fbpx

سيكولوجيا الاستقبال بين الثورة والسقوط

0 46

قد يبدو لمَن يمعن النظر اليومَ في المشهد السوريّ ويقرأه قراءة فاحصة أنّ ثمة فارقاً سيكولوجيّاً/نفسيّاً بين قبول الثورة وقبول السقوط، أي بين الاستعداد النفسيّ والمعرفيّ والقبول الأخلاقيّ للثورة على الأسد من جهة، وبين سقوطه من جهة أخرى؛ فالمواطن السوريّ الذي اختار أن يشارك الثوار ثورتهم، هذا نفسيّاً حقدُه أقلّ وغضبه أخفّ على النظام السابق وعلى تركته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بعد سقوطه وزوال حكمه؛ لأنّه هو مَن اختار هذا الطريق، ويحمّل نفسه مسؤولية اختياره وكثيراً من مسؤولية مصيره…

أمّا الذي كان يرى نفسه “لا ناقة له ولا جمل” فيما يسمّى ثورة، وقد يكون من الذين كانوا ضدّها إيثاراً للأمن والسلامة، فهذا الذي تهدّمت عليه داره أو فُرض عليه التهجير أو فقد عزيزاً كان يشاركه رأيه في الثورة ودعاتها، هذا تجده اليومَ يشتاط غيظاً ويغلي حقداً على النظام السابق… ليس لأنّه الظالم بل لأنّه سقط… فمثله كان ينتظر نهاية المأساة ليسمح لحقده أن ينفجر في وجه الخاسر كائناً مَن كان، حتّى لو كانت المعارضة المسلّحة أو الثورة؛ فهو يحمّل المهزوم كارثة مصابه ( لأنّ لسان حال خسائره ومصابه يقول: إن كانتْ هزيمتُك محتومةً فلما كلّفتنا زيفَ موقفك).

فكلّما رأيت أحدهم أكثر حقداً وغضباً وشماتة بالمهزوم ومؤيّديه، فأيقن أنّه أبعد عن خطّ الثورة ووجهة نظرها (فهو لا ينظر إلى مَن انتصر بقدر نظره إلى مَن سقط)… وهذه حالة نفسيّة بشريّة طبيعيّة، وحقده مبرّر مسوّغ، لأنّه كان من المسلِّمين بوضعه القانعين بحاله. وهذا حقّه الذي ليس لك حقّ في لومه، بغضّ النظر عن تبعات السكوت على الظلم والرضى به من قبل بعضهم، أو حتّى تأييده من قبل آخرين.

لكنّك في الوقت نفسه لك الحقّ في عدم أخذ موقفه مقياساً أخلاقيّاً أو ثوريّاً حاكماً على الحالة الراهنة؛ فهو لا ينظر إلى الأمور من مقياس الحقّ والباطل، وإنّما من مقياس القوّة والضعف… وهو نفسه لو كان اليوم في غزّة لحمّل حماساً جريرة ما يحصل، ليس لأنّها ليست على حقّ، بل لأنّها الأضعف…

فبؤرة الحدث عنده هو السقوط، وليس التحرر أو الثورة أو النصر أو ما شابه…

ومن الدلالات المؤسفة التي لها ارتباط معرفيّ فلسفيّ ونفسيّ وأخلاقيّ واجتماعي بما سبق، والتي برزت بعد سقوط النظام السابق، أن السُنّي صار يرى السقوط انتصاراً له من دون الآخرين من أبناء الطوائف الأخرى؛ بل قد تجد سنيّاً كان شبّيحاً لنظام الأسد، وصار اليوم يحتفي بإنجاز السقوط ويرى أنّ هذا الإنجاز يمثّله أكثر من أيّ معارض سابق ليس سنيّاً، حتّى لو قضى هذا المعارض غير السنّي سنين طويلة من حياته في سجون ذاك النظام؛ فاليوم أي شبيّح سنّي تجده قادراً على المزاودة على أيّ معارض لا ينتمي إلى الطائفة السنيّة… وهذا مؤشّر دلالي سلبيّ يرتكز على أسس أبستمولوجيّة/معرفيّة خطيرة على المدى الاستراتيجيّ البعيد لدولة المواطنة والقانون.

بناء على ما سبق يمكن الزعم أنّ لصنّاع حدث الثورة من أجل الحريّة وسقوط الاستبداد ناسَها، وللمحتفلين والمحتفين بسقوط النظام السابق ناساً آخرين؛ وما ذلك إلّا لأنّ الثورة وسقوط الأسد شيئان مختلفان، وأن كانا مرتبطين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني