fbpx

سوريا بين التعددية والتشرذم: إلى أين؟

0 66

تواجه سوريا اليوم مفترق طرق حساساً في تاريخها، حيث تهيمن الاصطفافات القومية والطائفية والمناطقية على المشهد السياسي والاجتماعي، مهددةً بتفتيت الوحدة الوطنية وإفساح المجال للتدخلات الأجنبية.

المشكلة لا تكمن في التنوع بحد ذاته، فهو لطالما كان مصدر غنى وثقافة للمجتمع السوري.

إلا أن الخطورة الحقيقية تظهر عندما يُستغل هذا التنوع ليصبح مصدراً للصراعات العدائية التي تقود إلى الانقسام أو الحرب الأهلية، ما يفتح الباب أمام مخاطر طويلة الأمد تهدد استقرار البلاد.

بين الهوية الوطنية والانحيازات الطائفية

في خضم هذه الفوضى، يطرح تساؤل جوهري: كيف يمكن تحقيق توازن بين الهويات القومية والطائفية وبين الولاء للوطن؟ وهل يتماشى الدفاع عن الحقوق القومية والطائفية مع فكرة الدولة الوطنية أم أنه يعزز الانقسامات والتشرذم؟

ولماذا بقيت هذه النزعات أقل وضوحاً خلال حقب الحكم الاستبدادي؟

هل كان القمع السياسي يكبتها قسراً، أم أن غياب مشروع وطني جامع في مرحلة ما بعد الثورة أفسح المجال لظهورها بشكل أكبر؟

وفي هذا السياق، يتجلى رفض واسع لأي مشروع يحمل صبغة دينية، رغم أن غالبية السوريين ينتمون إلى الإسلام السني. فهل هذا الرفض يعكس قلقاً مشروعاً من استغلال الدين سياسياً، أم أنه تكرار لخطاب معادٍ للإسلام متأثر بحملات الإسلاموفوبيا الدولية؟

الثورة السورية والتحديات الطائفية

على الرغم من أن الثورة السورية بدأت كحركة شعبية ضد الاستبداد، إلا أن البعد الطائفي أُقحم فيها من قبل أطراف متعددة، ما أدى إلى تعقيد المشهد.

الجدير بالذكر أن العرب السنة تكبدوا الثمن الأكبر، إذ وثّقت تقارير حقوقية مقتل واعتقال ما يقارب المليون شخص، بالإضافة إلى نزوح أو لجوء أكثر من 13 مليوناً، وتدمير مدنهم بالكامل. ومع ذلك، لم يطالب هذا المكوّن بالانفصال أو يلجأ للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، في موقف يعكس تمسكاً عميقاً بوحدة البلاد.

دور المكون الأكبر في إعادة بناء سوريا

لا يمكن تصور مستقبل سوريا دون إقرار بدور المكوّن الأكبر في المجتمع السوري، الذي تعرض للإقصاء والتهميش لعقود طويلة، في إعادة بناء البلاد على أساس العدالة الانتقالية والديمقراطية الحقيقية. ومع ذلك، ليس هناك توافق مطلق داخل هذا المكوّن حول رؤية موحدة للحكم، إذ يعكس التنوع داخله كما في غيره من المكونات الحاجة إلى تجاوز الخطابات الإقصائية والتمسك بمبادئ المواطنة وحقوق الجميع دون تمييز.

نحو مشروع وطني شامل

إن استقرار سوريا ومستقبلها يعتمدان على قدرتنا على تجاوز الانقسامات الطائفية والقومية، والعمل على صياغة مشروع وطني جامع يستند إلى مبادئ المواطنة والعدالة.

فإما أن نرتقي لمستوى التحديات ونبني وطناً يتسع للجميع، أو نبقى أسرى انقسامات تؤدي إلى ضياع الوطن ذاته.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني