fbpx

فنلندا والسويد.. والمنشار والطاحون التركيّان..

0 193

في الأمثال يقولون” إجى حبك عالطاحون” ويضرب المثل للشخص عندما يضطر في مرحلة ما أن يتعامل مع شخص لا تربطه به علاقات ودية، ليقترب هذت الشخص ليكون بمنزلة العدو الذي ليس لكَ عن صدافته بُدُّ، وهذا ما ينطبق على ما يحصل مع فنلندا والسويد بشأن طلبهما الانضمام إلى حلف الناتو والتي تتحفظ تركيا بشأن انضمامهما إليه ولتركيا من الأسباب ما يجعلها تعترض على دخولهما إليه.

ولكن لماذا تعارض تركيا عضوية فنلندا والسويد في الناتو؟

يحظى الموقف التركي بأهمية أكبر من كبيرة، وذلك لجهة طلب انضمام فنلندا والسويد ليكونا عضوا في النيتو بعد تقديمهما طلب رسمي للانضمام إليه يوم الأحد الماضي. ونأتي أهمية هذا الموقف- الموقف التركي- باعتبار أن النظام الداخلي للنيتو يشترط موافقة وإجماع جميع أعضاء الناتو على دخول أعضاء جدد إليه، ومن هنا يأتي أهمية الموقف التركي إن بالموافقة أو الاعتراض.

وربما يأتي على رأس الأسباب التي تحذو بتركيا على عدم موافقتها على دخول هيلسينكي وستوكهولهم للحلف، هو اتهام أنقرة هاتين الدولتين بدعم الـ (PKK) والـ (PYD) والتي تخوض أنقرة معها حربا منذ عام 1985، الفصيلان تعتبرهما فصيلين إرهابيين وبينهما ما صنع الحداد.

فالرئيس التركي صرح وبعيد تقديم هلسنكي واستوكهولم لطلب الانضمام للناتو صرّح بأن أنقرة لن توافق على انضمام هاتين الدولتين باعتبارهما تدعمان جهات إرهابية مصنفة عالمياً بأنهما إرهابية، وأن حلف النيتو حلف أمني فكيف يمكن لحلف أمني أن يضم من بين أعضائه من يدعم الإرهاب؟ مشيراً إلى أن تركيا لن تكرر أخطاء الماضي عندما رفضت في عام 1984 طلب انضمام أثينا للناتو ولكن ما لبثت أنقرة أن وافقت على انضمامها، وتركيا والرئيس أردوغان لا يريدان أن يكررا أخطاء الماضي، حتى أن الرئيس أردوغان صرح بشأن نية زيارة وزيري خارجية فنلندا والسويد إلى تركيا لمناقشة هذا الموضوع، قال بأنه إذا كانت زيارتهما لأنقرة لمناقشة موضوع انضمامهما للنيتو فمن الأفضل لهما ألا يأتيا، وهو يرى أي – أردوغان – “أن المسلم لا يلدغ من الجحر ذاته مرتين” ويرى أن تركيا لدغت من دخول اليونان إلى الحلف ولن تلدغ مرة أخرى من دخول هيلسنكي واستوكهولم إليه، ومن الأسباب الأخرى التي يجعل أنقرة متحفظة بل رافضة على دخول هلسنكي واستوكهولم حتى اللحظة للحلف هو موقف الدولتين الداعمتين لفتح الله غولن الذي تراه أنقره وتتهمه على أنه يقف على رأس المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في يوليو من عام 2016.

الموقف التركي وحديث الرئيس أردوغان عن رفض انضمامها للحلف خفف من شدته بعض الشيء المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن وأبقى الباب موارباً بهذا الخصوص عندما قال إن تركيا لن تغلق الباب أما عضوية استكهولم وهيلسينكي وستناقش الأمر في هذا حول مسألة انضمامهما للحلف من زاوية النظر للأمن القومي التركي.

بعضهم يرى أن تركيا في موقفها المتشدد إزاء دخول الدولتين الناتو تريد أن تلعبه كما تريد وتشاء أن تلعبه، وذلك لكسب المزيد من المكاسب التي ما كان لها أن تكسبها لولا أنها عرفت قيمة موقفها الرافض أو القابل من مسألة دخول هاتين الدولتين للناتو.

إذا هبت رياحك فاغتنمها..

