روسيا.. ورهاب (الكابوس الأفغاني) في سورية
يقول بوتين إن سقوط الاتحاد السوفييتي كان أعظم كارثة استراتيجية أصابت العالم بالقرن العشرين لأنه أتاح تحكم قوة عظمى وحيدة بالعالم، ويروي كيف أثرت به مشاهد الإذلال التي تعرضت لها روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وهو الذي كان شاهداً بنفسه عندما كان جاسوساً سوفييتياً في درسدن بألمانيا الشرقية يعمل بالتعاون مع جهاز المخابرات الألماني الشرقي.
لقد عايش انهيار جدار برلين وأشكال الهزيمة أو الاستخفاف التي حرصت الولايات المتحدة على معاملة الروس بها.
ولا يخفي بوتين رغبته بإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، ويعتبر أن القدر اختاره ليداوي جراحات السقوط الكبير ثم التعافي تمهيداً لتبوء روسيا مكانها الطبيعي كقوة عظمى تشارك في قيادة النظام الدولي والقرار الأمني العالمي.
كانت بداية سقوط الاتحاد السوفييتي كما يعلم الجميع هو التورط في الحرب الأفغانية، التي استنزفت الموارد السوفياتية بشرياً ومادياً ومعنوياً، ولم يفدها في تلك الحرب امتلاكها لأقوى ترسانة نووية أو صواريخ بالستية عابرة للقارات، إلى غير ذلك من الأسلحة التي كانت تلحق بأسلحة حلف الناتو وتحقق التوازن العسكري معه.
كان خوض أمريكا وحلفاؤها لحرب بالوكالة عبر مجموعات محلية في أفغانستان هو الطريقة الناجعة للتعامل مع القوة العسكرية الروسية الهائلة، وكانت النتيجة رابحة للولايات المتحدة، اذ في ذروة الحرب الباردة مع السوفييت تمكنت من استغلال المستنقع الافغاني وساهمت بالإجهاز على الدولة السوفييتية.
ما أريد قوله، إن العقدة الأفغانية لازالت تشكل كابوساً عند القادة الروس، كما كانت العقدة الفييتنامية عند الأمريكان، لكن انسحاب الأمريكان من فييتنام واعترافهم بخسارتهم الحرب، وقوة الدولة الأمريكية وحيويتها، حال دون ترسخ العقدة الأفغانية التي ترسخت في الوجدان والعقل الباطن للشعب الروسي أو صناع القرار منه.
جاء التدخل العسكري الروسي في سورية عام 2015، بعد تردد لازم بوتين طويلاً، إذ إن روسيا تدخلت إلى جانب النظام السوري منذ البدايات، لوجستياً وسياسياً ودبلوماسياً، وأسهمت بنفسها بكتابة بيان جنيف 1، وإصدار القرار 2118، وتفكيك وتسليم الترسانة الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري، وكانت حاضرة بكل الحراك السياسي الدولي ومسارات التفاوض المتعلقة بالمسألة السورية.
إلا إن بوتين لم يشأ التدخل مباشرة رغم المناشدات التي أتته من النظامين السوري والإيراني منذ 2013، وقد عمد رامي الشاعر إلى نشر إحدى تلك الرسائل التي كان يتوسل فيها بشار أسد ويرجو إرسال قوات عسكرية روسية إلى سورية، والانخراط في الحرب على الشعب السوري.
وكان قرار التدخل الذي اتخذه بوتين بعد زيارة قاسم سليماني الشهيرة إلى موسكو سريعاً، أو ما سرعه، إبلاغه أن العاصمة دمشق على وشك السقوط خلال أسبوعين بعد أن استنزفت كل طاقات ميليشيا النظام والحرس الثوري الإيراني في الحيلولة دون ذلك.
يعزى سبب تردد بوتين بالانخراط العسكري المباشر في سورية، إلى كونها خارج المجال الحيوي الروسي وبعيدة عن الحدود الروسية ويمكن أن تشكل خاصرة رخوة له (وهو المنتشي بانتصاراته المتلاحقة في الشيشان وجورجيا والقرم)، إذ إن تدخلاته الناجحة السابقة أتت داخل روسيا أو في جوارها.
وكان القيصر لاشك، تساوره المخاوف من الغرب بإنشاء فخ أو مستنقع أفغاني يستنزفه أو يشغله عن التمدد في أوربة، لان فائض القوة الروسية وحالة الاستقرار الداخلي سوف تدفع بالقيصر للتمدد بما يسميه الإرث السوفييتي، ونرى ذلك الآن برغبته في غزو أوكرانيا وربما غيرها فيما بعد.
تدخل الجيش الروسي في سورية، وكانت الخطة استخدام القوة الوحشية المفرطة ضد الحواضن المدنية وفصائل الجيش السوري الحر، والنأي بالنفس عن الجماعات الإرهابية، بحيث ستكون فترة ثلاثة أشهر كافية لحسم الحرب وقطف ثمارها، ثم تم القول إن ستة أشهر كفيلة بذلك، ثم أدرك القيصر اليوم، أنه في العام الثامن من تدخله، لم يتمكن من حسم الحرب عسكرياً ولم يحصد أي ثمار سياسية أو اقتصادية.
مستنقع (أفغاني) سياسي واقتصادي في سورية
كان واضحاً الاستعجال الروسي بتحويل حربه على الشعب السوري إلى مكاسب سياسية أو اقتصادية ولم يتحقق ذلك.
على المستوى السياسي لم يتمكن بوتين من إعادة تعويم النظام السوري ورئيسه ولم يحقق أي إنجاز أو اختراق في ذلك، سواء على الصعيد الدولي أو العربي أو حتى المحلي، إذ لا تقدم في العملية السياسية كما تريدها موسكو، ولا يمر يوم إلا ونرى مواقف دولية وعربية عن عدم الموافقة على اي تطبيع سياسي مع النظام قبل عملية الانتقال السياسي.
المستنقع الاقتصادي كان واضحاً وصارخاً، بسن الدولة الأمريكية لقانون “سيزر” الذي يستهدف الروس أولاً (لان النظام وإيران عليهما من العقوبات الكثير) وربما الصين ثانياً، وبذلك أجهض القانون أي إرادة روسية بتحويل تقدمها العسكري إلى فوائد اقتصادية.
الخوف من المستنقع (الأفغاني) العسكري
يمكننا رصد عدة مؤشرات تدل على خشية الروس من هذا الاحتمال:
1- في بدايات الانتفاضة الشعبية في السويداء، وخشية الروس من تمددها لدمشق والساحل، صدر تقرير عن الاستخبارات العسكرية الروسية الخارجية بتوفر معلومات لديهم، تفيد بأن الولايات المتحدة تخطط لاستهداف القوات الروسية وحلفائها عبر خلايا نائمة إرهابية لنشر الفوضى في أماكن تواجدها، وبالتالي خشية روسية حقيقية من أعمال مقاومة شعبية تستهدفها، ويرى بعضهم أن فبركة النظام لانفجار الحافلة العسكرية الأخير في دمشق هو لإثبات صحة المزاعم الروسية.
2- كان لافتاً أيضاً وفي ذروة التصعيد الغربي – الروسي في أوكرانيا زيارة وزير الدفاع الروسي إلى قاعدة حميميم في الوقت المفترض به البقاء في روسيا في مثل تلك الأوضاع الخطيرة.
حيث أرسلت الولايات المتحدة رسائل تحذيرية لموسكو، بأن لديها قواعد عسكرية في سورية، وأنه في حال غزت روسيا أوكرانيا فقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط وبالذات سورية. وجاءت تلك التصريحات من الجنرال الأمريكي “إريك كوريللا” الذي عين مؤخراً قائداً أعلى في القيادة العسكرية المركزية في الشرق الأوسط.
تصريحات الجنرال الأمريكي جاءت بعد اجتماعه بأعضاء من مجلس الشيوخ.
رد نائب وزير الخارجية الروسي سيرومولوتوف عبر وكالة تاس الروسية، إن القوات الروسية في سورية تتخذ إجراءات مناسبة للتعامل مع أي حوادث محتملة من هذا النوع، وأشار إلى معلومات جهاز الاستخبارات الروسية الخارجية لما أوردته سابقا عن وصولها لمعلومات بشأن الخلايا الإرهابية النائمة في دمشق والساحل.
وسبق زيارة وزير الدفاع الروسي شويغو، إرسال مزيد من الأسلحة والقاذفات وإجراء مناورات بحرية رداً على مناورات أجراها الناتو بمشاركة حاملة الطائرات “هاري ترومان” التي قررت واشنطن إبقاءها في المنطقة.
يمكن أن نضع اختراق طائرة روسية للمجال الجوي للتحالف الدولي غرب مدينة دير الزور واقتيادها من قبل طائرات التحالف إلى خارج المنطقة المحرمة، في خانة إبراز القوة وإرسال رسالة مفادها، أن موسكو الروسية لن تقبل بما قبلت به موسكو السوفييتية، وأن لا مستنقع جديد ستقع فيه.
إن التوافقات الهشة بين الأمريكان والروس في سورية مهددة للانهيار في أية لحظة، ولا يستبعد وجود خطط غربية ضد أي نصر روسي إذا ما تحقق في أوكرانيا، فمن الممكن الرد عليه بهزيمة روسية في سورية.
مقال موفق للربط بين مستنقعات وقعت فيها روسيا او ستقع
لكن برأيي أن أوكرانيا أكثر أهمية من سوريا بالنسبة لروسيا قد يتم التنازل في الملف السوري و العودة لقرار مجلس الامن 2254 مقابل تحقيق بعض المكاسب على الحدود