fbpx

رؤية العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة: نحو تحول سياسي شامل

0 36

سوريا عند مفترق الطرق

بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة تاريخية حاسمة، تتطلب بناء نظام سياسي تعددي يؤسس للعدالة الانتقالية، ويحقق المصالحة الوطنية، ويضمن عدم تكرار الانتهاكات. وفي هذا السياق، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً يضع خارطة طريق لتحقيق الانتقال السياسي السلمي، استناداً إلى مبادئ الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، والتشاركية السياسية.

يؤكد التقرير أن نجاح العملية الانتقالية يعتمد على إصلاح مؤسسات الدولة، وبناء الثقة بين مكونات المجتمع، وتحقيق العدالة الانتقالية، مع معالجة التحديات التي تواجه سوريا، مثل التفكك الإداري، والتدخلات الخارجية، والأزمة الاقتصادية، والتحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية الديمقراطية.

فما الخطوات المطلوبة لتحقيق انتقال سياسي ناجح؟ وكيف يمكن ضمان العدالة والمساءلة؟ وما الدور المطلوب من السوريين والمجتمع الدولي في هذه المرحلة المفصلية؟

التحديات الرئيسية في المرحلة الانتقالية:

يشير التقرير إلى أن سوريا تواجه خمس تحديات رئيسية قد تعيق نجاح عملية الانتقال السياسي، وهي:

1. ضعف مؤسسات الدولة والتفكك الإداري بسبب عقود من الفساد والاستبداد.

2. تراجع الثقة بين مكونات المجتمع نتيجة الانقسامات السياسية والطائفية.

3. التدخلات الخارجية والمصالح الإقليمية والدولية التي تؤثر على مسار التحول الديمقراطي.

4. الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمق معاناة المواطنين وتؤثر على الاستقرار.

5. الانتقال من الشرعية الثورية إلى نظام سياسي تعددي، وهو تحدٍ يتطلب بناء مؤسسات شرعية وشاملة.

ولمواجهة هذه التحديات، يقترح التقرير خارطة طريق واضحة تستند إلى مبادئ الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية.

خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية:

1. تشكيل هيئة حكم انتقالية:

يؤكد التقرير ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية تمثل مختلف القوى السياسية والمجتمعية، وتكون بقيادة السيد أحمد الشرع رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، بهدف:

ضمان تمثيل عادل لكافة الأطراف في العملية السياسية.

إدارة المرحلة الانتقالية بآليات مؤسسية واضحة تمنع الفوضى.

تعزيز الشرعية السياسية داخلياً ودولياً.

دعم مسار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

2. إصدار إعلان دستوري مؤقت:

يُعد الإعلان الدستوري المؤقت الإطار القانوني الذي ينظم المرحلة الانتقالية، حيث يحدد:

صلاحيات هيئة الحكم الانتقالية والحكومة المؤقتة.

الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.

آليات إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية لضمان سيادة القانون.

3. تشكيل حكومة انتقالية:

تتولى الحكومة الانتقالية مسؤولية:

إعادة بناء مؤسسات الدولة وضمان استمرارية الخدمات العامة.

إدارة الاقتصاد وإصلاح المؤسسات المالية لضمان استقرار البلاد.

الإشراف على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تعزز الشرعية الديمقراطية.

4. صياغة دستور جديد:

يُشكل الدستور الجديد حجر الأساس لنظام سياسي تعددي، حيث يضمن:

الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية).

حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مثل حرية التعبير والمشاركة السياسية.

مبدأ التشاركية السياسية والتوازن في توزيع السلطة بين جميع مكونات المجتمع.

5. تنظيم انتخابات ديمقراطية:

تُعتبر الانتخابات الحرة والنزيهة الخطوة الأخيرة في العملية الانتقالية، حيث تضمن:

تداولاً سلمياً للسلطة يقطع مع عقود من الاستبداد.

تمثيلاً عادلاً لجميع السوريين في مؤسسات الحكم.

إرساء نظام ديمقراطي مستدام يحترم سيادة القانون.

من الشرعية الثورية إلى الشرعية التعددية:

يشدد التقرير على أن نجاح المرحلة الانتقالية يتطلب تحولاً جذرياً من الشرعية الثورية إلى الشرعية الديمقراطية التعددية، من خلال:

1. إرساء المعايير التشاركية في مؤسسات الدولة لضمان تمثيل جميع القوى.

2. إصلاح الهياكل الإدارية والاقتصادية لضمان كفاءة مؤسسات الحكم.

3. ترسيخ ثقافة الحوار الوطني لتعزيز التوافق المجتمعي.

4. تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية لمنع عودة الانتهاكات.

دور العدالة الانتقالية في بناء سوريا الجديدة:

يركز التقرير على أهمية إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية تتولى:

توثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها وفق معايير قضائية عادلة.

تعويض الضحايا وجبر الضرر لتعزيز المصالحة الوطنية.

إصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية لضمان عدم تكرار الجرائم السابقة.

التوصيات للمرحلة الانتقالية:

أولاً: توصيات للحكومة الانتقالية:

وضع خارطة طريق واضحة تضمن تنفيذ الإصلاحات بشكل منظم.

تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة شؤون البلاد.

ضمان إشراك المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي.

ثانياً: توصيات للمجتمع الدولي:

دعم الاستقرار الاقتصادي وإعادة الإعمار دون فرض أجندات سياسية.

مراقبة الانتخابات وضمان نزاهتها وفق المعايير الدولية.

تقديم المساعدة القانونية والفنية لإنجاح عملية العدالة الانتقالية.

ثالثاً: توصيات للمجتمع المدني السوري:

تعزيز الحوار الوطني وبناء الثقة بين مكونات المجتمع.

مراقبة أداء الحكومة الانتقالية لضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل عادل.

نشر الوعي بحقوق الإنسان وتعزيز الثقافة الديمقراطية لضمان استدامة التحول السياسي.

نحو مستقبل ديمقراطي مستدام:

يُعد الانتقال السياسي في سوريا فرصة تاريخية لإرساء نظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الإنسان، ويحقق العدالة والمصالحة الوطنية. لكن نجاح هذه المرحلة يتطلب التزاماً جماعياً من السوريين، ودعماً دولياً مسؤولاً، وإرادة سياسية قوية لإنهاء الفوضى وبناء دولة قائمة على سيادة القانون.

إن تحقيق هذه الأهداف ليس مجرد خيار، بل هو الطريق الوحيد لضمان عدم تكرار مآسي الماضي، وبناء سوريا جديدة تسع جميع أبنائها. فهل ينجح السوريون في تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني