
“صمت فوق الرماد”: احتجازات قسد تتصاعد في دير الزور والرقة وسط تحذيرات حقوقية
الشبكة السورية توثق احتجاز 47 مدنياً منذ منتصف مايو، بينهم سيدة وعامل إنساني… وقلق من تحوّل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى ساحات قمع جديدة
في بلدٍ لم يتعافَ بعد من آثار المعتقلات، تتوالى التقارير عن ممارسات اعتقال واحتجاز تعسفي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محافظتي دير الزور والرقة، طالت عشرات المدنيين في النصف الثاني من أيار/مايو 2025.
ووفقاً لتقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد تم احتجاز ما لا يقل عن 47 شخصاً، بينهم سيدة وأحد العاملين في المجال الإنساني، في مداهمات نُفذت في قرى وبلدات تحت سيطرة “قسد”، دون مذكرات قضائية أو توضيح للتهم، ما يفتح الباب واسعاً أمام اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
اعتقالات تعسفية في القرى.. ووجهة مجهولة:
وثّقت الشبكة الحقوقية حملات اعتقال في بلدات الشحيل، وذبيان، والحوايج، وأبو النيتل وهجين في دير الزور، إضافة إلى السبخة وشنان والكرامة في الرقة، وعدد من أحياء مدينة الرقة.
وبحسب التقرير، فإن دوافع الاعتقال تراوحت بين انتقاد سياسات قسد، وانتماءات عائلية لعناصر منشقين، وحتى محاولات اعتقال رهائن للضغط على المطلوبين.
ولا يزال مصير المعتقلين مجهولاً حتى لحظة إعداد التقرير.
جرحى داخل المعتقلات… والمشفى يتحوّل إلى ممر للعقاب:
أوردت الشبكة أن بعض المعتقلين أُصيبوا خلال محاولات توقيفهم، وتم اقتيادهم لاحقاً من المستشفيات إلى مراكز احتجاز غير معلنة، في خرق واضح لقواعد حماية الجرحى والمصابين المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي.
النساء أيضاً في مرمى الانتهاكات:
لم تتوقف الانتهاكات عند حد الاعتقال، إذ وثّق التقرير اعتداءات جسدية على سيدات أثناء عمليات المداهمة، ما تسبب بحالة من التوتر المجتمعي، وسط إدانات من نشطاء محليين لوحشية التعامل وتجاوز الحدود القانونية والأخلاقية.
مصادرة ممتلكات… ونهب تحت غطاء أمني:
أفادت الشبكة أن عناصر من “قسد” صادروا خلال المداهمات أموالاً، ومجوهرات، وهواتف محمولة تعود لعائلات المعتقلين، ما يثير المخاوف من تحوّل بعض العمليات إلى وسيلة للنهب أو الإذلال الممنهج.
من الاعتقال إلى الاختفاء القسري؟
تقول الشبكة إن المعتقلين لم يُسمح لهم بالتواصل مع ذويهم، ولا يعرف أحد مكان احتجازهم أو التهم الموجهة إليهم، وهو ما يرقى إلى مستوى الاختفاء القسري، ويفتح المجال لانتهاكات جسيمة محتملة مثل التعذيب وسوء المعاملة.
دعوات لمساءلة “قسد” في ظل مفاوضات إعادة التوحيد:
وأكدت الشبكة أن استمرار هذه الممارسات يُعد خطراً على مستقبل العدالة في سوريا الجديدة، خاصة أن “قسد” تُدير مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة الانتقالية بحكم الأمر الواقع.
وشدد التقرير على ضرورة إدراج ملف المعتقلين والمختفين ضمن أولويات التفاوض بين الطرفين.
توصيات إلى جميع الأطراف:
لجنة التحقيق الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان مطالبتان بممارسة ضغوط عاجلة للإفراج عن المحتجزين تعسفياً، فيما يجب على الحكومة الانتقالية إدراج هذا الملف ضمن مفاوضاتها، وتوفير الدعم القانوني لعائلات الضحايا.
أما قسد، فهي مدعوة إلى وقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي، والكشف عن مصير المختفين، وتعويض الضحايا، ومحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات.
حين تهتز صورة العدالة في المناطق المحررة:
في لحظة تتطلع فيها سوريا إلى الخروج من نفق القمع، لا يمكن القبول بإعادة إنتاج الأساليب ذاتها، ولو بأسماء ورايات مختلفة.
كل معتقل بلا محاكمة، وكل أم تجهل مصير ابنها، وكل جريح يُقتاد من مشفاه إلى زنزانة، هم جرح في جسد سوريا الجديدة، وجدار يُبنى بين الناس والعدالة التي انتظروها طويلاً.
الحرية لا تُمنح… تُنتزع وتُحمى.