fbpx

رؤى تربوية في إدارة مرحلة المراهقة

0 328

تُعدُّ فترة المراهقة فترة حرجة في حياة الفرد الاجتماعي، وينعكس سلوك المراهق أو المراهقة على بيئته الاجتماعية (الأسرة والأفراد والمدرسة)، مما يستوجب معرفة اتجاهات هذا السلوك، وكيفية إدارته بطريقة غير قسرية، فالمراهقة تحمل العديد من التحولات، التي تؤثر في السلوك والشخصية والعلاقات الاجتماعية للفرد، لذلك تحتاج إلى إدارة تربوية خاصة، لمساعدة المراهق والمراهقة للتعامل مع هذه التحولات والتحديات.

ونقصد بفترة المراهقة تلك المرحلة العمرية الانتقالية بين الطفولة والشباب، والتي تبدأ من سن البلوغ 13-14 سنة إلى عمر قد يمتد إلى سن 25 سنة.

والسؤال: ما هي هذه التحولات؟ وكيف تستطيع الأسرة والمدرسة توفير الدعم اللازم للمراهق/ة لمساعدتهم على التأقلم مع هذه التحولات وتحديد هويتهم الشخصية والاجتماعية؟

حول هذه التحولات يمكن أن نقوم بتحديد ماهيتها، سواءً كانت تحولات جسدية أم نفسية أم اجتماعية، فالتحولات الجسدية هي تغييرات تطرأ على الجسم، فتنمو الاعضاء الجسدية، وتتغيّر حدّة الأصوات، وينمو الشعر، وتختلف هذه التحولات بين الذكور والاناث، حيث ينمو للذكور شعر الوجه، والصوت العميق ونمو العضلات فيما ينمو لدى الإناث الأثداء، وتتكوّر الأرداف، وتتغير نسب الهرمونات في الدم، التي تؤثر في الدورة الشهرية.

أما عن التغييرات النفسية، فتتغير العواطف والتفكير والسلوك، ويزداد الاهتمام بالذات والانتماء إلى مجموعة الاقران، ويصبح المراهق/ة أكثر حساسية للانتقاد والتقييم، ويزداد الاهتمام بالتجارب الجديدة والمخاطر، وتزداد الرغبة في الخروج من كنف الرعاية الابوية.

أما عن التغييرات الاجتماعية، فإن المراهق/ة يميل إلى المشاركة في العلاقات الاجتماعية، والصداقات القوية، والانتماء إلى المجموعات الاجتماعية المختلفة، كالأحزاب والأندية الرياضية، أو النشاطات الفنيّة كالمسرح، ويزداد الاهتمام بالانفصال عن الأسرة والبحث عن الهوية الخاصة.

في ظل هذه التحولات الكبيرة، إذا لم تستطع الأسرة والمدرسة إدارة هذه المرحلة الحرجة واحتواء المراهق/ة، فإن اسوأ ما قد يحدث، أن يتلقفه طريق الجنوح والجريمة.

فكيف يفترض بالأسرة والمدرسة التعامل مع المراهق/ة؟

إن البحث عن أسلوب يتصدى لمنع حدوث انحرافات في مرحلة المراهقة، يبدأ من عتبة توفير بيئة تربوية داعمة للمراهقين. وهذه البيئة ترتكز على تشجيع التواصل الفعّال بين الوالدين وأبنائهما، وهذا يتمّ من خلال فسح المجال باستمرار لهؤلاء الأبناء على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية، وأن يعمل الأبوان على تطوير ملكتهما في الاستماع إليهم بشكل جدي.

 وينبغي أيضاً تعزيز العلاقة بين الأولاد والأقران، أي بين الأبناء ومن هم في سنّهم من أبناء الجيران أو الأقارب على اختلاف درجات القربى، وتشجيعهم على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية. كما يجب تعزيز الثقة بالنفس والاعتماد على الذات عند المراهقين، وتشجيعهم على تحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات بناءً على المعرفة والتفكير العقلاني.

ويقع على عاتق الوالدين شرح أهمية التعليم للأبناء، والتركيز على قيمة التحصيل الدراسي لديهم، ودور ذلك في تأمين مستقبلٍ آمن لحياتهم المستقبلية.

لذلك وجب توفير بيئة تعليمية داعمة ومحفزة، هذه البيئة يجب أن تضمّ عناصر كفؤة ذات خبرة وتعليم تربوي متقدم، هذه البيئة تتألف من مؤسسة المدرسة ومؤسسة الأسرة، مما يلعب دوراً متكاملاً على تشجيع المراهقين على الاهتمام بالتعليم والتحصيل الدراسي، وبيان أن المواد الدراسية ذات أهمية علمية ومعرفية على قدر متساوٍ من الأهمية بصورة عامة، وشرح ذلك على أن هذه المواد الدراسية المختلفة تعمل على توسيع معارفهم وقدراتهم، وتشجّعهم على المشاركة في الأنشطة الثقافية والتربوية المختلفة.

إن التركيز على صحة المراهقين النفسية والجسدية ضروريٌ. لذلك ينبغي توفير الرعاية الصحية اللازمة لهم، وتشجيعهم على الاهتمام بصحتهم، وممارسة النشاطات الرياضية والحفاظ على نظام غذائي صحي. كما يجب توفير الرعاية النفسية اللازمة للمراهقين، وتشجيعهم على التعامل بشكل إيجابي مع التحديات والمشكلات التي تواجههم.

وهناك جانب مهم في العملية التربوية، هذا الجانب يتعلق بأهمية التركيز على تعليم المراهقين مهارات الحياة الأساسية. أي تعليمهم كيفية التعامل مع الضغوط النفسية، والاجتماعية، وكيفية التعامل مع الصعوبات والتحديات، التي تواجههم. مثل تعليمهم مهارات التواصل الاجتماعي الفعّال، وكيفية التعامل مع الصراعات بشكل بناء وإيجابي، إضافة إلى تعليمهم مهارات الإدارة الذاتية، والتخطيط، والتنظيم، والتفكير الإيجابي. وهذا يخلق لديهم نظاماً عقلياً هادئاً نتيجة يستند على مبدأ تحليل المشكلة أو القضية، وكيفية تركيبها من جديد بناء على معطيات الواقع المحيط بهم، ثم استنباط الرؤى الممكنة في ذلك.

أخيراً، يجب توفير الدعم والمساعدة اللازمين للمراهقين، الذين يعانون من مشكلات نفسية أو سلوكية، أي ممن يعانون من أوضاع تحتاج إلى علاج طبي نفسي، وهذا يتطلب توفير المشورة والعلاج النفسي اللازمين، وتوجيههم إلى المصادر اللازمة للحصول على الدعم اللازم.

ومن المهم الإشارة إلى أن إدارة فترة المراهقة تختلف من شخص لآخر، ومن ثقافة إلى أخرى، وتتطلب التفرد والاختلاف في التعامل مع المراهقين.

في النهاية، إن فترة المراهقة هي فترة حرجة، تتطلب إدارة تربوية خاصة، هذه الإدارة مسؤولة عن تذليل الصعوبات النفسية لتلاميذها، الأمر الذي يجب أن يلاحظه واضعو السياسات التربوية التعليمية.

فهل ستتمكن الجهات الرسمية عن التعليم في بلادنا وضع حجر الأساس لمواجهة مشكلات تعليم وتأهيل المراهقين من الجنسين، ما يزيد من إنتاجيتهم العلمية وتحصيلهم الدراسي بصورة ملموسة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني