يأتي العيد ليذكر الناس بأفراح أسعدتهم: نجاح ابن أو ابنة، ولادة حفيد، عودة مسافر، حفل زواج لقريب أو صديق، وبعضهم بأتراح أحزنتهم: فقدُ عزيز غالٍ، أب، أمّ، قريب، صديق، لكننا في السنوات الأخيرة لم نعش فرحاً، ولم نعرف مناسبة تسر، عشنا كمداً، وشفنا عجباً، يأتي العيد ليزيد المحزون حزناً، والمهموم هماً، والثكالى والأرامل ألماً وحسرة، قال الشاعر الشعبي المرحوم عبد الكريم رباح معبراً عمّا يجيش بنفسه في مطلوع العيد:
يا عيد يا مفطّن على المحزون
يا مزوّد العلّة ألم وغبون
بِمجيتك جبت الحزن عالناس
وقديش ترشح دم بعض عيون
تراكمت الهموم على النفوس، وارتحلت الفرحة عن القلوب، وغابت البسمة ولم تعرف كيف ترتسم على الشفاه. شبابنا بين مهاجر، ومُهجّر، ومشرد، ولاجئ. البلاد طاردة للأحباب، وأي أمنية أعز على الوالدين وأغلى من رؤية فلذات أكبادهم مشتتين في بلاد الاغتراب، لا تراهم العيون، ولا تضمهم الأحضان، ولا تتنسم ريحهم الأنوف، ولا تسمع صوتهم الآذان، فهل هناك ضنك وسوء بعد هذا السوء؟!.
الوطن ليس حفنة تراب، الوطن بناسه، بأهله، بعلاقات المحبة والألفة، بالسواعد التي تبني، والأفكار التي تخطط لرقيه، وتقدمه، ورفعته بين الأمم، بعيش كريم لأبنائه لا ببنية تحتية مدمرة. الكهرباء، والماء، والمحروقات بالقطارة. غلاء فاحش لا يبقي مدّخراً، وأمن مفقود، وإنسان منتهك الحقوق قلقٌ لا يعرف متى يُسرق بيته، أو تُنهب سيارته، أو يُخطف، أو يُقتل على أيدي مجهولين!. أين العيد؟ وأين فرحة العيد؟! صارت نسياً منسياً، لا تجول بخاطر، ولا تزور في الأحلام، خيم الحزن على النفوس وأشاد أبراجاً، وكتب على مداخلها “ممنوع دخول الفرح”، وأقام عليها حراساً، فمتى تنقشع غيوم الحزن، وتصفو السماء، وتخضر الأرض ليأتي العيد مكللاً بالغار، ويرفل بثوب أبيض، ويحمل للناس ملء يديه أزهير الفرح؟.
مازلنا نتفاءل..