناطق السورية المحررة مع ما يجري في مناطق قوات النظام السوري هي مقارنة مستهجنة أشدَّ الاستهجان، لأن المقارنة عادة ما تتم مع الأنظمة الحضارية التي تحترم القانون الدولي، وليس مع نظام متورط في ارتكاب العديد من الانتهاكات التي تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومع نظام مارسَ عمليات الإخفاء القسري، وقتلَ 74 امرأة تحت التعذيب.
بل إن المقارنة لا تكون مع نظام كتب دستوراً يجسد صفات الدكتاتورية، وأنشأ محاكم أمنية تتبع للأجهزة الأمنية بهدف تصفية الخصوم، ولا تكون هذه المقارنة مع نظام متوحش مارس أفظع الانتهاكات بحق المرأة التي طالبت بالتغيير السياسي، وشرَّد ملايين النساء، واعتقل تعسفياً عشرات آلاف النساء.
حصيلة أبرز الانتهاكات الواقعة على المرأة السورية على خلفية النزاع المسلح
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة ذكرى اليوم الدولي للمرأة الثلاثاء 8 آذار 2022، تقريراً خاصاً تحت عنوان “في اليوم الدولي للمرأة انتهاكات متعددة من مختلف أطراف النزاع في سورية”، استعرضت فيه حصيلة أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سورية بحقِّ السيدات “الإناث البالغات” منذ آذار 2011 حتى آذار 2022، على خلفية النزاع المسلح الداخلي، وكانتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
تحدَّث التقرير عن أبرز الانتهاكات والاعتداءات التي وقعت بحق المرأة في مناطق القوى المسيطرة الرئيسة الثلاث: المعارضة المسلحة، قوات سورية الديمقراطية، هيئة تحرير الشام، التي تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، موضحاً أن الانتهاكات ضدَّ المرأة تعتبر عقبة أمام تحقيق التنمية، والمساواة والانتقال نحو الديمقراطية والسلم، كما أنها تغرس الخوف وانعدام الأمن لدى المرأة، وتعرقل ممارستها للأنشطة الأساسية كالعمل والتنقل والتعليم، والمشاركة السياسية والاجتماعية.
القتل خارج نطاق القانون
سجل التقرير منذ آذار 2011 حتى آذار 2022، مقتل ما لا يقل عن 16228 سيدة (أنثى بالغة) على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، قتل 80% منهن على يد قوات الحلف السوري/الروسي.
بحسب التقرير فقد قتل النظام السوري 11952 سيدة، بينما قتلت القوات الروسية 977 سيدة، فيما قتل تنظيم داعش 587، وقتلت هيئة تحرير الشام 77.
ووفقاً للتقرير فقد قتلت جميع فصائل المعارضة المسلحة 882 سيدة، وقتلت قوات سورية الديمقراطية 165.
وسجل التقرير مقتل 658 سيدة على يد قوات التحالف الدولي، و930 سيدة على يد جهات أخرى.
الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري
طبقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 9774 سيدة لا تزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية منذ آذار 2011.
اعتقل النظام السوري منهن 8096 سيدة، و255 لدى تنظيم داعش، و44 لدى هيئة تحرير الشام، و857 لدى جميع فصائل المعارضة المسلحة، و522 لدى قوات سورية الديمقراطية.
وقد أظهر تحليل البيانات أن النظام السوري مسؤول عن قرابة 83 % من حالات الاعتقال والاختفاء القسري مقارنة ببقية أطراف النزاع، وهذا يدل على تعمد النظام السوري ملاحقة واعتقال وإخفاء الإناث بدوافع متعددة، على نحوٍ مخطط ومدروس.
الموت بسبب التعذيب
وثَّق التقرير مقتل ما لا يقل عن 93 سيدة بسبب التَّعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، قتلت 74 منهن على يد قوات النظام السوري، و14 سيدة على يد تنظيم داعش، وسيدتين على يد كل من قوات سورية الديمقراطية، وجميع فصائل المعارضة المسلحة، وسيدة على يد جهات أخرى.
العنف الجنسي
وثق التقرير في المدة ذاتها ما لا يقل عن 11523 حادثة عنف جنسي ضد الإناث، كانت 8013 على يد قوات النظام السوري، و3487 على يد تنظيم داعش.
وأضاف التقرير أن 12 منها كانت على يد قوات سورية الديمقراطية، و11 على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة.
وفي هذا الجانب أوضح التقرير أنَّ كلاً من النظام السوري وتنظيم داعش قد مارس العنف الجنسي كسلاح حرب استراتيجي وأداة تعذيب وانتقام ضد المجتمع السوري.
ما لا يقل عن 107 حوادث اعتداء وترهيب تعرضت لها النساء على خلفية أنشطهن في شمال شرق وشمال غرب سورية
رصدَ التقرير تعرض النساء العاملات والناشطات لأنماط متعددة من العنف، في شمال شرق وشمال غرب سورية، وعلى نحوٍ متفاوت بين منطقة وأخرى.
وقال التقرير إن النساء اللواتي انخرطن في الأنشطة المجتمعية والسياسية والإعلامية والإنسانية، قد دفعنَ ثمناً باهظاً تجسَّد في تعرُّض كثيرات منهن لأنماط مختلفة من المخاطر والتهديدات، والاعتداءات الجسدية والمعنوية.
عرض التقرير بشكل موجز أبرز تلك الممارسات والانتهاكات، وسجل في هذا السياق ما لا يقل عن 107 حوادث اعتداء وترهيب تعرضت لها النساء الناشطات أو العاملات أو المراكز المختصة بالمرأة على خلفية أنشطتهن منذ آذار 2021 حتى آذار 2022، وذلك في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في كل من محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة ودير الزور، والتي تخضع لسيطرة واحدة من القوى التالية: جميع فصائل المعارضة المسلحة ، قوات سورية الديمقراطية، هيئة تحرير الشام، ولم يتم تضمين مناطق النظام السوري وممارساته في هذا المجال ضمنَ التقرير.
وذكر التقرير أنها توزعت بحسب الجهة المرتكبة للانتهاك على النحو التالي: هيئة تحرير الشام: 27، جهات لم يتمكن التقرير من تحديدها: 21، خلايا متطرفة (يعتقد أنها تنتمي لتنظيم داعش): 17، جميع فصائل المعارضة المسلحة: 23، قوات سورية الديمقراطية: 19.
وأكد التقرير أن هذه الانتهاكات تسبَّبت في ردع النساء عن المشاركة الفاعلة في مختلف المجالات، السياسية، الإعلامية، وما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، والنشر على صفحات التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص فيما يتصل بنقد الانتهاكات بحق المرأة.
24 حادثة قتل طالت النساء بدافع جنساني منذ آذار 2021 حتى آذار 2022
سجل التقرير العديد من حالات الاضطهاد والعنف ضد المرأة، والتي وصلت في بعض الأحيان حدَّ قتلها، وذلك على خلفية جنسانية مرتبطة بشكل أساسي بما يطلق عليه مجتمعياً اسم “جرائم الشرف”، واعتبر التقرير أن هذه الاعتداءات والجرائم انعكاس واضح لمدى هشاشة البنية القانونية والقضائية الناظمة لحقوق المرأة.
وقد وثق التقرير منذ آذار 2021 حتى آذار 2022 ما لا يقل عن 24 حالة قتل طالت النساء بدافع جنساني على يد أسرهن أو شركائهن، معظمها بذريعة “الشرف” أو رفض النساء لتزويجهن قسرياً، أو حالات ناجمة عن عنفٍ من الرجل.
أبرز الاستنتاجات القانونية
أكد التقرير أن النظام السوري المسيطر على الدولة السورية كان الجهة الأولى التي خرقت القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ومارست انتهاكات بحق المرأة على نحوٍ واسع في كثير من الأنماط مثل القتل، والتعذيب والإخفاء القسري، وسارت على نهجه بقية أطراف النزاع بشكل متفاوت، والبعض منها ارتكب انتهاكات بحق المرأة السورية لم يمارسها النظام السوري نفسه مثل التزويج القسري والتضييق على الملابس وحرية التنقل.
وقال التقرير إن المجموعات المسلحة، باعتبارها أطرافاً من غير الدول، لا تستطيع أن تنضم رسمياً إلى أطراف المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، لكنها مُلزَمة رغم ذلك باحترام حقوق الإنسان الأساسية، وبالقانون الدولي العرفي، كون هذه الأطراف تجسد سيطرة فعلية على أجزاء من إقليم الدولة.
وقد أثبت التقرير وجود أنماط من التمييز بحق المرأة في عدد من الممارسات، وهذا يشكل انتهاكاً لاتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة.
كما أكد التقرير أن أغلب ممارسات العنف والانتهاكات بحق المرأة تهدف لردعها عن الانخراط في الشأن العام، وبشكل خاص النشاط السياسي، والإعلامي. وقال إن العشرات من حقوق المرأة الأساسية يتم انتهاكها، وفي مقدمتها، الحق في الحياة، عدم التعرض للتعذيب والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وفي التنقل، واللباس، وحرية الرأي والتعبير، والعمل، وغيرها من الحقوق.
وشدَّد التقرير على أن تعزيز دور المرأة، وحمايتها من العنف والانتهاكات، بما في ذلك حقها في العمل السياسي والإعلامي وحرية الرأي، سوف ينعكس بشكل إيجابي على المجتمع كله، كما أن كل ذلك من الأمور الأساسية في السعي نحو المساواة والتنمية.
أوصى التقرير أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – سيداو، والتوقف عن كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
كما طالب جميع أطراف النزاع بالإفراج الفوري عن النساء المحتجزات تعسفياً، وبشكل خاص على خلفية النزاع المسلح، والالتزام بالقوانين الدولية الخاصة باحتجاز الفتيات.
وطالب بإجراء تحقيقات عن مرتكبي الانتهاكات، والعنف ضد المرأة، ومحاسبتهم وفق نظام قضائي مستقل، وأحكام تراعي القوانين الدولية، والبدء بتعويض الضحايا وجبر الضرر.
وطالب التقرير المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتأمين حماية ومساعدة النساء المشردات قسرياً من نازحات ولاجئات، ومراعاة احتياجاتهن الخاصة في مجال الحماية تحديداً.
وختم التقرير بالمطالبة باتخاذ الإجراءات الممكنة كافة، قانونياً وسياسياً ومالياً بحق النظام السوري وحلفائه، وبحق جميع مرتكبي الانتهاكات في النزاع السوري للضغط عليهم من أجل الالتزام باحترام حقوق المرأة، إلى غير ذلك من توصيات إضافية.