fbpx

فوق التخدير

0 114

خُذ نفساً.. املأ رئتيك.. كرّرها ثلاثاً..

ركبتُ متن العنقاء، فردتْ جناحيها وصعّدتْ في الفضاء، تشبّثتُ بعنقها، حلّقتْ فوق أراضي الجنوب، نصب القائد العام للثورة مكفهرّ، وسهول حوارن الدامية تمتد شاحبة على مرمى البصر، خضرة الجولان ذابلة، دمشق الياسمين يغلّفها ستار من دخان، وغوطتها تندب الأشمر والشهبندر، عاصي حمص يبكي ديك الجن، أنين النواعير يتصاعد عالياً ويومئ إلى شيخ المعرّة، من بعيد تلمع أشعة على صفحة البحر وتنعكس على السفوح، تنكز الشيخ صالح، وتهدهد هنانو.

– قلت اقتربي شمالاً، هناك بقعة سوداء؟! ردّتْ: لا أستطيع تجاوز الحدود وشرّقتْ.. أبو فراس مازال يخطب بحذاء ساحة الجابري بلا جموع تسمع.. اجتازتِ الخط الأفعواني الأزرق وحوّمتْ فوق ديار متربة يعلوها غبار وسخام… تراءتْ تدمر عجوزاً، وجسر الدير شيخاً هرماً يتوكأ على عصاة معوجّة.. شاهدتُ مدناً كانت مدناً، وسهولاً كانت مروجاً، وأسلحة مشرّعة… انتابني غمّ.. استولى عليّ حزن.. قلت: ياسيدتي أعيديني.. يكفي ما رأت عيناي.

قالت: انتظر هناك ما لم تره بعد.

ما هو؟.

مخيمات و…، ارتفعتْ محلّقة..

رأيتُ أطفالاً يتآكلهم القرّ والحرّ.. نساءً تغوص في الوحل.. رجالاً يلهثون في ترميم الخيام.. بشراً تُنتهك حقوقُهم، والأمم المتحدة شبه عاجزة عن العون.

قلت كفى.. أرجوكِ أعيديني، أو تابعي شرقاً.

أجابت لا أستطيع تجاوز سايكس بيكو…

أعيديني.. أرجوك.. معدتي تؤلمني.

لوتْ عنقها.. نظراتها مخارز.. قالت: هذي حقوق الإنسان في أول بلاد عرفت نصاً يوثق حقوق الإنسان.

هوتْ تسرع.. تمسّكتُ بعنقها.. كانت يدي تمسك يد الطبيب وهو يشدّ عليها.. الحمد لله على السلامة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني