fbpx

طوفان الأقصى سَيُغرق إيران وإسرائيل وسينجو قارب القضية الفلسطينية

0 2٬531

لم يجد مشروع ولاية الفقيه الإيراني الذي أرسى دعائمه آية الله الخميني وتمكّن من الوصول للسلطة بعد إقصاء كل القوى الإيرانية التي شاركت في الثورة ضد الشاه، أفضل من المتاجرة والتستر بشعارات تحرير فلسطين والأقصى واستغلال الرمزية الدينية وما تلقاه من أثر كبير لدى الشعوب العربية والإسلامية.

ووعى نظام ولاية الفقيه أنّ التقية أو الخداع الاستراتيجي لمشروعه الحقيقي وسهولة التحشيد له والحشد خلفه يتطلب شعارات الموت لأمريكا وتحرير المقدسات الإسلامية المغتصبة من دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وكانت أولى أعماله هي تحويل سفارة إسرائيل في طهران إلى سفارة دولة فلسطين وسجل التاريخ مشاهد الاحتفال بافتتاح السفارة بحضور رمز المقاومة الفلسطينية المرحوم ياسر عرفات ولاقى ذلك العمل استحساناً وتأييداً من الشعوب العربية والإسلامية واعتبر الكثيرون أنّ الثورة الإيرانية ستكون خير نصير للكفاح العربي ضد العدو الإسرائيلي بعد إسقاط الشاه الإيراني الصديق الوفي لإسرائيل.

كان الخطاب الطائفي والمظلومية التاريخية للحاضنة الشيعية هو الأساس في بنية المشروع المذهبي الفارسي ولكن لكي يّقدّم أهدافاً عليا لتلك الحاضنة الصلبة (أو التي لا تلقي بالاً لهذا النوع من الخطاب) كان لابدّ من خطاب عصري عاطفي تعبوي يَضمّ العرب من غير الشيعة وكل المؤمنين بقضايا التحرر للشعوب من نير الاستعمار مهما كان دينهم أو عرقهم أو معتقدهم السياسي.

كانت أولى المراحل العملية لتنفيذ الهلال الشيعي على الأرض تصطدم بعراق صدام حسين العربي، فتمّ إطلاق الشعارات لتبرير الحرب الأولى على العراق بأنّ طريق القدس يمرّ من بغداد.

لا أنكر أنّ تخادماً عملياً تمّ على الأرض بين المشروع الإيراني في المنطقة والمشاريع الأمريكية والإسرائيلية، حيث وجدت دولة الاحتلال الإسرائيلي أنّ مشروع ولاية الفقيه سيجسّد عملياً نظرية بن غوريون التي تقول إنّه لضمان أمن وتفوّق إسرائيل على محيطها العربي السني لابد من إضعاف ذلك المحيط، وبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في نفس العام الذي وصل فيه الخميني للسلطة في طهران حيث خرجت مصر من دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي وسارت في اتجاه اختطته لنفسها باستعادة أراضيها المحتلة (شبه جزيرة سيناء)، وبناء سلام صوري مع دولة الاحتلال.

كان مشروع ولاية الفقيه وتمدّده هو الكفيل بإضعاف المشرق العربي المعادي لإسرائيل بتحطيم تلك الدول والسيطرة عليها، وكإحدى نتائج ذلك المشروع اكتشاف العرب السنة أنّ عدوهم الرئيسي هو إيران وليس إسرائيل وهذا ما حدث بعد ما مارسته إيران في العراق بعد الغزو الأمريكي له، وما ظهر جلياً وبوضوح شديد بعد ثورات الربيع العربي وما تلاها من تمدد الحرس الثوري الإيراني لإحكام السيطرة على العواصم العربية الأربع مع غزة.

بينما كان الهدف الرئيسي للتخادم الأمريكي مع منظومة ولاية الفقيه في هذا المشروع المُدمّر إضعاف العرب السنة الذين يُشكّلون الحاضنة الاجتماعية والفكرية للجهادية الإسلامية السنية، التي ضربت واشنطن ونيويورك عام 2001 وبالتالي إدخالهم في حروب وصراعات مع الجهادية الشيعية، تجعلهم عاجزين عن القيام بأي عمل خارجي واستنزاف قدرات الفريقين في المنطقة وتجذير حالة العداء بين الشيعة والسنة وإخراجها من التاريخ إلى الحاضر، وهو ما حدث فعلاً.

لا يمكن للمشروع المذهبي والقومي الفارسي أن يتقاطع مع اي مشروع آخر بل ممكن أن يلتقي معه بأوقات معينة وأماكن محددة، لكن لا يمكنه أن يتحالف او حتى يتعايش مع أي مشروع آخر.

وتتحمل دولة الاحتلال مسؤولية كبيرة فيما وصلت إليه حركة حماس من قوة.

فبعد تجاوز المقاومة الفلسطينية لحظات الانكسار كلها وعدم تحويلها لحالة من العجز واليأس.

كان اتفاق أوسلو 1993 مع منظمة التحرير بقيادة حركة فتح جاء تثميراً (ولو بالحد الأدنى) للانتفاضة الفلسطينية السلمية والتي أجبرت إسرائيل على مسار يضمن الحقوق الفلسطينية على 11% من أراضي فلسطين التاريخية وفق حل الدولتين المفترض بعد 5 سنوات من توقيع أوسلو.

حتى تلك الاتفاقية أرادت دولة الاحتلال عدم تطبيقها (ولا زالت معطلة) وتحويل المؤقت إلى مُؤبّد كعادتها.

عملت دولة الاحتلال على توظيف مشروع حركة حماس لخدمة أجنداتها بتضييع حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وذلك عبر عدم محاربتها باكراً أو تمكين حركة فتح منها، وكان الهدف خلق ثنائية صفرية فلسطينية تتجسّد بمشروعين لا يمكن أن يلتقيا وهما مشروع حركة فتح ومشروع حركة حماس، وتشتيت الانتباه الدولي عن عدم وجود قيادة فلسطينية واحدة يمكن التفاوض معها.

وبالطبع بنية حركة حماس الإسلامية لا يدعها شريك للمجتمع الدولي بأي حل سياسي فهي لا تعترف بقرارات الأمم المتحدة وتعلن أنّ أرض فلسطين التاريخية من البحر الى النهر ولا تعترف بدولة اسمها إسرائيل بالأصل.

وحركة حماس غير مؤهلة لامتلاكها بُعداً رسمياً عربياً ولا يمكن أن تدعمها الدول العربية باعتبارها أحد فروع تنظيم دولي يسبب صداعا لكثير من الدول العربية بل يعتبر بعضهم حركة حماس رأس الرمح أو الرافعة لمشروع الإخوان المسلمين في المنطقة.

وكانت السلطة الفلسطينية تشيخ وتهرم بهرم قائدها أبو مازن وكل قيادة فتح وانفضاض الجمهور عنها وعدم امتلاكها للشارع الشعبي، كان هذا ما تريده إسرائيل تمويت القضية الفلسطينية سياسياً وحقوقياً.

واستغل الحرس الثوري الإيراني سيطرة حماس على قطاع غزة ولأنها معزولة عربياً فكان الارتماء بالحضن الإيراني خياراً مقبولاً لحماس وإستراتيجياً للحرس الثوري.

حيث سيؤدي ذلك التعاون (الذي انتقل إلى التحالف لاحقاً) ضرب للمشروع الأمريكي القاضي بافتعال معارك ذي قار وقادسية دائمة بين السنة والشيعة لإنهاك بعضهما، فإنّ حماس (العربية السنية) مَكّنت نظام الولي الفقيه من تقديم تحالف سني شيعي جهادي بوجه الغرب متوافق بالأهداف الكبرى ومتجاوزاً للخلافات العقائدية والتاريخية العميقة.

وبانضمام حماس والجهاد الإسلامي لمنظومة الحرس الثوري، تمكّن نظام ولاية الفقيه من تبرير كل أعماله في الدول العربية وإضفاء الصدقية على خطابه الرافع (لمحور المقاومة والممانعة) وتطبيق الشعارات على الأرض حيث أصبح الحرس الثوري لاعباً رئيسياً بالقضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزه عبر تحالفه مع الحركات الفلسطينية على الأرض والتي تصف نفسها بحركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.

ولا يخفى على أحد أنّ جيوش إيران الستة التي قال عنها قاسم سليماني ومن أتى بعده أنها تشكل (محور المقاومة) تضمّ ميليشيا الحشد الشعبي العراقي وميليشيا نظام الأسد وحزب الله اللبناني. وحركات المقاومة في غزة وميليشيا الحوثي في اليمن وبالطبع بالإضافة لقيادتها من قبل ميليشيا الحرس الثوري الإيراني المتمثل بفيلق القدس وهو الذراع الخارجي للحرس، هذه المنظومة تعمل وفق رؤية وخطط محددة وموحدة يتمّ إقرارها وتمويلها من رأس الأخطبوط في إيران.

لا يمكن لحركة حماس في غزة أن تتحرك بهكذا عملية كبرى دون استشارة أو تخطيط مسبق من مرجعيتها ووضع اللمسات الأخيرة عليها من ناحية الزمان وعمق المكان والغاية السياسية منها وإلى ما هنالك من أهداف توضع قبل البدء بأي معركة، ويرى محللون عسكريون أنّ التدريب على تلك العملية قد استغرق من سنة إلى ثلاث سنوات، وفي الوقت الذي كانت إيران تنتظر حصاداً سياسياً من تلك العملية فوجئت بتحالف أطلسي من اليوم الثاني للعملية تَمثّل بحشد عسكري وسياسي وحتى شعبي على مستوى الرأي العام وكأنه تحالف دولي سيقوم بعمل كبير وهام.

وإذا كان نتنياهو يعني أن تغييراً مهماً في بنية وشكل الشرق الأوسط ستحدث بعد معركة غزة، فإنه لا شك بتصريحاته تلك يهدف إلى رفع الروح المعنوية المنهارة للداخل الإسرائيلي ولكنه بالتأكيد لا يستند بهذا التغيير (إن تم) على قوة إسرائيل المحدودة، بل على إمكانات التحالف الأطلسي الذي بدأ يتبلور في الإقليم، ومن المؤكد أن غياب حركتي حماس والجهاد عن المسرح السياسي والعسكري لن يُغيّر مشهد وبنية الشرق الأوسط وما سيغيره بالتأكيد هو غياب الأذرع الإيرانية كلها، وإرجاع إيران إلى حدودها.

قد تكون المفاجأة الإيرانية نتيجة سوء حسابات أو تقديرات خاطئة لأهداف العملية أو أخطاء ارتكبت على الأرض أثناء تنفيذها، وقد يكون من غير المُتوقع ردّ الفعل الغربي عليها إذ كان أسرع في التبلور والوضوح من الموقف الذي اتخذه حلف شمال الأطلسي بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، حيث كانت كل حسابات ورهانات وتقديرات الرئيس الروسي خاطئة.

1- الخسائر الإيرانية من عملية طوفان الأقصى

لا شك أن حركتي حماس والجهاد تُشكلان الذراع الضاربة للحرس الثوري في فلسطين، وأنّ قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بدعم أطلسي بإنهاء أي تواجد سياسي وعسكري لتلك الحركات يُعتبر خسارة فادحة لمنظومة ولاية الفقيه والتي كانت تملك تلك العصا وتهدد بها ولكن بما أنها قد ضربت بها فعليها تَوقّع الجنون الإسرائيلي والأطلسي على فعلتها تلك ولا شك أن أهلنا في غزة سيدفعون ثمناً باهظاً في ذلك ولكن عذابات المدنيين وأنّات الثكالى وآهات الأطفال لا تلقَ آذاناً صاغية في تلك الحروب.

وبالطبع قد يجد الحرس الثوري نفسه مضطراً للتدخل لعدم إلحاق هزيمة كاملة بحلفائه في غزة وبذلك يكون قد أُجبر على الدخول في معركة كبرى لم يكن يُخطّط لها في الوقت الحالي وليس جاهزاً لخوضها. وإن لم يتدخّل ويترك حركتي حماس والجهاد لمصيرهما المحتوم فإن كل نظرية (محور المقاومة) مُعرّضة للانهيار فلم يَعد مُجدياً تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة تحت حجج تحرير فلسطين والمقدسات الدينية تحت شعارات طريق القدس يمر من بغداد أو بيروت أو حلب أو حمص أو القصير أو.. إلخ، وطَيّ صفحة مئات التهديدات التي تمّ إطلاقها من مختلف المسؤولين الإيرانيين (مدنيين وعسكريين) حول إزالة اسرائيل من الخارطة خلال دقائق معدودة.

لم يعد أحد من الأنصار يشتري تلك البضاعة الفاسدة، وفي حال دخول أذرع الحرس الثوري في الحرب كما هدّد بذلك حزب الله بأنه في حال تمت العملية البرية على غزة فإنه سيتدخل في المعركة مع قيامه بعمليات تسخين محدود على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

وأيضاً هددت إسرائيل نظام الأسد علناً بأنه ستكون حياته ثمناً لأي عملية ضِدّ إسرائيل تنطلق من الأراضي السورية، وقيل إنّ الرئيس الإماراتي نقل له تحذيرات أمريكية صارمة وقامت بترجمة تحذيراتها أو تهديداتها بضربات محدودة على أهداف معينة في الجنوب السوري وإخراج مطاري حلب ودمشق عن الخدمة.

2- الخسائر الإسرائيلية من عملية طوفان الأقصى

دائماً ما يظهر جلياً للعيان البروباغندا الإسرائيلية عن تفوقها العسكري وقدراتها الضاربة وهول سمعة موسادها وأجهزة استخباراتها الأخرى واستحالة خرق حدودها، وأثبتت الساعات السبع الأولى من صباح 7/10/2023 كذب تلك الدعايات والأساطير، وتهاوت كل نظريات الأمن الإسرائيلية أمام ألف مقاتل فلسطيني مسلحين بأسلحة بدائية.

وتبين أنه ليس صعباً تهديد الكيان الإسرائيلي تهديداً وجودياً، وهذا الإحساس العميق بالهزيمة وإمكانية التعرّض لهولوكوست آخر في جزيرة محاطة ببحر من العداء لابد أنه سيترك شرخاً عميقاً في المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني من عقدة الأمن تاريخياً ولم يستطع حلّ تلك العقدة بتحويل دولة الاحتلال إلى قلعة عسكرية أو قاعدة عسكرية أطلسية، وقد لا تكون بعد الآن إسرائيل وأساطيرها عامل جذب إليها وسنشهد حزم أمتعة وحقائب ومغادرتها لبلاد أكثر أمناً لليهود.

وبتزامن غزوة غزة مع وجود أهم زعيم إسرائيلي في العقدين الأخيرين (بنيامين نتنياهو) وسيطرة اليمين الديني المتطرف على الكنيست والحكومة، تبين أنّ خيار الدولة الدينية ليس خياراً مجدياً، بل كارثياً على المجتمع الإسرائيلي ولن يُفيد تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني واستفزازه بتدنيس مقدسات المسلمين، ولم يُلق المجتمع الإسرائيلي بالاً لحركات المقاومة بالحجارة والطعن بالأسلحة البيضاء والدهس بالسيارات، بأنها حركات مجتمع مقهور لكنه مقاوم ويتحيّن الفرص والوسائل، ولا نعلم إن ستتم مراجعة كل سياسات الاحتلال خلال المائة عام الأخيرة أم سينتهي التحقيق القادم بإدانة بعض القيادات العسكرية والأمنية والسياسية بتهم التقصير والإهمال وسوء التقدير.

وإذا ما كانت عملية قصف واجتياح غزة همجياً وقاسياً فلينتظر الإسرائيليون والأمريكان أجيالاً من الغاضبين الذين يطلبون الانتقام ولا ضير إن أسموهم متطرفين أو جهاديين أو إرهابيين، فالفعل سيولد ردّات فعل وهذا قانون الطبيعة والبشر أيضاً.

قد يكون منطقياً بروز تيار دولي عاقل يدعو لحل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية ويتم فرضه دولياً على قطعان الأحزاب اليمينية الإسرائيلية الحاكمة المتحكمة بالقرار الإسرائيلي بعد ذوبان تيار الوسط واليسار، وهو أمر مُرجّح الحدوث إذا كان العالم عاقلاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني