
سوريا الجميلة
تنشر نينار برس على حلقات ما يخصّ رؤية هامة كتب فيها أستاذ الفقه في جامعة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور محمّد حبش.
تتعلق هذه الرؤية بالعمل على زرع قيم المواطنة السورية في وعي الأجيال السورية عبر المنهاج المدرسي، حيث يطلب من وزارة التربية السورية تبنّي مثل هكذا منهاج يوضح جماليات التكوين الوطني السوري الذي يتشكّل من فسيفساء دينية وإثنية وطائفية ومناطقية.
كتب الدكتور محمّد حبش ما يلي:
أتاحت لنا نينار برس على صحائفها الكريمة أن نعيد نشر اقتراح مهم طرحناه في منابر متعددة عن فهم المجتمع السوري، وتحقيق اندماج إيجابي واع لتعافي هذا الوطن الجميل بعد مشوار طويل من الآلام.
لقد شهدت سوريا خلال أربعة عشر عاماً من الاستبداد واقعاً من التدمير الممنهج للإنسان السوري، وقام الاستبداد برسم اصطفاف كيدي وريبي في المجتمع، وحكم على نصفه بالوطنية وعلى نصفه الآخر بالخيانة، وبشكل تلقائي تفجرت رياح الكراهية طائفياً، وتوالى في تغذيتها الاستبداد بأدواته الأثيمة والتطرف برؤيته الجاهلية، وانكشف الواقع المأساوي على آلاف مؤلفة من المواطنين السوريين لا يعرفون الآخر إلا عدواً، بناء على طائفته وعرقه، وسقطت أرواح بريئة في حمى التحشيد الطائفي الأعمى، الذي هدد بانهيار مجتمعي شامل.
في سياق كهذا تتعين مسؤولية الدولة في حفظ الأمن، ولكن تتعين مسؤولية النخب الثقافية في تصحيح الفكرة الريبية المدمرة التي رسّخت في الشعب روح العداوة والكراهية، وبات من المؤكد أننا نجهل بعضنا أو على الأقل أننا نعرف عن بعضنا فقط ما رسمه التعصب من فتاوى الكراهية، وأن الإنسان عدو ما يجهل، وغياب المعلومة الصحيحة عن أخيك سيدفع إلى شيطنة الآخر واتهامه بكل ضلال.
وفي هذا السياق نطرح مسؤولية الدولة في نشر الوعي بالآخر على سبيل من المصارحة والوضوح بعيداً عن الخطابات الوطنية العامة التي لا تعالج شيئاً من الأمر.
والكتاب المفقود الذي أتمنى أن تُعدّه وزارة الثقافة ووزارة التعليم وأن يكون مادة لكل السوريين في الجامعات والمدارس ومراكز الثقافة هو كتاب: سوريا الجميلة.
البستان السوري بألوانه، حيث يبدأ الكتاب بشرح تاريخ سوريا ورجالها، ومنطلق نهضتها الكبرى بروح محمّد ورسالة المسيح، ثم يتحوّل بشكل مباشر ليعرّف بهذه الألوان الجميلة في سوريا.
الفصل الاول للتعريف بالسادة أهل السنة، وهم جزء عزيز من السوريين، وهم الحضن الجامع للسوريين، صفتهم التسامح وأخلاقهم المحبة وأئمتهم الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والأئمة الفقهاء الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وأئمة الصوفية الأربعة الجيلاني والرفاعي والشاذلي والنقشبندي، ومدارس الروح والإشراق التي تملأ وجودهم بالتسامح ومحبة الآخرين.
ثم يكون الفصل الثاني عن مجموعة أخرى كريمة من المجتمع السوري وهم السادة الشيعة من أتباع أئمة أهل البيت، والتعريف بأئمتهم الاثني عشر وخاصة جعفر الصادق الذي كان أستاذ الكل وأخذ من علمه الفقهاء الأربعة.
أما الفصل الثالث فسيكون عن مجموعة غالية من السوريين وهم السادة العلويون، الذين اتخذوا الإمام علياً منارة هدى، واختاروا القباب الخضر في رؤوس الجبال لتكون لهم غاراً يعكفون فيه على الله، وفيهم ظهر المكزون السنجاري، والمسرور الطبراني، والمنتجب العاني، والحسين بن حمدان الخصيبي، وغيرهم من أهل الله العارفين.
أما الفصل الرابع فسيكون للتعريف بالسادة الدروز، وهم جزء آخر عزيز من السوريين وهم بنو معروف والجبل الأشم، وهم أبناء الحضارة الفاطمية العزيزة، وهم أول مجموعة من السوريين جمعت بين نور النبوة والفلسفة وأخذوا من الرسول محمّد والرسول شعيب والفيلسوف فيثاغورس والصحابي الجليل سلمان، وبات رجالهم منابع حكمة وتأمل.
أما الفصل الخامس فسنخصصه للحديث عن السادة الاسماعيلية، الذين اعتزلوا صخب الحياة وأووا إلى سلمية، وبحثوا في باطن القرآن عن عميق أسراره، ثم انبعثوا براية الحكمة من جبال مصياف، وانطلقوا صوب المغرب فجاؤوا بالخلافة الفاطمية، وقاموا ببناء القاهرة، وأسّسوا الأزهر وبنوا ألف مئذنة في مصر، وعلى الرغم من تحولات الدهر ولكنهم لا زالوا رواداً في الحضارة، ولا زالت شبكة الآغا خان الاسماعيلية أكبر شبكة تنمية إنسانية في العالم.
أما الفصل السادس فنخصصه للحديث عن السادة المسيحيين من سريان وروم وأرمن بعقائدهم الثلاثة: كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت، لنتعرف على أعلامهم ورجالهم الذين أسهموا في نهضة سوريا خلال التاريخ، بدءاً من ضريح يوحنا المعمدان الذي حافظ عليه المسلمون في قلب المسجد الاموي، ونتعرف إلى جهودهم الجبارة التي قامت عليها الحضارة الأموية، حيث كانوا يديرون اقتصاد الدولة ويذهبون ليشكروا الله في مقاعد الكنيسة، وصولاً إل دورهم في الاستقلال الوطني لسوريا.
أما الفصل السابع فسنعرف فيه بالسادة اليزيديين من الكرد أتباع مولانا عدي بن مسافر رضي الله عنه، الذين قصدوا وجه الله في كل عبادة، وفطروا على الطيبة والمحبة والبراءة، وتعرضوا في حياتهم لأشد أنواع الظلم والإبادة، وظلّوا أوفياء لسوريا والعراق، حيث تفيض جبالهم بالعسل والزيتون.
سنمضي كل أسبوع في رسم لوحة جميلة لهذا الوطن الجميل، نقاوم بها ريح الكراهية، وننشر المحبة، ثم نطرحها للتداول على منصات التواصل ونستمع إلى آراء الناس فيها، فبوارق الحقائق تنبع من مصادمة الأفكار.
بكل هذه الألوان تكتمل الصورة الواضحة لسوريا، وكل غياب للون منها فهو تشويه لسوريا الجميلة.
هذه الثقافة هي التي تنشر الاحترام بين الجميع، أما الذين يهتفون ضد الطوائف فهم يهتفون ضد سوريا ويعملون على هدم حضارتها ونسيجها الاجتماعي.
نتحدث عن المحبة والمجتمع، أما العقائد فأمرها إلى الله، قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.