دور المرأة في القيادة السياسية والمجتمعية ومساحته
لعبت المرأةُ منذ الأزل دوراً محورياً كبيراً في نهضة المجتمعات، وأثبتت قدرتها على التغيير فيها، عبر حضورها في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على أخذ أدوار متنوعة إضافة إلى دورها في بناء أسرتها ورعايتها.
الوقوف إلى جانب الرجل ومساندتها له يدل على كونها عنصراً أساسياً في المجتمع لإحداث عملية التغيير، وهذا ما أثبتته المرأة السورية، وخاصة بعد سنوات الحرب.
ولكن المرأة لم تكتف بالوقوف إلى جانب الرجل وتحديداً في خضم الثورة السورية التي تفجّرت في آذار عام 2011، حيث عملت المرأة على لعب أدوارٍ قيادية في المعترك السياسي والاجتماعي السوري. في هذا الجانب كتبت مرح البقاعي في موقع الجزيرة عن (المرأة والقيادة) بتاريخ 22/9/2013 ما يلي: “لا بدّ أن تصحب الثورات السياسية بأخرى ثقافية تنقلب على الواقع السلطوي، وعلى مثبطات الحراك الثوري، وفي مقدمتها تغييب المرأة عن المواجهة”.
هذا الكلام كان في بداية الثورة وهو يكشف عن وعي النساء السورية لعملية تغيير الواقع بأدوات ثورية تساهم فيها المرأة السورية.
لكنّ غالية الرحال وهي عضوة الهيئة التأسيسية للحركة السياسية فتقول رأيها حول علاقة المرأة بالسياسة النسوية، وقد نشرت في موقع syriauntold.com وذلك بتاريخ الثالث والعشرين من كانون الأول/ديسمبر العام 2018 : “السياسة كالسحر، يتوجب تعلمه دون العمل به، تحسّباً لضياع حقوق المرأة في أروقة التسويات السياسية، فلا بدّ من الاطلاع عمن يفاوض على الحقوق”.
إن التطور المجتمعي يحتاج إلى انخراط المرأة بالشأن العام، وفي ذلك ضرورة تحتاج إلى ما نطلق عليه تمكين المرأة، أي خلق وعي لدى المرأة بالسياسة والشأن العام، وكذلك تحفيزهن للعب دور قيادي في الحياة السياسية والاجتماعية، في هذا الاتجاه كتبت نبراس إبراهيم في موقع مركز دراسات حرمون بتاريخ 30/7/2020 : “تطرح مشكلة تمكين المرأة السورية ومنحها دوراً قيادياً سياسياً نفسها بقوة على الحل السياسي، وتحتلّ حيّزاً مهماً من نقاشات التيارات السياسية والثقافية السورية المعارضة، كما تأخذ نصيباً كبيراً من كل الاجتماعات الدولية التي تبحث الشأن السوري حاضراً ومستقبلاً”.
إن ما قدمته المرأة السورية على صعيد لعب دور قائدة سياسية قدّرته الأمم المتحدة في مادة نشرها موقعها بتاريخ الخامس من آذار مارس 2021، وجاءت المادة بعنوان (المرأة السورية قائدة نحو سوريا سلمية).
هذا اعتراف صريح من هيئة الأمم المتحدة بما لعبته المرأة السورية في معترك الثورة، فقد جاء في نشرة الأمم المتحدة: “تواصل المرأة السورية ممارسة أدوار قيادية في جميع أنحاء البلاد، وفي العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لقد قدمت مساهمات حيوية في المساعدات الإنسانية وجهود صنع السلام، والرعاية الصحيّة والتعليم، حيث عملت كمعيلة لأسرتها، ومستجيبة إنسانية أولية، وقائدة في مخيمات النزوح، وبانية للسلام”.
أما في “تركيا”، وفي الجانب السياسي، انخرطت المرأة السورية بالنشاط السياسي بصورة عامة، والتحقت نساء عديدات بحركات وأحزاب سياسية تشكّلت في خضم الثورة السورية مثل تيار الكتلة الوطنية الديمقراطية، وحزب أحرار (الحزب الليبرالي السوري)، كما أنها شاركت فيزيائياً في أطر ومؤسسات المعارضة مثل الائتلاف الوطني السوري، وهيئة المفاوضات السورية، إضافة إلى دورها في الحكومة المؤقتة، حيث ضمت هذه الحكومة في وقت ما وزيرة.
تقول السيدة إيمان سليمان وهي عضو في المجلس المركزي للكتلة الوطنية الديمقراطية: “حقيقة كان للمرأة دور فعّال في السنوات الماضية في الحراك السياسي، وهي لا تزال مستمرةً تثبت وجودها في الساحة السياسية، وهذا يتمّ من خلال التمكين السياسي الذي تتلقاه سواء من الكتلة الوطنية أو ممن يهتمون بالشأن السياسي، إلا أن العائق الذي يواجهها دائماً هو العادات والتقاليد الاجتماعية، فالمجتمع الشرقي يرفض هذا الموضوع، المرأة حالياً تحدّت كل الصعوبات، واستطاعت إثبات وجودها السياسي”.
أما السيدة هناء صبحي الهنداوي وهي ناشطة سياسية فتقول: “شاركت المرأة منذ القديم في عدة مجالات، وأهمها المجال السياسي، وكانت تمثّل القاعدة الشعبية، وحرصت من خلال أنشطتها أن تصل إلى المجتمع بكافة مجالاته، وهي جزء من الحراك الوطني وتملك حرية القرار، وهي تتطلع دائماً إلى الخوض في مجال السياسة، وهي تتطلع لبناء دولة مدنية ديمقراطية تسودها حرية الفكر والدين والعقيدة”.
هذان الرأيان لسيدتين تنشطان في المجال السياسي إنما تعكسان إصرار المرأة على مشاركة الرجل بصنع المستقبل من خلال شراكتها في صنع القرار السياسي.
لكن المرأة السورية عموماً بقيت تنشط في منظمات المجتمع المدني في تركيا، والتي تشمل على تمكين المرأة في جوانب مختلفة مثل التمكين السياسي، والتمكين القانوني، والتمكين الاقتصادي، وغير ذلك من الورشات والندوات ذات الطابع النسوي.
المرأة السورية اختارت أن تشكّل ذراعها السياسي، الذي يعبّر عن حقوقها وفق لائحة حقوق الانسان ووفق مفهوم النوع الاجتماعي الجندري، بحيث بدأت حركتها المسماة الحركة السياسية النسوية تؤثر على جمهور واسع من النساء في تركيا التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون من السوريين.
لكن المرأة السورية في تركيا انشغلت أكثر بهموم الحياة اليومية لأسرتها أو عائلتها، سيما بعد فقد المعيل لنسبة جيدة من النساء، مما اضطرهن رغم الظروف والتحديات للعمل وإعالة أسرتها، وتقوم بدور الأم والأب، لتعمل وتتابع دراسة أولادها، وتأخذ دورها في مجتمعها، وتدافع عن حقوقها بكل جدارة.
ويبين الاستطلاع التالي رغبة النساء على المشاركة في نشاطات وبرامج مجتمعية..
التقينا مع السيدة رولا محمد وهي سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها، فقدت زوجها وأحد أولادها فتقول تعبت كثيراً بسبب الظروف التي مررت بها وهي فقدان زوجي ووطني. وبيتي الذي دُمّر في سورية، فقررت اللجوء إلى تركيا، وبدأت مرحلة جديدة لتربية أولادي الثلاثة، عملت في أحد المعامل، لكن واجهت صعوبة كبيرة بهذا العمل في ظل غيابي وقت طويل عن اولادي الصغار الذين يحتاجونني كثيراً، لكن بتواصلي مع السيدة وداد، والتي استضافتني في منظمة نساء الغد وشرحت لها وضعي ساعدتني بالحصول على عمل من داخل منزلي، فهناك سيدات رائعات لهن أدوار جيدة في بلد اللجوء هنا، دائماُ نتوجه اليهم المساعدة بتوجيهنا للمكان للمناسب وقد قدمت لي نصائح مهمة وكان لها الدور الكبير في توجيهي للمكان المناسب،
وقد تبين من خلال الاستبيان التالي الأولويات التي تراها النساء أكثر أهمية بالنسبة لهن وتساعدهن على متابعة حياتهن بشكل جيد..
السيدة تهاني الزيات وهي إحدى السيدات اللواتي عملن مع عدة منظمات سورية وتركية كمدربة في القيادة المجتمعية لتساعد الأسر السورية وخاصة النساء، فقد عملت على دمجهن بسوق العمل ومساعدتهن بالتمكين الحقوقي والاقتصادي عبر عدة برامج.
تقول تهاني، فكان يتبيّن لنا من خلال التقييم النهائي الذي كنا نجريه إن أغلب النساء يتكلمن عن زيادة الثقة بأنفسهن، وتوعية بحقوقهن وواجباتهن، ومن هذا المنطلق أصبحن يدافعن عن آرائهن وأفكارهن، التي كنّ يخفن ان تكون غير صحيحة، فأصبحن يفكرن أكثر في المجال الأسري والمجتمعي، ومن خلال الاستبيان التالي معنا نسبة مشاركة النساء في برامج سابقة تهمهن.
ومن خلال لقاء مع الآنسة عائشة العبيد وهي طالبة جامعية في ولاية قونية وكان لها بصمة في العمل المجتمعي مع شبكة شباب التغيير.
تقول عائشة: ما نراه الآن من الأمور المهمة هو مناهضة التمييز والعنف ضد النساء والفتيات، القائمة من قبل، و تزايد حدة مخاطر انتهاكات حقوقهن الإنسانية الآن، فالعنف الجنسي والجنساني، وبشكل خاص في المجتمعات الخارجة من حالات النزاع، بسبب انهيار سيادة القانون وتواجد السلاح، وانهيار الهياكل، الاجتماعية، والعائلية، كما رأينا في مرحلة من مراحل سيطرة الفصائل في سورية من “تطبيع” للعنف الجنساني كعنصر إضافي آخر للتمييز القائم ضد النساء .فمن هذه الضرورة انطلقنا للعمل مع السيدات لمعرفة حقوقهن وواجباتهن من خلال برامج عديدة بالتنسيق مع عدة منظمات حقوقية بمشاركة حقوقيين سوريين وأتراك للوصول بالمرأة الى المكانة الحقيقية لها في مجتمعها لأنها الركيزة الأساسية للأسرة والمجتمع لإتمام إدارتها بالشكل الصحيح.
رغم أن القرن التاسع عشر شهد بداية تأسيس حركة المرأة، لكن الحركة النسوية بدأت خلال القرن العشرين، وأصبح يوم الثامن من آذار/مارس يوماً عالمياً للمرأة، ذلك اليوم الذي حققت فيه النساء العاملات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1857 حياة أكثر إنسانية بعد العنف الذي تعرضن له، وعدم المساواة والتمييز والقتل العشوائي، والتعذيب والعنف الجنسي، والزواج القسري. وشروط العمل الطويلة للمرأة، والشروط غير الإنسانية، فهذا اليوم المميز يحتفل العالم به، بأغلب دوله منذ عام 1985، كونه يوم السلام العالمي للمرأة، وفي عام 1977 حصلت المرأة على حقوق أكثر، لتعزز من شأن السلام في العالم، هكذا بدأ الاحتفال بالثامن من آذار/مارس “كيومٍ عالمي للمرأة” فقد حصلت النساء على الرعاية الصحية، بما فيها، خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، والحقوقية، والسياسية، وغيرها من حقوق للمرأة.
وفي عام 2000 اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، والذي يدعو إلى زيادة مشاركة المرأة وإدماج المنظور الجنساني في كل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في سبيل تحقيق السلام والأمن، وذلك من خلال مشاركة المرأة في عمليات اتخاذ القرار والسلام.
أما في حالات النزاع، يتزايد بشدة العنف الجنسي والجنساني في المجتمعات، بسبب الانهيار العام لسيادة القانون وتوافر الأسلحة الصغيرة وانهيار الهياكل الاجتماعية والعائلية و”تطبيع” العنف الجنساني كعنصر إضافي للتمييز القائم من قبل. ويتفاقم أيضاً الاتجار أثناء حالات النزاع وبعد انتهائها، وذلك بسبب انهيار الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع مستويات العنف، واشتداد النزعة العسكرية، فيتأثرن تأثراً غير متناسب من جراء فقدان سبل كسب الرزق أثناء تشريدهن. وقد لا يكون بمقدورهن، ممارسة سبل كسب رزقهن بسبب فقدانهن الأراضي والأملاك. وفقدانهن المسكن والأرض، يمكن أيضاً أن يؤثر بشكل غير متناسب، على النساء، وعدم تكافؤ فرص، الحصول على المساعدة والتعليم والتدريب، ورغم كل ذلك الألم، فالنساء الرائعات قائدات المجتمع، لا زلن يؤدين، دورهن، بوصفهن جزءً من المجتمع المدني المنظم ومدافعات عن حقوق الإنسان، وكأعضاء في حركات المقاومة، وعناصر فاعلات، في عمليات بناء السلام. ويمكن اعتبار حالات الإصلاحات ما بعد النزاع فرصة لإحداث تحول في الهياكل، والمعايير المجتمعية القائمة منذ ما قبل نشوب النزاع، بغية ضمان زيادة لتتمتع المرأة بكامل حقوقها من خلال التراتبية التي تنظمها هؤلاء النساء.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”
احسنتم النشر
مهم جدا موضوع المرأة والاهتمام بكل التفاصيل
مهم جدا موضوع المرأة والاهتمام بكل التفاصيل