
فجر جديد لسوريا
يمثل سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، بعد صراع طويل ووحشي، نقطة تحول حاسمة في تاريخ سوريا الحديث. يفتح هذا الحدث التاريخي الباب أمام سوريا لإعادة بناء نفسها وإرساء عهد جديد من السلام والازدهار. ومع ذلك، فإن الطريق إلى الأمام محفوف بالتحديات الكبيرة، بما في ذلك استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، والتوترات الطائفية، والدمار الاقتصادي الهائل، والنفوذ المستمر لأطراف إقليمية ودولية فاعلة.
إن تحقيق سلام دائم وازدهار اقتصادي هدفان متلازمان بشكل وثيق، فلا يمكن لأحدهما أن يستمر دون الآخر. يقدم هذا المقال رؤية شاملة لإعادة تشكيل سوريا، مع التركيز على الخطوات الأساسية اللازمة لتحقيق هذين الهدفين المزدوجين.
لقد أدى الانهيار المفاجئ لنظام الأسد، إلى خلق حالة إعادة بناء نظام سياسي جديد، مما قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار إذا لم تتم إدارته بعناية. فالسيطرة الاستبدادية الطويلة للنظام قمعت المعارضة ومنعت تطور هياكل معارضة قوية وموحدة. ومنعت تشكيل الأحزاب السياسية، ونتيجة لذلك، فإن سقوطه المفاجئ يترك فراغاً تحاول جماعات متعددة، بما في ذلك تلك التي تحمل أيديولوجيات مختلفة، استغلاله. يمكن أن يتجلى هذا الصراع على السلطة في نزاعات إقليمية، واقتتال داخلي سياسي، واستمرار العنف (كاحتمال)، مما يعيق كلاً من السلام والانتعاش الاقتصادي.
للمجتمع الدولي دور في سوريا ما بعد الأسد دور حاسم في تشكيل مستقبلها. فمن الضروري اتباع نهج منسق ومتسق، يركز على دعم الحكم الشامل والانتعاش الاقتصادي، لمنع المزيد من التفتت وعدم الاستقرار. لقد تأثر الصراع السوري منذ فترة طويلة بأطراف خارجية ذات مصالح متنوعة ومتضاربة في كثير من الأحيان. وتمثل مرحلة ما بعد الأسد فرصة للمجتمع الدولي لتبني استراتيجية موحدة تعطي الأولوية للاستقرار طويل الأمد ورفاه الشعب السوري (منعاً لمزيد من الفوضى). ويتطلب ذلك التغلب على الانقسامات الماضية والعمل معاً لتقديم الدعم المالي والسياسي والتقني خلال المرحلة الانتقالية.
الواقع السياسي الراهن: تحديات وفرص
الحكومة الانتقالية والإعلان الدستوري:
استولت قوات ردع العدوان على دمشق في الثامن ديسمبر 2024 وأعلنت حكومة تصريف للأعمال. وقد تم هذا الاستيلاء السريع، عقب هجوم للمعارضة، مما مثّل تحولاً كبيراً في الصراع السوري.
وقد تم استبدال هذه الحكومة في أبريل 2025 بحكومة جديدة انتقالية وإعلان دستوري أعلنهما الرئيس أحمد الشرع.
تضم الحكومة الجديدة ممثلين عن الإخوة الأكراد والدروز والعلويين والمسيحيين في مجلس وزرائها المكون من 23 عضواً، مع وجود امرأة واحدة. إلا أن الاتفاق الموقع مع قوات قسد غير فعال مما يشير إلى نقطة خلاف محتملة في المستقبل أو مفاوضات أكثر جدية. ولا تزال المناصب الرئيسية مثل الدفاع تحت سيطرة قيادة ردع العدوان.
يؤسس الإعلان الدستوري لنظام رئاسي مركزي بحت، حيث يعين الرئيس ثلث أعضاء المجلس التشريعي، وتختار لجنة يعينها الرئيس أيضاً بقية الأعضاء. وقد أثار هذا الأمر مخاوف من مكونات سياسية سورية بشأن تعزيز السيطرة التنفيذية، مما قد يقوض التطلعات الديمقراطية.
انتقدت السلطات الكردية عدم وجود لامركزية في الإعلان الدستوري، بحجة أنه يعيق الانتقال الديمقراطي. وهم يدعون إلى مزيد من الحكم الذاتي والفيدرالية وهذا ما نقف ضده نحن في حزب بناء سوريا الديمقراطي.
وافقت قوات سوريا الديمقراطية على الاندماج في جيش سوري واحد بحلول نهاية عام 2025 شريطة أن تكون كتلة مستقلة داخل الوزارة وهذا ما رفضناه نحن كحزب بناء سوريا الديمقراطي. ومع ذلك، لا تزال تفاصيل وآثار هذا الاندماج غير واضحة وقد تكون مصدراً للتوتر في المستقبل أو المفاوضات.
جهود السلام الجارية والوضع الأمني:
تم إطلاق مؤتمر حوار وطني، لكن المخاوف لا تزال قائمة بشأن شموله وفعالية مخرجاته. وقد تعهد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بتحقيق عدالة انتقالية. ومع ذلك، لا يزال هناك شك حول مدى شمولية العملية والجدول الزمني القصير.
يستمر العنف في سوريا، بما في ذلك الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية القوات الحكومية في شمال شرق البلاد، وحوادث استهداف فلول النظام السابق المدنيين في مناطق مختلفة. وتشكل هذه التوترات العسكرية تهديداً كبيراً للوحدة الوطنية.
كما تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات عسكرية في جنوب سوريا، هدفها الحفاظ على سوريا مقسمة لتبقى ضعيفة. وتجري محادثات غير مباشرة بين الطرفين لتخفيف التوترات.
لا تزال الاحتياجات الإنسانية مرتفعة، حيث يحتاج ما يقدر بنحو 16.5 مليون شخص إلى الدعم ولا يزال ملايين آخرون نازحين كلاجئين في الدول المجاورة. وقد أثر خفض المساعدات الأمريكية بشكل أكبر على الاستجابة الإنسانية.
يشير استمرار العنف والتوترات العسكرية إلى هشاشة الوضع الراهن والانقسامات العميقة داخل المجتمع السوري. وسيتطلب تحقيق سلام دائم معالجة الأسباب الجذرية لهذه الصراعات وبناء الثقة بين المجتمعات المختلفة. كما أن تدخل أطراف خارجية، مثل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، يزيد من تعقيد المشهد الأمني. لقد فاقمت سنوات الحرب على الشعب السوري الانقسامات العرقية والدينية القائمة في سوريا. ويظهر استمرار العنف، حتى بعد سقوط الأسد، أن هذه التوترات لم تختف. ويضيف تدخل القوى الإقليمية بأجنداتها الخاصة، مثل مخاوف تركيا بشأن الجماعات الكردية ومصالح إسرائيل الاستراتيجية، طبقة أخرى من التعقيد للوضع الأمني. ومن الضروري وضع استراتيجية شاملة للمصالحة وحل النزاعات، تشمل أطرافاً محلية ودولية، لتحقيق سلام دائم.
رؤى أولية حول حكم سوريا ما بعد الصراع:
تواجه الحكومة الجديدة مهمة هائلة تتمثل في إعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الخدمات الأساسية بعد عقود من الحكم الاستبدادي وسنوات من الصراع. وتقف المؤسسات على شفا الانهيار التام إذا لم يعمل الشعب السوري على الصالح العام لا الخاص الضيق.
هناك مخاوف بشأن عدم وجود إجراءات سياسية على أرض الواقع والاعتماد المفرط على المجتمع المدني لملء الفراغ. تحتاج القيادة الجديدة إلى إظهار حكم فعال لاكتساب الشرعية.
الوضع الاقتصادي مزرٍ، حيث يعاني 90% من السكان من الفقر المدقع وبنية تحتية مدمرة تتطلب ما يقدر بنحو 250-400 مليار دولار لإعادة الإعمار. وتزيد العقوبات الدولية من تفاقم الأزمة الاقتصادية.
إن حجم التحديات التي تواجه سوريا ما بعد الأسد يتطلب اتباع نهج متعدد الأوجه وطويل الأمد يعالج الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في آن واحد. فالترابط بين هذه القضايا يعني أن التقدم في مجال واحد من المرجح أن يعتمد على التقدم في مجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، من غير المرجح أن يتحقق الانتعاش الاقتصادي بدون استقرار سياسي، ويتطلب السلام الدائم معالجة المظالم التي أشعلت الصراع. إن إرث نظام الأسد، إلى جانب الدمار الذي خلفته الحرب على الشعب السوري، قد خلق مجموعة معقدة ومترابطة من المشاكل. ولن تكون معالجة أي قضية بمفردها كافية على الأرجح. فمن الضروري وضع استراتيجية شاملة تدمج الإصلاحات السياسية، وإصلاح القطاع الأمني، والعدالة الانتقالية، والانتعاش الاقتصادي، والمصالحة الاجتماعية لبناء سوريا مستقرة ومزدهرة ونحن كحزب يدنا ممدودة للحكومة الانتقالية للمشاركة بذلك. ويجب على المجتمع الدولي أن يدرك هذا الترابط وأن يتبنى نهجاً شاملاً لدعم تعافي سوريا.
رؤية لإعادة تشكيل سوريا: نحو السلام المستدام
بناء نظام حكم شامل:
يجب إرساء نظام سياسي يضمن مشاركة حقيقية لجميع مكونات المجتمع (الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني). ويتطلب ذلك تجاوز التمثيل السطحي.
يجب مواصلة الحوار الوطني بشأن القضايا الأساسية مثل العدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري، وهيكل الدولة، والنظام السياسي، والعلاقات الخارجية. يجب أن تكون هذه الحوارات شاملة وتمثل حقاً النسيج المتنوع لسوريا، وتتجاوز الشكل الحالي الذي يراه البعض ذا تمثيل رمزي.
يجب معاملة جميع السوريين كمواطنين أفراد، وليس كأعضاء في جماعات دينية أو عرقية، وترسيخ الخطاب الوطني في مفهوم المواطنة. ويؤيد الرأي العام السوري أطر عمل تستند إلى التمثيل المدني والمواطنة.
يجب تمكين المجتمع المدني من لعب دور بنّاء في الانتقال السياسي وعمليات صنع القرار. ويشمل ذلك الاستفادة من خبرات الفاعلين المدنيين السوريين في المنفى.
يجب ضمان حماية حقوق الأقليات وأن تشعر جميع المجتمعات بالتمثيل والأمان في سوريا الجديدة.
تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية:
يجب البدء في عملية عدالة انتقالية شفافة وموثوقة يدعمها المجتمع الدولي. يجب أن تتضمن هذه العملية آليات تنفيذ محددة جيداً تتماشى مع المعايير القانونية الدولية وتستند إلى مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، وتجنب الوقوع في فخ مجرد استنساخ النماذج الخارجية.
يجب معالجة المظالم الماضية، وضمان محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وتقديم تعويضات للضحايا. ويشمل ذلك محاسبة كبار قادة نظام الأسد.
يجب إنشاء آليات لتقصي الحقائق والمصالحة وشفاء الجروح التي سببتها عقود من الصراع والقمع، مع مراعاة السياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي الفريد لسوريا.
يجب تحديد مصير الأفراد المختفين قسراً ودعم أسرهم. وتعتبر هذه القضية الأكثر إيلاماً وإلحاحاً.
يجب الحفاظ على أدلة الفظائع لدعم جهود المساءلة المستقبلية، بما في ذلك تأمين مراكز الاحتجاز والمقابر الجماعية.
يجب أن تكون العدالة الانتقالية في سوريا خاصة بالسياق ومتجذرة في تطلعات السوريين، وخاصة الناجين من العنف. وقد يؤدي فرض نماذج خارجية دون مراعاة السياق الاجتماعي والسياسي الفريد لسوريا إلى تفاقم الانقسامات القائمة. يجب أن ينصب التركيز على تمكين الفاعلين المحليين وضمان مشاركة الضحايا في العملية. ففاعلية آليات العدالة الانتقالية تعتمد بشكل كبير على شرعيتها وقبولها داخل المجتمع المتضرر. ويتطلب تاريخ سوريا من الصراع والطائفية والحكم الاستبدادي اتباع نهج مصمم خصيصاً يأخذ في الاعتبار الاحتياجات المحددة والفروق الثقافية الدقيقة للشعب السوري. ويتطلب ذلك إشراك مجموعة واسعة من الفاعلين السوريين، بمن فيهم الضحايا ومنظمات المجتمع المدني والخبراء القانونيون، في تصميم وتنفيذ عمليات العدالة. ومن الأهمية بمكان التعلم من الأمثلة الفاشلة مثل اجتثاث البعث في العراق لتجنب تكرار أخطاء الماضي.
إصلاح القطاع الأمني وتوحيد القوات المسلحة:
يجب نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة ودمج المقاتلين السابقين في جيش وطني واحد تحت سيطرة الحكومة الانتقالية. ويشمل ذلك تفكيك الهياكل العسكرية الموازية.
يجب إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية لمنع تكرار الانتهاكات الماضية وضمان حيادها ومهنيتها، مع إعطاء الأولوية لحماية المواطنين بدلاً من الدولة.
يجب وضع خطوط واضحة للسلطة والمساءلة داخل قوات الأمن.
يجب دمج قوات سوريا الديمقراطية كأفراد في مؤسسات الدولة السورية المشكلة حديثاً مع جدول زمني واضح للتنفيذ، مع معالجة المخاوف بشأن الحكم الذاتي المحلي وضمان احترام حرياتهم. وقد وافقت قوات سوريا الديمقراطية على ذلك من حيث المبدأ لكن الاختلاف عن أسلوب الدمج (ككتلة / أفراد).
إن دمج الجماعات المسلحة المتنوعة، وخاصة قوات سوريا الديمقراطية، في جيش وطني موحد أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل ولكنه يمثل تحديات كبيرة بسبب اختلاف الأيديولوجيات والولاءات ومستويات الثقة. ومن الضروري اتباع عملية مُدارة بعناية مع ضمانات واضحة لجميع الأطراف لتجنب المزيد من الصراع. فوجود فصائل مسلحة متعددة بأجندات متباينة يشكل تهديداً كبيراً لوحدة سوريا واستقرارها. ويتطلب دمج هذه الجماعات في جيش وطني واحد بناء الثقة بينها. يجب أن تعالج هذه العملية قضايا مثل القيادة والسيطرة، والتمثيل العادل، وضمانات حقوق وأمن جميع الأعضاء، بمن فيهم أولئك القادمون من مناطق تتمتع بحكم ذاتي سابق. ويقدم استعداد قوات سوريا الديمقراطية للسماح لدمشق بالسيطرة على المعابر الحدودية ومعارضة تقسيم سوريا أساساً للتفاوض، ولكن يجب معالجة مطالبهم ببعض الحكم الذاتي المحلي في الشؤون الإدارية مثلاً.
دور المجتمع المدني في بناء السلام:
يجب تزويد منظمات المجتمع المدني بالمساحة اللازمة للعمل بحرية والمساهمة في مبادرات بناء السلام. ويشمل ذلك دعم دورها في مراقبة السلطات وضمان المساءلة.
يجب دعم مبادرات بناء السلام المحلية وتعزيز الحوار على مستوى المجتمع. كما أن إشراك المثقفين في جهود المصالحة المحلية أمر بالغ الأهمية.
يجب تمكين النساء والشباب من لعب أدوار نشطة في جهود بناء السلام والمصالحة. فمشاركة المرأة حيوية في حل الأزمة وضمان تلبية مصالحهن.
يجب الاستفادة من خبرات منظمات المجتمع المدني السورية في تصميم وتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية والمصالحة. فإرشاداتهم ضرورية لمواءمة هذه العمليات مع الحقائق الاجتماعية والثقافية والسياسية لسوريا.
تمتلك منظمات المجتمع المدني السورية والأحزاب السياسية، التي عملت في ظل ظروف بالغة الصعوبة لسنوات، خبرة وتقديراً لا يقدران بثمن للديناميكيات المحلية. فمشاركتها النشطة ضرورية لبناء سلام مستدام من القاعدة إلى القمة وضمان أن تكون جهود بناء السلام ذات صلة ومستجيبة لاحتياجات المجتمعات السورية. يجب أن يركز الدعم الدولي على الأصوات المحلية وأن يستهدف المنظمات السورية المحلية. لقد لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً حيوياً في تقديم المساعدة الإنسانية، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والدعوة إلى التغيير السياسي خلال الصراع السوري. إن فهمهم العميق للسياقات المحلية، وشبكاتهم الراسخة داخل المجتمعات، والتزامهم برفاه الشعب السوري يجعلهم شركاء أساسيين في عملية بناء السلام. وسيكون تمكين ودعم هذه المنظمات من خلال الوسائل المالية والسياسية أمراً بالغ الأهمية لتعزيز الحوار، وتعزيز المصالحة، وضمان أن تكون جهود السلام شاملة وقائمة على قيادة سورية ومستدامة.
رؤية لتحقيق الازدهار الاقتصادي في سوريا ما بعد الأسد
رفع العقوبات وتسهيل الاستثمار الأجنبي:
يجب الدعوة إلى الرفع والغير مشروط للعقوبات الدولية للسماح بالانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار. وينبغي يرافق ذلك إحراز تقدم ملموس في الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان. وقد خففت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بالفعل بعض العقوبات.
يجب تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي من خلال ضمان الحماية القانونية للمستثمرين، وتبسيط العمليات البيروقراطية، وضمان الاستقرار في الأنظمة المالية. ويشمل ذلك معالجة الفساد وتعزيز نظام السوق الحرة.
يجب طمأنة الأطراف الدولية الفاعلة بشأن التزام الحكومة الجديدة بالشفافية والمساءلة في الشؤون الاقتصادية. وقد أعربت الحكومة الجديدة عن نيتها تبني اقتصاد السوق الحرة.
إن إزالة العقوبات أمر بالغ الأهمية للانتعاش الاقتصادي، فإنه ينبغي تنفيذه بشكل استراتيجي لتحفيز النمو الاقتصادي تحت إشراف الحكومة الجديدة ومنع عودة الفساد وسوء الإدارة اللذين ابتلي بهما نظام الأسد.
إعادة بناء البنية التحتية الحيوية:
يجب إعطاء الأولوية لإعادة تأهيل وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات الطاقة والمياه والنقل والاتصالات. ويتراوح التقدير للتكلفة بين 250 مليار دولار و400 مليار دولار.
يجب التركيز على المشاريع التي تخلق فرص عمل وتحفز الاقتصادات المحلية. ويشمل ذلك دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
يجب السعي للحصول على المساعدة والاستثمار الدوليين في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق. ويمكن استكشاف الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
يتطلب الحجم الهائل للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خطة إعادة بناء منسقة ومحددة الأولويات بشكل جيد. وسيكون التركيز على المشاريع التي لها أكبر تأثير مباشر على حياة الناس والاقتصاد، مثل استعادة إمدادات الكهرباء والمياه، أمراً بالغ الأهمية لبناء ثقة الجمهور وإرساء الأساس لتعافٍ أوسع. ويمكن أن يؤدي إشراك القطاع العام إلى إضفاء الديمقراطية على الوصول إلى البنية التحتية الحيوية. لقد أدت سنوات الصراع إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية لسوريا، مما أعاق الخدمات الأساسية والنشاط الاقتصادي. وينبغي لخطة إعادة بناء استراتيجية أن تعطي الأولوية للبنية التحتية الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للسوريين وتدعم النمو الاقتصادي. ويشمل ذلك استعادة شبكات الكهرباء وأنظمة المياه وشبكات النقل والبنية التحتية للاتصالات. ونظراً للموارد المالية المحدودة، ستحتاج الحكومة الجديدة إلى السعي للحصول على مساعدة دولية كبيرة واستكشاف آليات تمويل مبتكرة، مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
تنشيط القطاعات الرئيسية للاقتصاد:
يجب دعم تعافي القطاع الزراعي، الذي لا يزال مصدراً رئيسياً للدخل لجزء كبير من السكان. ويتطلب ذلك إعادة بناء النظم الزراعية ودعم المزارعين.
يجب تنشيط القطاعات الصناعية والإنتاجية من خلال تقديم الدعم للمؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة وجذب الاستثمار. ويمكن أن يؤدي إدماج التطورات التكنولوجية إلى تسريع هذه العملية.
يجب تطوير قطاع السياحة، والاستفادة من التراث الثقافي والتاريخي الغني لسوريا.
يجب استعادة السيطرة على الموارد الطبيعية، وخاصة حقول النفط والغاز، لتمويل جهود إعادة الإعمار. وقد أعربت تركيا أيضاً عن اهتمامها بموارد الطاقة السورية.
تمتلك سوريا إمكانات اقتصادية كبيرة في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الزراعة والصناعة والسياحة. ويمكن لاستراتيجية مركزة توفر الدعم والاستثمار المستهدفين لهذه القطاعات أن تخلق فرص عمل وتعزز النمو الاقتصادي وتحسن سبل عيش السوريين. ويمكن أن يوفر إحياء المحركات المحلية للنمو، وخاصة الزراعة، بعض الأمن. على الرغم من الدمار الذي خلفه الصراع، فإن سوريا لديها نقاط قوة اقتصادية كامنة يمكن الاستفادة منها في التعافي. وقد كانت الزراعة تاريخياً مساهماً رئيسياً في الاقتصاد ومصدراً لرزق جزء كبير من السكان. ولا يزال القطاع الصناعي، على الرغم من الأضرار التي لحقت به، يحتفظ بإمكانية الإنعاش، لا سيما من خلال دعم المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة. بالإضافة إلى ذلك، يوفر تاريخ سوريا الغني وتراثها الثقافي فرصاً لتطوير صناعة سياحية مزدهرة. وستكون الاستثمارات والسياسات الاستراتيجية التي تهدف إلى تنشيط هذه القطاعات الرئيسية، بما في ذلك تسهيل الوصول إلى الأسواق الدولية، ضرورية لتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام.
تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة:
يجب معالجة الفساد وتفكيك شبكات المحسوبية التي ازدهرت في عهد نظام الأسد. ويشمل ذلك إصلاح مؤسسات الدولة.
يجب تعزيز الشفافية والمساءلة في المالية العامة والحوكمة الاقتصادية. وهناك حاجة إلى عمليات تدقيق وإصلاحات مؤسسية.
يجب تطبيق نظام ضريبي عادل وفعال. ويجب التخطيط لإصلاح شامل للنظام الضريبي.
يجب إصلاح إجراءات الجمارك لتسهيل التجارة الدولية.
كان الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية المتأصلين من العوامل الهامة التي ساهمت في عدم استقرار سوريا قبل الحرب وتفاقمت بسبب الصراع. ويعد تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة تعطي الأولوية للشفافية والمساءلة وسيادة القانون أمراً ضرورياً لبناء اقتصاد مستدام وعادل يفيد جميع السوريين. ويشمل ذلك تفكيك أسس نظام الأسد الكليبتوقراطي. لقد اتسمت السياسات الاقتصادية لنظام الأسد بفساد مستشرٍ، ومحاباة المقربين، وعدم شفافية، مما أعاق التنمية الاقتصادية وأجج السخط الشعبي. ولتحقيق ازدهار اقتصادي حقيقي في مرحلة ما بعد الأسد، من الضروري معالجة هذه القضايا المنهجية من خلال إصلاحات شاملة. ويشمل ذلك إنشاء مؤسسات قوية تعزز الشفافية والمساءلة في المالية العامة، وتطبيق نظام ضريبي عادل وفعال، وتبسيط اللوائح التجارية، وتعزيز تكافؤ الفرص لجميع الفاعلين الاقتصاديين. ويمكن أن يوفر التعلم من تجارب دول أوروبا الشرقية التي انتقلت إلى اقتصاد السوق الحرة رؤى قيمة.