تركيا حتى اللحظة لم تقرر بعد، ولم تفصح عن موقفها النهائي في هذا الشأن، ما يجعل الجميع جاهداً أن يخطب ودها في هذه المسألة، وذلك نظراً لحساسية ودقة الموقف في هذه المسألة، إن لجهة أعضاء الناتو الذين يريدون دخول العاصمتين للناتو الذي يعتبره الحلف انتصاراً له وخاصة بعد الحرب الروسية – الأوكرانية ويأتي دخول السويد للناتو كما تراه واشنطن تكريساً للهزيمة التي منيت بها روسيا وتعميقاً للمستنقع الذي وقعت به، ولجهة روسيا أيضا التي لا تريد للدولتين الدخول إليه وذلك أن دخول فنلندا التي ترتبط بحدود مع روسيا تصل لمسافة 1300 كم ما يعني أن الناتو في حال دخول فنلندا سيجعله قريباً جداً منها وسيجعله في حضن موسكو التي تعمل جاهدة على منع اقترابه من حدودها، وما الحرب الروسية – الأوكرانية إلا نتاج هذه الهواجس التي تطارد موسكو.

تركيا وبطبيعة الحال ستقوم بدراسة ما الذي سيقدمه كلا الطرفين لها من عروض إن كانت أمريكا وبقية أعضاء الحلف الذين يريدون قبول طلب الدولتين للانضمام إلى الناتو، أو روسيا التي لا تريد لهما الانضمام.

ولكن ماذا يمكن لتركيا أن تأخذ وتكسب إن من هذا أو من ذاك؟

ما تريده تركيا من الحلف ومن الناتو بشكل خاص يأتي على رأسه تفعيل الاندماج مجدداً ببرنامج الـ (F35) التي عملت واشنطن منذ فترة على إيقاف التعاون التركي – الأمريكي في هذا البرنامج، وربما ستطلب تركيا أيضاً رفع الحظر الأمريكي عن الصناعات الدفاعية التركية وإطلاق يدها في هذا المجال، وربما ستطلب كذلك من واشنطن دعم قرار الانضمام بانسحاب ميليشيات قسد إلى ما وراء الحدود التركية باتجاه العمق السوري لمسافة 30 كم وذلك كمنطقة عازلة الذي جرى الحديث عنه طويلاً.

من جانبها روسيا لا تريد كما قلنا للدولتين الانضمام، فتركيا بيدها إن أرادت لهما أن تدخلا أولاً، فإن اختارت تركيا عدم الموافقة، فسيكون ثمن ذلك حاضراً وستقدم روسيا لها عرضاً يكون متمثلاً في الأراضي السورية وذلك بتطبيق اتفاق سوتشي وانسحاب النظام وميلشياته إلى ما وراء النقاط التركية في مورك.

أما فيما يتعلق بالدولتين فنلندا والسويد وما يمكن لهما أن تقدما لأنقرة من مكاسب، فسيأتي على رأس هذه المكاسب أمر يتعلق بأمن أنقرة القومي وهو أن تتبرأ الدولتين من الإرهاب الذي تدعمه هليسنكي وستوكهولهم المتمثل بدعمهما للـ (PKK) والـ (PYD) وأن تقوما بإعلان المنظمتين منظمتين إرهابيتين ناهيك بالكف عن دعمهما لـ فتح الله غول وجماعته.

الموقف الروسي، والموقف والأمريكي متمثلاً بالنيتو؟

فعلى ضوء الطلب المقدم من الدولتين، الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتبيرغ قال: إن حلف النيتو في طريقه لقبول طلب انضمام الدولتين الاسسكندنافيتين إليه، أما فلاديمير بوتين الرئيس الروسي وفي اتصال مع نظيره الفنلندي سوني نينيستو قال: “إن من الخطأ إنهاء الحياد العسكري لهيلنسكي ورأى أنه لا يوجد ما يهدد أمنها لتفعل ذلك”.

إذاً تركيا الآن موقفها ممتاز في هذه القضية وكلمة الفصل كلمتها؟ ومصير هليسنكي واستوكهولم بدخول النيتو معلق على موافقتها أو عدمه.

ففي الأمثال الشعبية يقولون “إجى حبك عالطاحون” فالحَبُّ الفنلندي والحبُّ السويدي، الدولتان اللتان لم تكونا تظنان أنه سيأتي يوم وتمرّ حبوبهما عبر الطاحون التركي، أمَا وأنه مرّ فثمن مروره وطحنه ستدفعه أطراف كثيرة إن وافقت تركيا على انضمامهما، وأثمان ستدفعها أطراف أخرى حتى لو تم رفضها للانضمام ، شأن تركيا في هذا كشأن المنشار إن تقدم للأمام يأكل الخشب وإن تراجع أيضا فهو له من الآكلين، وتلك لعمري من القضايا النادرة التي ستستغلها تركيا والتي ستعمل على تحقيقها في مجال أمنها القومي، وكذلك لزيادة جماهيرية الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وتسجيلاً لنقاط إضافية في هذا السنةِ سنة الانتخابات التركية المفصلية، فهبوب الرياح لا تأتي كلما أردتها، فإن هبت فعليك أن تستغلها وأن تعرف كيف تستغلها لتقود شراع سفينتك إلى الهدف الذي تقصده.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني