
في الذكرى الرابعة عشرة للثورة السورية: آلام الماضي وتحديات المستقبل
تحولات كبرى بعد نضال طويل:
تحلّ الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011، وسط منعطف تاريخي غير مسبوق، تمثَّل في سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، إيذاناً ببدء مرحلة انتقالية انتظرها السوريون طويلاً.
جاء هذا الحدث تتويجاً لأعوامٍ من النضال والتضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب السوري، حيث قُتل ما لا يقل عن 234,145 مدنياً، ولا يزال 177,021 شخصاً قيد الاختفاء القسري، فضلاً عن دمارٍ هائل طال البنية التحتية، في واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية مأساوية في العصر الحديث.
وعلى الرغم من هذه المحنة، بقيت عزيمة السوريين صامدةً، واستمروا في السعي لتحقيق تطلعاتهم الوطنية في بناء دولةٍ قائمة على الحرية، الكرامة، العدالة، واحترام حقوق الإنسان.
واليوم، ومع بدء المرحلة الجديدة، يواجه السوريون تحديات جسيمة، لكنهم يقفون أيضاً أمام فرص تاريخية لبناء سوريا جديدة، قائمة على العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
الجرائم والانتهاكات: ذاكرة الألم ومعركة العدالة:
على مدى أربعة عشر عاماً، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنماطاً ممنهجة من الانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون، بدءاً من القمع الوحشي للمظاهرات السلمية، وصولاً إلى عمليات القتل والتعذيب والإخفاء القسري، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً.
وأبرز الإحصائيات المسجلة حتى آذار/مارس 2025 تُظهر حجم الكارثة الإنسانية التي عانى منها السوريون:
ضحايا القتل خارج نطاق القانون:
234,145 مدنياً قتلوا منذ آذار/مارس 2011.
202,012 مدنياً قتلوا على يد قوات نظام الأسد.
32,133 مدنياً قتلوا على يد أطراف النزاع الأخرى.
ضحايا القتل من الأطفال:
30,498 طفلاً قتلوا بسبب الاستهداف المباشر، القصف العشوائي، والتعذيب داخل مراكز الاحتجاز.
23,132 طفلاً قتلوا على يد قوات نظام الأسد.
ضحايا القتل من النساء:
16,659 سيدة قُتلن، بينهن 12,037 على يد قوات نظام الأسد.
المختفون قسرياً:
177,021 شخصاً لا يزالون مفقودين، بينهم 4,536 طفلاً و8,984 سيدة.
160,123 منهم كانوا محتجزين في مراكز الاعتقال التابعة لنظام الأسد.
ضحايا التعذيب:
45,332 شخصاً قُتلوا تحت التعذيب، بينهم 225 طفلاً و116 سيدة.
45,031 منهم قتلوا داخل مراكز احتجاز النظام.
الهجمات على المنشآت الحيوية:
4,091 حادثة اعتداء على منشآت مدنية، بينها 913 منشأة طبية، 1,475 دار عبادة، و1,703 مدرسة.
الهجمات بالأسلحة المحظورة:
499 هجوماً بالذخائر العنقودية.
81,954 برميلاً متفجراً ألقاه النظام، قتل بسببها 11,092 مدنياً، بينهم 1,821 طفلاً.
182 هجوماً بالأسلحة الحارقة، معظمها نفذته قوات النظام وروسيا.
التشريد القسري:
13.4 مليون سوري نزحوا أو لجأوا إلى الخارج، أكثر من نصف سكان البلاد.
لا تمثل هذه الأرقام إحصائيات فقط، وإنما هي توثيقٌ للجرائم التي ارتُكبت بحق السوريين، والتي لا يمكن أن تمرّ دون محاسبة المسؤولين عنها، تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للضحايا.
مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات والفرص:
مع سقوط نظام الأسد، تدخل سوريا مرحلةً جديدةً من تاريخها، لكنها لن تكون سهلة، إذ تقف البلاد أمام تحديات ضخمة على جميع المستويات:
1. تحقيق العدالة الانتقالية:
محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، وفق معايير العدالة الدولية.
الكشف عن مصير المختفين قسرياً، وتعويض الضحايا.
2. إعادة بناء مؤسسات الدولة:
تأسيس نظام سياسي قائم على الفصل بين السلطات وسيادة القانون.
ضمان التعددية السياسية وحماية حقوق الإنسان.
3. إعادة إعمار سوريا:
تأهيل البنية التحتية التي دُمرت بفعل الحرب.
خلق بيئة اقتصادية مستقرة تكفل عودة اللاجئين والنازحين.
4. إعادة المهجرين واللاجئين:
تأمين ظروف آمنة للعودة الطوعية الكريمة.
معالجة القوانين الجائرة التي صادرت أملاك اللاجئين والنازحين.
5. بناء قوات أمنية وطنية:
التخلص من المنظومة الأمنية القمعية، وبناء أجهزة تحترم حقوق الإنسان.
دمج القوات العسكرية والمسلحة ضمن مؤسسة وطنية واحدة.
سوريا الجديدة بين الأمل والمسؤولية:
يدخل السوريون اليوم مرحلة مفصلية من تاريخهم، حيث يحملون على عاتقهم مسؤولية بناء سوريا جديدة، تقوم على العدالة والمواطنة وحقوق الإنسان.
لكن الطريق لن يكون سهلاً، فالتحديات جسيمة، والمخاطر لا تزال قائمة، ما يتطلب وعياً وطنياً وإرادةً سياسية حقيقية لإنجاح المرحلة الانتقالية.
ورغم الألم الكبير الذي عاناه السوريون، فإنهم اليوم أكثر عزماً على تحقيق ما خرجوا من أجله في آذار/مارس 2011: وطنٌ حرٌ، لا مكان فيه للاستبداد، ولا حصانة فيه لمرتكبي الجرائم. وإن تحقيق العدالة، وإنصاف الضحايا، وضمان عدم تكرار مآسي الماضي، يبقى الركيزة الأساسية لمستقبل سوريا الجديدة.
“الثورة مستمرة، لا بثأرٍ، ولكن بعدالةٍ لا مساومة فيها”.