fbpx

رأي قانوني في قرار تشكيل لجنة التحقيق

1 381

لقد تسبّبت الآليّة والظروف التي جرت بها الانتخابات الرئاسيّة في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة بموجة من السخط والغضب كان قد أجّجها ما نشره عضو الائتلاف السيد نصر الحريري من اتهامات بالفساد والتفريط بثوابت الثورة ونسب تصريحات للسيد عبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة تتضمن إساءة لفظيّة للائتلاف وأعضائه وتهديدهم بوجوب انتخاب هادي البحرة رئيساً له ’’بالصرماية‘‘، وعلى إثرها خرجت مظاهرات في المنطقة المحررة وأقيمت اعتصامات ضد رئيس الحكومة وهادي البحرة ودفع الغضب ببعضهم لاقتحام مقرّ الائتلاف في مدينة اعزاز وإغلاقه، الأمر الذي استدعى الهيئة السياسيّة في الائتلاف لتشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة القاضي العسكري عبد الحميد الحمادة وعضويّة كلٍ من الدكتور إسماعيل الخلفان والمحامي محمد صالح النجم للبت بصحة المعلومات. والتي أثارت أيضاً موجة من السخط والرفض والاستنكار والطعن بقانونيّتها، وذهب آخرون للطعن في نزاهة أعضائها، وقد أصبحت القضيّة قضيّة رأي عام وقد وردتنا عدة رسائل تطلب بيان الرأي القانوني حول تشكيل هذه اللجنة.

وانطلاقاً من قناعتي بأنّ إبداء المشورة واجب وأنّ المستشار أمين مؤتمن ومن حُسن أداء أمانته ألّا يشير بغير الحقّ والصواب ولا يزيّن الباطل والضلال.

ومع تقديري واحترامي للسادة أعضاء اللجنة والذين لن نتطرّق لأشخاصهم في هذه المذكّرة فهم اهل ثقة ونزاهة وبعد اطلاعنا على:

تصريحات السيد نصر الحريري ومذكّرة اعتراضه على تشكيلة اللجنة وطلبه ردّ اللجنة المقدّم اليها والتي قامت بدورها بردّه والبدء في استجوابه عبر ارسال مذكّرة دعوة للمثول أمامها في الموعد المحدّد تحت طائلة تثبيت الغياب والسير بالتحقيق بالصورة الغيابيّة بحقّه.

وعلى حيثيّات قرار تشكيل اللجنة الصادر بتاريخ 2023/9/21 الصادر عن الهيئة السياسيّة الذي تم الاستناد الى النظام الأساسي للائتلاف الذي سمّى أعضاء اللجنة وحدّد مهمتها بالتحقيق في واقعة محدّدة وهي واقعة ادعاء السيد نصر الحريري على السيد عبد الرحمن مصطفى فقط كما حدّد القرار مدة عمل اللجنة بعشرة أيام قابلة للتمديد مرّة واحدة، كما حدّد صلاحياتها بتوجيه الأسئلة لكل أعضاء الائتلاف على مختلف مستوياتهم الوظيفية والقياديّة وعدم التدخّل في عمل اللجنة من قبل أيٍّ كان، كما أكّد القرار على نيّة الائتلاف بنشر نتائج التقرير مع العقوبات التي سيفرضها على المسؤول عن هذه الازمة.

وعلى قرار اللجنة بردّ طلب ردّها المًقدّم من السيد نصر الحريري الموقّع من قبل القاضي عبد الحميد الحماده بصفته ’’رئيس اللجنة القضائيّة‘‘ وممهورة بخاتم لجنة التحقيق القضائيّة المستقلّة – الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.

وتصريحات عدد من الشخصيّات المعارضة والتي كانت تشغل مراكز قياديّة في الائتلاف وعلى النظام الأساسي للائتلاف نرى أنّ اللجنة غير شرعيّة من حيث:

أولاً: من حيث السند القانوني: فقد صدر قرار تشكيل اللجنة عن الهيئة السياسيّة وليس عن الهيئة العامة للائتلاف مما يجعله غير ذي سند قانوني لمخالفاته أحكام الفقرات ’’6 و7 و9‘‘ من المادة ’’11‘‘ من النظام الداخلي والتي حصرت تشكيل اللجان بالهيئة العامة للائتلاف الصلاحيات التاليّة حيث نصّت على أنّ: الرقابة والإشراف على عمل كافة المؤسسات والهيئات التي يشكلها الائتلاف، ولها الحق في إبطال القرارات المخالفة للصالحيات الممنوحة لهم وفق النظام الأساسي، ومحاسبة أي من أعضاء الائتلاف ومساءلتهم من خلال لجنة تشكل لكل واقعة. وإنهاء عضوية من أعضاء الائتلاف عند إخلاله بشروط عضويته، بناء على تقرير لجنة المساءلة والمحاسبة والتي تشكل لهذا الخصوص، وذلك في اجتماع قانوني للهيئة العامة بموافقة الأغلبية المطلقة وتكلَّف الجهة ’’إن وجدِت‘‘ التي رشحت العضو الذي حجبت الثقة عنه بترشيح عضو بديل عنه.

ثانياً: من حيث طبيعة العمل: من الخطأ تسميّة اللجنة باللجنة القضائيّة المستقلّة فهي ليست لجنة قضائيّة من حيث الصلاحيّات ولا من حيث المهام الموكلة لها، فاللجان القضائيّة تنظر في المخالفات القانونيّة التي تعتبر جريمة بنصّ القانون، والنظر في هذه القضايا ليس من اختصاص اللجان أصلاً بوجود وزارة عدل ومحاكم تابعة للحكومة المؤقّتة التي ترتبط بالائتلاف التي من صلاحياتها القانونيّة البحث والتحقيق في أي جريمة تظهر أثناء التحقيق وهذا يتناقض مع الصلاحيات الممنوحة للّجنة، لذا فمن الصواب الإبقاء على تسميّتها بـ ’’لجنة تقصّي حقائق‘‘ باعتبارها مكلّفة بمهمة واحدة ولمرّة واحدة وفي زمن مُحدّد وليس لها صلاحيّة تقرير المسؤوليّة ولا فرض العقوبة وانما يقتصر دورها على اخذ الافادات واستماع الشهود وتقديم تقرير بالنتائج الى الائتلاف ليقرّر اتخاذ الإجراءات القانونيّة.

ثالثاً: من حيث الشفافيّة: اللجان القضائيّة ويقصد بها المحاكم وفقاً للأعراف القانونيّة يُنظِّم احكامها قانون السلطة القضائيّة والذي يوجب تمتّعها بالاستقلالية والحياديّة وعدم تبعيّتها أو ارتباطها بالسلطة التنفيذيّة ارتباطاً يفقدها استقلاها وحياديّتها وهذه هي المعايير القانونيّة لتشكيل المحاكم ودوائر النيابات العامة، وهي تختلف اختلافا جذريّاً عن لجان الرقابة والمحاسبة الإداريّة الداخليّة في المؤسسات والشركات العامّة والخاصّة والتي يحكمها قانون الإدارة العامة، وبناءً عليه نجد بأنّ اللجنة المذكورة أعلاه هي لجنة غير مستقّلة استقلالاً تامّاً فهي لجنة مختلطة يرأسها قاضٍ يعمل في المحاكم التابعة للحكومة المؤقّتة وعضوين مستقلّين، كما يدّل الخاتم الرسميّ للّجنة أنّها تتبع الائتلاف.

رابعاً: من حيث ولاية وصلاحيّات اللجنة: اللجنة ليس لها ولاية قانونيّة أو صلاحيّات البحث والتحقيق في أي قضيّة غير قضيّة الادعاء بحق السيد عبد الرحمن مصطفى وفي واقعة ’’الإساءة اللفظيّة‘‘ فقط دون منحها الحق بالتحقيق بالاتهامات الخطيرة التي وجّهها السيد نصر الحريري وغيره من أعضاء الائتلاف والفريق المنشّق عن الاتلاف المعروف بـ’’تيّار الإصلاح‘‘ الذي يقوده السيد أحمد رمضان والتي تصل بعضها إلى درجة الجريمة، وبالتالي فإن هذه اللجنة غير ذات ولاية قضائيّة ولا ولاية محاسبة ويقتصر عملها في الواقعة المحدّدة.

وبناءً على ما سبق نقترح في حال توّفر الإرادة الحقيقيّة لقيادة الائتلاف للرقابة والمحاسبة، وبعد تعطيل عمل اللجنة القانونيّة وغياب لجان الرقابة والمحاسبة المستقلّة والدائمة، إنشاء هيئة الرقابة والمحاسبة المستقلة إداريّاً وماليّا كإحدى مؤسسات الثورة والمعارضة يوضع لها نظام داخلي يتضمّن شروط ومعايير انتقاء واختيار أعضائها وصلاحيّاتها والية عملها وآلية تنفيذ قرارتها، من قِبل خبراء القانون والإدارة والسياسية والعسكر باعتبار أن الائتلاف تجمّع سياسي حزبي عسكري مجتمع مدني وبالتالي فإن المخالفات التي قد تقع ذات طابع سياسي أو عسكري أو قانوني أو إداري.

وأخيراً نتمنّى أن تتوّفر لدى مكونات وأعضاء الائتلاف كافة الإرادة الحقيقية في إصلاح هذه المؤسسة، والجرأة والشجاعة في قبول المراجعة والمحاسبة، والرضى بقبول نتائج أي عمليات تحقيق أو تقصيّ حقائق والالتزام بتنفيذ أي عقوبات تطال أعضاء الائتلاف المستقلين أو الأعضاء الممثلين لكيانات الائتلاف.

1 تعليق
  1. محمد غياث مارتيني says

    شكراً أستاذ عبد الناصر .. أوجزت و أفهمت

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني