fbpx

ظاهرة التسول آفة اجتماعية أنتجتها الحرب ودعمها انهيار الاقتصاد

0 208

انعكاسات الحرب كثيرة على الأرض، والتصدعات التي أصابت المجتمع السوري كبيرة على الصعيد الاقتصادي والإنساني والأخلاقي، والآفات الاجتماعية التي نشأت وكبرت وترعرعت وصعب السيطرة عليها كثيرة ومتشعبة، ومن أبشع تلك الظواهر ظاهرة التسول، فما إن تطأ قدمك أرض سوريا، سواء كان عن طريق المطار أو أي منفذ حدودي حتى يتجمع حولك العديد من الأطفال والنسوة طالبين منك تقديم صدقة أو مساعدة أو ما يسموه حلوان وصولك بالسلامة الى أرض الوطن، أما في وسط العاصمة وخاصة منطقة المرجة فتجد الساحة تعج بالعشرات من الأطفال الصغار الذين لم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم يبدؤون باستجدائك بطريقة غريبة وكأن أحدهم قام بتلقينهم ما يقولون وبأدعية كثيرة لك ولعائلتك، وقد قمت بالحديث مع أحد الأطفال ويدعى أحمد وهو طفل من الحسكة نزح إلى دمشق بعد سيطرة تنظيم الدولة على منطقتهم برفقة والده وزوجتيه وشقيقاته الثلاث وقد أخبرنا أنه بحلول المساء يفترش هذه الأرض في حديقة المرجة وينام عليها، ووالده وزوجتاه ينامون بقربهم، بعد أن قام صاحب الفندق الذي كانوا يقيمون فيه بطردهم بسبب عدم قدرتهم على دفع أجرة الغرفة، وأنه يقوم بالتسول هو و شقيقاته وأمه لتأمين المال للعودة للفندق ولكي يستطيعوا شراء طعام، وبعدها بدأ الطفل بالبكاء قائلاً: إنه لا يحب النوم في الشارع ولا يرغب بقضاء حياته مستجدياً الناس على قارعة الطريق وأنه يتمنى أن يذهب إلى المدرسة مثل بقية أقرانه.

أما في المدينة القديمة فالوضع أكثر كارثية، فهناك يأتي بعض السائحين إذا اعتبرنا الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والروس كذلك، فتبدو مغرية أكثر للتسول وخصوصاً كونها سوق كبيرة ففي مدخل السوق تجد شاباً يفترش الأرض يعاني من إعاقة ذهنية، ويضع سيخاً حديدياً في ساقه يظهر من تحت الجلد يبدأ بالصراخ والدعاء وطلب المساعدة المالية وقد أصبح هذا الشاب نقطة علام في سوق الحميدية، وبعد عدة أمتار يسارع إليك أطفال طلباً لثمن الطعام لهم ولأهلهم، وقد تأتيك امرأة تحمل بيدها وصفة طبيب طلباً لثمن دواء أو علاج، والأكثر إيلاماً ووجعاً هن النساء اللواتي ينزلن للتسول برفقة أطفالٍ رضع أعمارهم ربما أقل من ستة شهور تراهم يجوبون بهم الشوارع في برد قارص أو تحت حر شمس لا تطاق وهم يطلبن حسنة لهؤلاء الرضّع أو ثمن علبة حليب لأنهن لا يجدن ما يطعمنهم إياه، وقد أصبح تسول السيدات وخاصة الشابات منهن ظاهرة منتشرة نظراً لفقدان أزواجهن أو معيليهن، إما مقتول في الحرب أو مفقود ضمن قائمة لا تنتهي من المفقودين

وقد أخبرنا أبو الوليد وهو أحد أصحاب المحلات هناك أن هؤلاء عبارة عن عائلات يأتون صباحاً ويقومون بتوزيع المناطق والأزقة فيما بينهم بل وحتى يقومون بتدريب الأطفال وتعليمهم ماذا يقولون وماذا يفعلون وقد يصل بهم الاستجداء إلى تقبيل الأقدام، وأخبرنا أيضاً أن الموضوع تحول إلى مهنة وتجارة وأن التسول مصدر رزق لا يستهان به خاصة إذا كان لدى المتسول عائلة كبيرة. فقد أصبح التسول مهنة في ظل ارتفاع نسبة البطالة في سوريا والفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر السورية والغلاء الفاحش للمواد الأساسية.

 وعند إشارات المرور وخاصة في الشوارع الرئيسية يتجمع كبار السن وعند توقف السيارة يبدؤون بطلب مساعدة من السائقين المتوقفين عند إشارة المرور.

وهناك أيضا الشبان الذين تعرضوا للإعاقة بسبب الحرب أو فقدوا أحد أعضائهم تجدهم يجلسون على قارعة الطريق ويحملون ورقة توضح سبب الإعاقة وكلفة الجهاز التعويضي ويطلبون أي مبلغ لتخفيف عبء التكاليف.

وفي عام 2019 أقر مجلس الشعب قانوناً يسمح بفرض عقوبة قد تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة على من يمتهن التسول وبغرامة تتراوح من 50 الى 100 ألف ليرة سورية، لكل من يجبر قاصر أو صاحب إعاقة على التسول، لكن وبرغم كل تلك الإجراءات يلاحظ المراقب أن الظاهرة آخذة بالازدياد بسبب انهيار الوضع الاقتصادي وغياب أي دعم من الدولة للمواطنين الذين دُفع بهم إلى هذا الحال السيء، فالخلاص من التسول يبدأ بزوال آثار الحرب ونهوض البلد اقتصادياً وتوفر سوق عمل للشباب ودعم المشاريع الصغيرة وتأمين حياة كريمة للمواطنين فلا يوجد إنسان عاقل يسعى ليكون متسولاً لكن يوجد دول عاجزة تدفع بمواطنيها للتسول.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني