fbpx

دور المجتمع المدني في تعزيز الاصطفافات القومية والمناطقية والقبلية: ضرورة الالتزام بالحيادية والإنسانية

0 53

تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً محورياً في بناء المجتمعات وتعزيز التنمية المستدامة. فهي تمثل ركيزة أساسية للتماسك المجتمعي وتقديم حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفقاً لتقرير الأمم المتحدة عن أهداف التنمية المستدامة لعام 2022، تعد منظمات المجتمع المدني شريكاً رئيسياً في تحقيق هذه الأهداف، بفضل قدرتها على تمكين الأفراد وتعزيز الوعي المجتمعي، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر شمولاً واستدامة.

ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات تحديات كبيرة في المجتمعات التي تعاني من الصراعات والانقسامات، حيث قد تنخرط بعض المنظمات في اصطفافات قومية أو مناطقية أو قبلية، ما يهدد وحدة المجتمع بدلاً من تعزيزها.

المجتمع المدني: أداة للتماسك أم عامل للانقسام؟

تُفترض أن تكون منظمات المجتمع المدني جسراً يربط بين مكونات المجتمع المختلفة دون تمييز. ومع ذلك، يمكن أن تتأثر هذه المنظمات بعوامل خارجية، مثل الضغوط السياسية أو التمويل المشروط، ما يدفعها إلى التحيز لفئات أو مناطق معينة. عندما يحدث ذلك، تتحول هذه المنظمات إلى أدوات تعزز الانقسام بدلاً من تحقيق الوحدة.

الالتزام بالحيادية يُعد شرطاً جوهرياً لنجاح العمل المدني. يشير الباحث مايكل إدواردز في كتابه “المجتمع المدني ” إلى أن الحيادية هي العمود الفقري لأي منظمة مدنية فعّالة، حيث يتيح لها العمل في بيئات معقدة دون أن تفاقم التوترات الاجتماعية (إدواردز، 2014). وعندما تفتقد المنظمات هذا المبدأ، فإنها تساهم في تعميق الانقسامات، ما يؤدي إلى تهديد وحدة المجتمع واستقراره.

الحيادية: حجر الأساس للعمل المدني

الحيادية ليست خياراً استراتيجياً فحسب، بل ضرورة لضمان استقلالية منظمات المجتمع المدني وفعالية خدماتها. الالتزام بالحياد يضمن تقديم الخدمات بشكل عادل ومتوازن لجميع فئات المجتمع، بغض النظر عن الانتماءات القومية أو الدينية أو الجغرافية.

وفقاً لتقرير البنك الدولي حول النزاعات الاجتماعية (2018)، فإن تسييس منظمات المجتمع المدني أو انحيازها يعمّق الانقسامات المجتمعية ويعيق جهود بناء السلام. بالمقابل، عندما تحافظ المنظمات على حيادها، فإنها تسهم في تقليل الفجوات الاجتماعية وتعزيز الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة، مما يجعلها أداة فعالة لتحقيق الاستقرار.

الإدانة الشاملة: شرط لتحقيق العدالة

تشدد الباحثة ريبيكا سولنيت في كتابها “منظمات المجتمع المدني” على أن الإدانة الانتقائية للانتهاكات تُضعف مصداقية العمل المدني وتؤثر على ثقة المجتمع في عدالة المنظمات (سولنيت، 2019). لذا، من الضروري أن تلتزم منظمات المجتمع المدني بسياسة إدانة شاملة لكل أشكال الانتهاكات، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عنها.

الإدانة الانتقائية تعزز الانقسامات المجتمعية، بينما تُرسّخ الإدانة الشاملة مفاهيم العدالة والمساواة، ما يعيد الثقة إلى العمل المدني ويؤكد على مبادئ المواطنة المتساوية. العدالة الحقيقية لا تتجزأ؛ لذا يجب على المنظمات رفض جميع أشكال الانتهاكات والعمل على مناصرة القضايا الإنسانية دون تحيز.

التحديات والفرص أمام المجتمع المدني

تشير دراسة أجرتها جامعة هارفارد بعنوان: “Inclusive Peace: The Role of Local Civil Society”والتي نُشرت في عام (2021) إلى أن المنظمات التي تتبنى مبادئ الحيادية والشمولية تمتلك قدرة أكبر على بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وتعزيز السلام الاجتماعي. ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات تحديات جسيمة، أبرزها الضغوط السياسية والتمويل الموجه، مما قد يُفقدها استقلاليتها.

لكن رغم هذه التحديات، هناك فرص حقيقية لإعادة صياغة استراتيجيات العمل المدني من خلال:

  1. تطوير أدوات العمل المدني: بالتركيز على تقديم خدمات عادلة ومتوازنة.
  2. تعزيز الحيادية: للحد من تأثير الانقسامات المجتمعية.
  3. الاستقلالية: بالاعتماد على مصادر تمويل شفافة وغير مشروطة.

عبر هذه المبادرات، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تتحول إلى أداة فعالة في تخفيف التوترات وبناء أسس السلام المستدام.

الخاتمة

تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني مسؤولية كبيرة في أن تكون نموذجاً للعمل النزيه والمتوازن، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الانقسامات القومية والمناطقية والقبلية. الحيادية ليست مجرد شعار، بل ضرورة تضمن لهذه المنظمات المصداقية والاستقلالية.

من خلال الالتزام بالحيادية والإنسانية، وتبني سياسات شاملة للإدانة، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تسهم في بناء مجتمعات متماسكة تعزز العدالة والسلام. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج المجتمعات المنقسمة إلى هذه المنظمات لتكون قوة موحدة، تعمل على تعزيز الاستقرار وإرساء مفاهيم المواطنة الحقيقية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني