fbpx

سوريا الجديدة: بين فصول المعاناة وأمل العدالة – ملف المعتقلين والإفراجات الكبرى

0 47

لا تزال سوريا تتأرجح بين ماضٍ مثقل بالمآسي وحاضرٍ يفتح أبوابه للأمل والتغيير. في ظل تقارير حقوقية موثوقة تكشف عن أرقام صادمة لحالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري عام 2024، تصاعدت الدعوات لتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية. وبين الإفراجات الكبرى التي شهدتها البلاد وتحركات الأطراف الدولية، تبقى قضية المعتقلين أحد الملفات الأشد إلحاحاً في معركة إعادة بناء سوريا على أسس الكرامة والحقوق.

الاحتجاز التعسفي: أرقام ترسم المأساة:

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الأخير 2623 حالة احتجاز تعسفي خلال عام 2024، منها 349 حالة في ديسمبر فقط. هذه الاعتقالات لم تكن سوى بداية رحلة مظلمة نحو الاختفاء القسري، حيث تم توثيق 1084 حالة اختفاء من بين المعتقلين.

النظام السوري تصدر المشهد بـ 1362 حالة، منهم 32 طفلاً و38 سيدة.

قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ارتكبت 581 حالة اعتقال، بينهم 79 طفلاً و8 سيدات.

فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام لم تكن بمنأى عن الانتهاكات، حيث نفذت عمليات اعتقال تعسفي طالت المئات.

المناطق الأكثر تضرراً:

تركزت الانتهاكات في حلب، تليها ريف دمشق ودمشق، ثم دير الزور، في مشهد يعكس انتشاراً واسعاً لانتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء البلاد.

شرعنة القمع: القانون كأداة انتهاك:

أوضح التقرير أن النظام السوري استغل سلطته التشريعية لإصدار قوانين تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين. من أبرزها القانون رقم 16 لعام 2022، الذي يشرعن الإفلات من العقاب، متناقضاً مع الدستور السوري لعام 2012 والقانون الدولي.

رغم الحظر الدستوري للتعذيب، تواصلت الممارسات الوحشية في مراكز الاحتجاز، مما أثار انتقادات دولية متزايدة.

الإفراجات: بارقة أمل وسط الظلام:

شهد نهاية عام 2024 عمليات إفراج واسعة النطاق، كان أبرزها:

 الإفراج عن 24394 شخصاً، معظمهم بعد عملية “ردع العدوان” التي حررت مدناً كانت تحت سيطرة قوات النظام السوري. أما قوات سوريا الديمقراطية فقد أطلقت سراح 698 شخصاً، بينهم أطفال وسيدات، فيما أفرجت فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام عن 818 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، وسط مزاعم عن ابتزاز مالي تعرضت له عائلاتهم.

القانون الدولي: قرارات بلا تنفيذ:

أوضح التقرير أن النظام السوري تجاهل بشكل منهجي قرارات دولية، مثل قرار مجلس الأمن 2254 وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي دعت للإفراج عن المعتقلين وضمان حقوقهم. كما أن عدم قدرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الوصول الدوري إلى مراكز الاحتجاز يعكس استمرار الانتهاكات ضد القانون الدولي الإنساني.

خارطة طريق للمحاسبة والعدالة:

يدعو التقرير الحكومة السورية الجديدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة ملف المعتقلين، تتضمن:

1. تمكين الآليات الدولية من الوصول إلى مراكز الاحتجاز.

2. إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.

3. إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

4. حماية الأدلة وتعزيز الشفافية في ملفات الاختفاء القسري.

5. دعم المتضررين وإعادة تأهيلهم.

سوريا بين الجراح والآمال:

يمثل ملف المعتقلين جرحاً غائراً في الوجدان السوري، لكنه أيضاً اختبار حقيقي لمدى جدية الأطراف المحلية والدولية في تحقيق العدالة. لن تكون هناك سوريا جديدة قائمة على الكرامة والحقوق دون معالجة ماضيها المظلم، ومحاسبة كل من تورط في جرائم حرب أو انتهاكات إنسانية. في معركة الحقوق، يتجدد الأمل بأن يحمل المستقبل صوت العدالة لكل من عاش الألم في صمت.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني