أثبتت المرأة قدرتها وشراكتها الحقيقية في صناعة السلام، وهي تسعى نحو مستقبل جديد، من هنا يقع العبء الأكبر على النساء في حماية الأطفال، ومتابعة الحياة، وتأمين حياة آمنة وكريمة لعائلاتهن في أتون الفتن والنزاعات، هذه النزاعات والحروب تدفع المرأة الثمن الأكبر فيها، في وقت تكون النساء هنّ من يصنع السلام. وهنّ الأكثر تضرّراً من عواقب الصراعات. وهذا يجعلهنّ أكثر استثماراً في تحقيق ونشر السلام. وبالرغم من كل الظروف التي مرّت بها المرأة السورية، فقد أظهرت قدرات هائلة في مواجهة التحديات والقدرة على الوجود والاستجابة في ظل ظروف صعبة.
بناءً على هذه الرؤية، أقامت منظمة ديمقراطيات سوريات ندوة حوارية شاركت بها الدكتورة عفراء جلبي الباحثة في الأديان المقارنة، والسيدات شذى الفرحان من الحسكة، وزينة الأطرش من السويداء، كما شاركت في الندوة ليليان الخوري من وادي النصارى، وأدارت الندوة الإعلامية جيهان الخلف.
عفراء الجلبي
في بداية اللقاء، تحدثت جلبي عن دور المرأة بالإشارة إلى الدراسات الجديدة، التي تُظهر علاقة وجود المرأة في المجال العام والسياسي وانخفاض النزاعات المسلحة أو الجنوح للعنف. تقول الجلبي: يمكننا الحديث عن إشكالية الفرقة، وعن أجواء الحرب، وأن العنف والخوف لا يظهر حقيقة مجتمعاتنا، بل يشوّه الإنسان والعلاقات، وأن ظروف السلام والرخاء الاقتصادي والحرية السياسية، هي التي تُظهر حقيقة الإنسان، وتساعده على الإبداع، ولذلك، نحن فعلنا بأنفسنا ما لا نعرفه، كذلك لن نعرف قدراتنا الحضارية، وقدرتنا على الإنتاج العلمي والأدبي، والازدهار الفعلي، حتى نخلق سياقاً، يتشارك فيه الجميع، في صناعة قدرهم في ظروف آمنة، تخلق فرصاً لهم. ولهذا المرأة لها دور رئيس في توسيع إمكانات الخروج من مأزق الاستبداد وتوسيع رقع الأمان والمساواة في المجتمع.
شذى الفرحان
أما شذا الفرحان فقالت: في محافظة الحسكة، التعددية الدينية، والطائفية، هي الوضع الطبيعي، في منطقةٍ تعايشَ فيها الناس لفترات طويلة، واستطاعوا خلق مجتمعات تعتمد على التعايش والتواصل. قبل الحرب كان هناك دائماً مبادرات وتواصلات بين الجماعات المختلفة، وكان هناك حرص على هذا التعايش المشترك وخلق صلات طيبة. ولكن بعد الحرب تغيرت هذه العلاقات وصار فيها توتر، وخاصة أنه حدث تهجير للكثير من الناس وبالأخص الأقليات المسيحية. ولهذا يمكن القول بأن الكثير من العادات والتواصل والوئام اختفى بعد الحرب. ويمكن فهم هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المشكلة لم تكن في الناس المحليين، ولكن تزايد التوتر بعد وصول جهات غير سورية للقتال على الأراضي السورية، وعسكرة الحراك، أدى لقلب العديد من الموازين.
قدمت ليليان فكرة أنه ممكن النظر للقيم المشتركة في الأديان والطوائف والتي تتمركز حول القيم الإنسانية من تعاضد وتعاون. استشهدت بمفاهيم الضيافة في محافظة السويداء وكيف يبقي الأهالي دائماً مكاناً للزائر في بيت كل منهم، استعداداً للترحيب بأي غريب، وكيف تم استعمال هذه العادة في الترحيب بالنازحين من مناطق أخرى وإدماجهم في السكن مع الأهالي كبديل عن فكرة الخيمة. وكان للمرأة والشباب الريادة في هذا، حيث قام العديد من الشباب والشابات بإعادة تأهيل بعض أماكن ومنشآت لاستقبال القادمين الجدد لتأمين أماكن جيدة لهم. وأيضاً تحدثت عن مبادرة مجموعة من المطاعم لإطعام الأطفال المتسولين والمحتاجين. ولم ننس اندفاع الشبّاب والشّابات للعمل وحماسهم بالرغم من أنه تطوعي بدون أجر.
تضيف زينة: علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الآلام مشتركة وعميقة. والصعوبات التي يواجهها السوريون الآن تحد من إمكانية المبادرات والتفكر في التواصل. فالضغط الاقتصادي يجعل أولويات البقاء والحفاظ على اللقمة على قائمة الحاجات. والناس فعلاً معصورة. حتى داخل الجماعة الواحدة أو الدين الواحد أو الطائفة الواحدة، قلت كثيراً حالة التواصل. مع الضغط الاقتصادي الخانق صار “ما حدا لحدا” وبالكاد يتدبر الناس أمورهم الأساسية. فالوجع أصاب الجميع، وقيد كثيراً من الإمكانات الفردية والاجتماعية. ويمكن فهم الطائفية أو التباعد في ظل هذه الظروف الصعبة، لأنه مع الضغوط الشديدة تكثر التحزبات ويظهر التفكير الطائفي الذي لم يكن موجوداً قبل هذه المصاعب، ما يدل على أن الظروف الاقتصادية لها دور كبير في تقوقع الناس على أنفسهم وانتشار أفكار الفرقة والتباعد، ونوازع النفور بين الناس حتى في اللاوعي في ظل هذه الظروف.
بالعودة الى الدكتورة جلبي: كيف يمكن أن نفهم دور المرأة في صناعة السلام، والتحول الديمقراطي والإصلاح الديني؟
تكلّمت السيدة عفراء عن الشباب الذين ليس لديهم عائلات، ليست لديهم القدرة على استثمار السّلام كباقي الشّباب، لا يجوز أن يكون تفكيرنا بالنساء نمطياً ومن المهم جداً أن يكون للمرأة دور في صناعة السّلام وعندما تدخل المرأة السياسّة، تتيح فرصاً غابت عن أذهان الكثيرين، كقضيّة أصحاب الاحتياجات الخاصّة والكثير الكثير.
ما أهمية قانون الأمم المتحدة 1325 الذي يركز على محورية دور المرأة في صناعة السلام وإيقاف النزاعات المسلحة والتحول السياسي؟
قالت جلبي: إن القرار 1325 الذي يؤكد على أن (المرأة عنصر فاعل للسلام) هو قرارٌ ظهرت فكرته عندما عقد أول مؤتمر في لاهاي عام 1917 ، وقد ضم حوالي 1000 امرأة ، وكان يدعو لإنهاء النزاعات التي غالباً ما تكون معظم ضحاياها من النساء والأطفال الذين يعدون أكثر تأثراً بالحروب والنزاعات وإنه يعالج وضع المرأة أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، وهي ظروف دقيقة يمر بها عالمنا المعاصر اليوم وتؤثر مجرياتها على السلم الاجتماعي الذي تعد المرأة أحد أهم عناصره، من هنا أتت أهمية هذا القرار رغم جهل الكثير به وخاصة النساء.
أضافت الأطرش: علينا أن نفكر بالمفاهيم والقيم التي ساعدت أهالي منطقة السويداء في استقبال الغرباء وإيجاد المأوى الكريم لهم. لماذا استطاع الناس في السويداء أن يقوموا بمثل هذه المبادرات؟ ولم يشعر الناس القادمين إلى المنطقة بالأمان؟ وما هي عواقب هذه اللقاءات الجديدة على المجتمع السوري.
كما قدمت ليليان وشذا مقارنة حول كيفية تفريق الحرب للناس، كما أنها يمكن أن تجمعهم.
في السويداء قالت ليليان: كان المجتمع منكفئاً على نفسه، ولكن مع التحديات والتهجير والنزوح واستقبال قادمين جدد إلى مناطقهم حدث نوع من الانفتاح على الآخر والتعاضد معه، بينما في الحسكة بينت شذا كيف ساهمت الحرب في تغيير المجتمع التعددي الذي كان متعايشاً لفترات طويلة.
وتحدثت الفرحان، عن مدينة الحسكة وتنوعها العرقي والدّيني وتعايشها السّلمي وأشارت إلى وجود طريقة عيش في الحسكة غير مرتبطة بالسّلطة وتذكر جيرانها من طوائف مختلفة كيف وقفوا معهم وقفة لهفة وإنسانيّة في وفاة أقربائها، وتضيف شذا: أسست والدتي مؤسّسة خيرية لتطوير الخبرات مع مجموعة من السيدات ولم يكن ينظرن إلى أي اختلاف عرقي وديني كما ذكرت اسم العم جورج الذي كان يعتبرها بمثابة ابنته، لكن للأسف تحوّلت المدينة إلى مشروع سياسي عسكري.
وختمت الفرحان حديثها بصرخة “أعيدوا مدينتي كما كانت فهي أغلى ما لدينا”.
واختتمت عفراء بأن كل مكان لا يؤنّث لا يعوّل عليه ويكون خارج الإطار النمّطي ويجب أن يكون هناك حركة نسوية خارج الإطار النّمطي، الصوّرة التي تكرّسها الأديان عن المرأة صورة ذكورية الدين لا يصنع الحروب، لكن الخلافات الدّينية تخلق وقت الأزمات، الحروب لا تظهر حقيقة البشر إنّما تشوّهها. يجب علينا فهم العناصر الّتي تعيد السّلام إلى بلدنا والسّياسة أمر مصيري تعيد الاستقرار للجميع وستكون النساء رائدات في هذا المجال ويتحمّلن المسؤولية.
أضافت الخوري في نهاية الندوة: لا يمكن لمجتمع أن يتطوّر إلا إن كانت المرأة فيه هي الأساس. ونحن هنا بكل محبة وسرور لنشارك تجاربنا.
وكميّة النساء اللواتي عملن في زمن الحرب كمتطوّعات كبير جداً وكان هدف العمل نجدة المحتاج مهما كان دينه وعرقه ونحن السّوريون كلّنا واحد لكن الضغط الاقتصادي يجعل أمر تدبير يوم المعيشة واللّقمة من أولويّات الحاجات وبالتالي يشكل هذا الضغط عاملاً نفسياً ودافعاً للتصرف بعنف كما تقول ليليان.
وتحدثت شذى عن مشروع وتجربة تعمل بها مع زميلاتها أطلقن عليه “نبذ الطّائفية”.
فكرة المشروع أتت من تقّبل الآخر وتقبّل الاختلاف هذا الاختلاف هو ما جمعنا، يشارك بهذا المشروع مجموعة من السيدات الملونات كما يحببن أن يطلق عليهن بسبب تنوعهن الطائفي والإثني والعرقي.
وفي نهاية الندوة تركت المشاركات هذه الكلمات “صناعة السّلام ليست مستحيلة وليست عملاً مثالياً. هو عالم جديد تحكمه اللّغة والبساطة وتقع علينا جميعاً مسؤولية خلق صفحة جديدة لسوريا ونحن كصانعي سلام نحتاج أن نشخّص أمراضنا، ونتحلّى بروح المبادرة. والمعجزة، هي القدرة على البدايات الجديدة، والقدرة على صناعة مستقبل جديد وكما قال الله تعالى: (إن الله لا يغّير ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم) وعندما يتصالح الإنسان مع التّعددات التّي بداخله يستطيع أن يتقبّل التّعدد الخارجي وأمّا الوحدانية لله فقط وصناعة السّلام هي الطّريقة العملية لمعالجة المشكلات وعندما نعرف التّعدد الفكري نعرف الحرص على الآخرين.