fbpx

عام الهزائم المتسلسلة لنظام ولاية الفقيه

0 50

مع حلول العام الإيراني الجديد (1404) من يوم 21 مارس2025 ، تقف إيران من جديد على أعتاب ربيع مختلف، لا يبشر فقط بتفتح الطبيعة بل يوقظ في قلوب الإيرانيين آمال التغيير والتحرر من سنوات مثقلة بالأزمات. لقد كان عام ۱۴۰۳ عاماً مليئاً بالضربات القاسية لنظام ولاية الفقيه؛ من نفوق إبراهيم رئيسي المفاجئ، إلى فشل خامنئي في عروضه الانتخابية، وصولاً إلى ارتداد نيران الحروب الإقليمية على جسد نظامه الهرم.

تعمق الشرخ بين النظام والشعب

دخل العام الماضي في ظل استمرار تأثير انتفاضات عام 2022، التي هزت أركان نظام الملالي بشعارات الحرية والعدالة.

منذ عام 2017، حاول خامنئي من خلال «بيان الخطوة الثانية للثورة» إطلاق مشروع «توحيد الصفوف» و«تطهير النظام»، الذي تمثّل في إقصاء المعارضين وتعزيز العناصر الموالية. انتخابات البرلمان في 2019 و2023، والانتخابات الرئاسية، وأخيراً انتخابات مجلس الخبراء والجولة الثانية لمجلس الشورى في ربيع الماضي، كانت أدوات لهذا المشروع.

لكن تلك الخطة فشلت، ومع انتفاضة نوفمبر 2019، اتسعت الهوة بين الشعب والنظام. وفي 27 نوفمبر 2019، غيّر خامنئي تعريفه لـ«المستضعفين»، معيداً صياغة المفهوم ليعني «قادة البشرية المستقبليين»، في محاولة لإضفاء الشرعية على القمع وإظهار قوات البسيج كأنها طبقة الشعب المخلصة. غير أن الوقائع أثبتت أن الفقراء والمهمشين، الذين ادعى النظام تمثيلهم، باتوا في طليعة من يسعون لإسقاطه.

فشل مشروع التطهير ومقاطعة الانتخابات

تجلّى فشل سياسة «التطهير» بوضوح في انتخابات 1 مارس 2024، والتي قوبلت بمقاطعة شعبية واسعة، ما حوّلها إلى أضعف عروض النظام الانتخابية. وفي الجولة الثانية بتاريخ 10 مايو 2024، لم تتجاوز نسبة المشاركة في طهران ۷٪، حتى وفقاً للأرقام الرسمية التي غالباً ما تُضخَّم. هذا الرفض الشعبي عكس حالة انعدام الثقة التامة في النظام، وكشف أيضاً تصدع جبهته الداخلية، حيث تصاعد الصراع بين «جبهة الصمود» بزعامة صادق محصولي وسعيد جليلي، و«معسكر العسكريين» بقيادة قالیباف.

مقتل رئيسي وضربة لمشروع ولاية الفقيه

من أبرز أحداث العام كان مصرع إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، ما مثّل صفعة قاسية لمشروع خامنئي في توحيد أركان النظام. الانتخابات الرئاسية التي أعقبت الحادث، ورغم إجرائها على مرحلتين، سجلت نسبة مشاركة لم تتجاوز ۴۰٪ (بحسب الأرقام الرسمية). المفارقة أن خامنئي كان قد وصف سابقاً هذه النسبة في بلدان أخرى بـ«العار»، لكنه وجد نفسه مضطراً لتقبلها.

تولي بزشکيان للرئاسة؛ لا جديد في النظام

في 21 أغسطس 2024، تولّى مسعود بزشکيان منصب الرئاسة بموافقة صريحة من خامنئي. بزشکيان لم يُخفِ ولاءه الكامل للمرشد، وأعلن أن هدفه هو تنفيذ سياسات ولاية الفقيه. تشكيلة حكومته، التي جمعت بين عناصر من حكومتي رئيسي وروحاني، أظهرت استمرار النهج القديم. إسماعيل خطيب في وزارة المخابرات، عباس عراقجي في الخارجية، وعزيز نصيرزاده في الدفاع، جميعهم من رموز القمع والتوسع والتسلح النووي.

رئيسة جمهورية المقاومة السيدة مريم رجوي أكدت أن تعيين بزشکيان لا يغيّر شيئاً من طبيعة النظام، وأنه مجرد منفذ لأوامر خامنئي. وقد أظهر الشعب الإيراني بمقاطعته للانتخابات واستمرار احتجاجاته أن مطلبه ليس إصلاح النظام، بل إسقاطه بالكامل.

إشعال الحروب الإقليمية كاستراتيجية للهروب

سعى خامنئي في العام الماضي إلى تصدير أزماته الداخلية نحو الخارج عبر الحرب في غزة، عبر دعم الفصائل التابعة له بالأسلحة والصواريخ والطائرات المسيّرة. هدفه كان تفريغ الغضب الشعبي داخلياً، وعرقلة اتفاقيات السلام في المنطقة، وتعزيز هيمنة النظام. لكن الردود القوية من الولايات المتحدة وبريطانيا، عبر غارات على مواقع النظام وميليشياته في العراق واليمن وسوريا، عرّت فشل تلك السياسة.

ضربة كبرى كانت في 31 يوليو 2024عندما اغتيل إسماعيل هنية في طهران، ما كشف الاختراق الأمني الخطير وفشل استراتيجية الحرب بالوكالة. وبعدها، تلقّى النظام ضربة موجعة أخرى مع مقتل حسن نصرالله في 28 سبتمبر 2024، ما أضعف موقعه في لبنان.

سقوط بشار الأسد وزلزال استراتيجي للنظام

في دسمبر الماضي، سقط النظام السوري بقيادة بشار الأسد، الحليف الرئيسي لنظام طهران. هذا الحدث مثّل زلزالاً استراتيجياً، حيث فقد النظام الإيراني ركيزة رئيسية من «عمقه الاستراتيجي» الممتد لعقود. ردود فعل مسؤولين كأحمد خاتمي كشفت عن الذعر والارتباك، حيث حثّ الميليشيات على «عدم الانخداع بوعود أمريكا»، كما حاول نفي فكرة انهيار «جبهة المقاومة».

بداية انهيار العمق الاستراتيجي

مع سقوط الأسد، بدأ انهيار الدومينو لحلفاء النظام. الحشد الشعبي في العراق، الذي تأسس على غرار البسيج، يواجه الآن ضغوطاً من الداخل والخارج. فشل النظام في دعم الأسد كشف هشاشة هذه الميليشيات. ومع حظر الطيران بين طهران وبيروت، ومنع إرسال الأموال والأسلحة إلى حزب الله، انكشفت عزلة النظام أكثر. حتى محاولة حزب الله لقطع الطرق المؤدية لمطار بيروت باءت بالفشل أمام تدخل الجيش اللبناني.

التصعيد في الإعدامات والقمع الداخلي

في موازاة الحروب، صعّد النظام من وتيرة القمع والإعدامات في الداخل، في محاولة لإخماد نار الانتفاضة. وقد سجل العام الماضي عدداً قياسياً في تنفيذ أحكام الإعدام. محاولات اغتيال المعارضين في الخارج، مثل محاولة قتل ويدال كوادراس في مدريد، ومحاكمات غيابية لأعضاء المعارضة، كانت من مظاهر يأس النظام.

الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الكامل

شهد الاقتصاد الإيراني انهياراً شاملاً. ارتفع سعر الدولار بشكل غير مسبوق، ليلامس حدود ۹۸ ألف تومان في الأيام الأخيرة من العام، فيما توقع بعض الخبراء تخطيه حاجز ۹۵ ألف تومان قبل نهاية العام. وقالت مواقع اقتصادية إن العوامل السياسية لعبت دوراً كبيراً في هذا الانفلات.

تلاشت مقومات المعيشة: لا لحم، لا ألبان، لا زيت، ولا حتى ضروريات الحياة البسيطة. سُحقت موائد الفقراء. ووُصفت الأوضاع الاقتصادية بأنها “أزمة شاملة” تشمل: التضخم، انهيار العملة، البطالة، انخفاض الأجور، شحّ المياه والكهرباء والغاز، حرائق الغابات، تفشي الفساد، الفقر المدقع، التشرد، الإدمان، الدعارة، والانتحار. بينما تُنفق ثروات البلاد على القمع، تصدير الإرهاب، والمشاريع النووية، تُنهب الموارد الباقية من قبل قادة النظام.

نوروز؛ بداية فصل جديد

لقد مثّل العام الماضي ذروة فشل نظام ولاية الفقيه: من مقتل رئيسي، وفشل مشروع التطهير، إلى تراجع نفوذه الإقليمي، وازدياد العزلة الدولية، وتفاقم السخط الشعبي. في المقابل، حققت المقاومة الإيرانية مكاسب بارزة على الصعيد الدولي، وتصاعد نشاط وحدات الانتفاضة، ومقاطعة جماهيرية للانتخابات.

إن نوروز لا يُمثل مجرد بداية عام جديد، بل انطلاقة لمرحلة جديدة من النضال ضد ولاية الفقيه، حيث بات مطلب إسقاط النظام هو الهدف الحاسم للشعب والمقاومة، وليس الإصلاح أو العودة إلى نظام الشاه السابق.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني