fbpx

دعاة حقوق أم دُعاةُ فجورٍ؟!

0 211

منذ أيام صدر تقرير عن منظمة الرؤية العالمية يرصد معاناة شريحة الأرامل القاطنات في “مخيمات الأرامل” في المناطق المحررة، وبيان المشاكل التي تعترضهنّ وحاجتهنّ إلى الرعاية النفسية والمادية وقد أثار هذا التقرير شهية بعض الأقلام الدنيئة للنيل من سمعة الحرائر في المناطق المحررة من خلال تضخيم نتائج التقرير والتلاعب بالألفاظ والأرقام والبيانات، ووضع عناوين مخزية و بعيدة عن الحقيقة لهذا التقرير مثل “الجنس مقابل البقاء” الذي عنونته صحيفة الغارديان البريطانية، وقناة الحرّة الأمريكية، وبعض الأشخاص و المواقع الإعلامية السورية.

تأسست منظمة الرؤية العالمية “World vision” في العام 1947 وهي منظمة مسيحية تبشيرية كما ورد في موقعها الالكتروني على أنها “شراكة دولية للمسيحيين تتمثل مهمتها في إتباع ربنا ومخلصنا يسوع المسيح في العمل مع الفقراء والمضطهدين لتعزيز التحول البشري والسعي لتحقيق العدالة والشهادة لبشارة ملكوت الله، رسالتنا، التي تأسست في قيمنا المسيحية المشتركة ووحدتها، هي أن نتبع ربنا ومخلصنا يسوع المسيح في العمل مع الفقراء والمضطهدين لتعزيز التحول البشري، والسعي للعدالة، والشهادة لبشارة ملكوت الله”.

وقد بدأت المنظمة نشاطها في سورية منذ العام 2011 حسب ما ورد في موقعها الإلكتروني بالتعاون مع عدد من المنظمات الإغاثية والطبية السورية، حيث تقوم بتقديم الرعاية الصحية، والأغذية في حالات الطوارئ، والمياه والصرف الصحي، ومستلزمات إصلاح المأوى، والتعليم، والترفيه. وتدريبات على حماية الطفل للبالغين ودعماً نفسياً للعائلات السورية وكذلك أفراد المجتمعات المضيفة بالقرب من الأماكن التي وجد فيها اللاجئون مأوى في الأردن ولبنان والعراق.

وقد تضمن التقرير مسح عينة من سكان هذه المخيمات بلغ عدد العينة المستهدفة 419 فرداً منهم 200 امرأة، و219 طفلا أعمارهم ما دون 18 عاماً من أصل 28 مخيم إيواء للأرامل ويبلغ عددهن عشرات الآلاف.

وقد خلُص التقرير إلى أن هناك ” 18 “حالة زواج مبكر. و “18” حالة اعتداء جنسي في المخيمات وخارجها في أماكن العمل التي تعمل بها بعضهن. و “100” حالة عمالة أطفال، فتيات وفتيان دون سن 11 عاماً، و68 حالة عنف على الأطفال جسدي وجنسي، و95% من العينة الإجمالية تفتقد إلى الخدمات الأساسية في هذه المخيمات مثل المدارس والمستوصفات والمرافق الصحية الأخرى ما يضطرّهم للذهاب إليها في الأماكن المجاورة، مما يّعرضهّن لخطر التحرش أو لأنواع العنف الجنسي الأخرى. وانتهى التقرير بتقديم التوصيات التالية: “على المنظمات الإنسانية الدولية زيادة رعاية هذه الشريحة الاجتماعية الأكثر تضرراً من الحرب من الناحية النفسية والصحية والمادية. على السلطات المحلية وجوب تأمين هذه الشريحة وحمايتها من أية اعتداءات أو تجاوزات. على السلطات القائمة على إدارة هذه المخيمات وجوب تشكيل كوادر نسائية مدربة تشارك في إدارة هذه المخيمات. توفير الحاجات الأساسية من مرافق صحية ومدارس وورشات عمل إنتاجية”.

للتوضيح وجلاءً للحقيقة اقتضى الأمر أن نبيّن بعض المفاهيم ونورد بعض الملاحظات التي خلصنا إليها:

أولاً: مفهوم العنف الجنسي: تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه “أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. وعليه فالعنف الجنسي الوارد في التقرير قد يكون الضرب او الايذاء الجسدي، وقد يكون اعتداء لفظي بالشتم بعبارات لا أخلاقية، وقد يكون القيام بإيحاءات جنسية، وقد يكون زواج مبكر، وقد يكون اغتصاباً أو شروعاً به، وقد يكون سوء معاملة في العمل على أساس التفريق بين الجنسين في الأجر أو بنوع العمل وغيرها من مظاهر الإساءة للمرأة”.

ثانياً: يمثّل العنف ضد المرأة – وخصوصاً عنف العشير والعنف الجنسي – مشكلة مستديمة وكبيرة من مشاكل الصحة العامة، وانتهاكاً لحقوق الإنسان التي تتمتع بها المرأة، وتشير التقديرات العالمية المنشورة من منظمة الصحة العالمية أن واحدة من كل 3 نساء “30%” في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف البدني و/أو العنف الجنسي على يد العشير أو غير الشريك. وعليه فإن بلادنا ليست استثناءً من هذا، سيما وأننا نعيش حالة حرب طويلة الأمد فقد فيها السوريون الأمن والأمان بسبب استمرار القصف والقتل والاعتقال الممنهج الذي مارسه النظام المجرم وحلفاؤه. وهذه الحالة أدت إلى تشتّت وتبعثر الأسر والعائلات وفقدان الآباء والأزواج وفقدان المعيل والسند عند عشرات الآلاف من الأسر والعائلات، ومن الطبيعي أن تتأثر نفوس هؤلاء من ذلك فيشعرون بالوحدة وفقدان الأمان والشعور بالخوف الدائم كونهم يعيشون في بيئة غير مستقرة، تعاني من الفقر والحاجة إلى الأمن فتكون بيئة خصبة للانحراف أو للجريمة أو الاستغلال أو المتاجرة بقضّيتهنّ.

ثالثاً: إن التقرير يحتوي على جملة من المغالطات والشبهات حيث اعتمد على شريحة محدّدة تعامل معها مُعدّوه عن بُعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي الأمر الذي يثير بعض الشكوك والشٌبهات حول مصداقية هذه العينات التي تدّعي وقوع الاغتصاب من حيث صدقها أو عدم وجودها في هذه المخيمات أصلاً، لاسيما و أن هذه الاعتداءات إن وقعت أو انتشر خبرها ستؤدي إلى شلال من الدماء لا ينتهي، ثم كيف لهذه العينة أن تحكم على عشرات الآلاف من الأرامل على أنهن تعرضنَّ للعنف الجنسي وهن بالأصل يشكينَ من قيود الحركة المفروضة عليهنَّ كما ورد في التقرير. وبالنسبة للنسبة المئوية التي حاول بعضهم التلاعب لها، فإنه وعلى فرض صحته فإن عدد اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي ودون أن يُحدد عدد “المُغتصبات” هن “18” من أصل “200” أي أن النسبة على فرض صحتها هي 4.5% من أصل الـ “200” امرأة المستهدفات، وليس كما أشاع بعضهم إلى أنها 25% من سكان هذه المخيمات.

وبعد انتشار التقرير والمغالطات التي رافقته والإساءات التي تسبّب بها قامت بعض المنظمات التي تتعاون مع منظمة الرؤية العالمية بالتنصل من أية معلومات أو بيانات وردت باسمها، ما ينسف مصداقية التقرير من جذورها.

رابعاً: علينا ألّا ننسى أن هؤلاء الثكالى هُنّ إما زوجات شهداء وقفنَ أعمارهّن على رعاية ابنائهّن، وإما زوجات معتقلين وقفنَ حياتهنّ بانتظار عودتهم بفارغ الصبرِ، وإما زوجات مختفين قسرياً وإما زوجات مفقودين مجهولي المصير وارتبط مصيرهنّ بمعرفة مصير أزواجهنّ. ومشاكل هذه العينات ليست مشاكل مادية أو نفسية فقط وإنما هي مشاكل قانونية حيث أن رابطة الزوجية تبقى قائمة حتى مع المعتقل تعسفياً معروف المصير، وكذلك مع المختفي قسرياً والمفقود الذين تنظِّم علاقاتهم أحكام قانونية وردت في قانون الأحوال الشخصية.

إن التعاطي العشوائي مع مشاكل هذه الشريحة الاجتماعية الأكثر تضرراً من آثار الحرب يؤدي إلى تعميق مشاكلها و إدخالها في مشاكل أخطر، فقد رأينا اقلاما خبيثة نفثت خبثا وخسة حيث حاولت تصوير هذه الشريحة بأنها مرتع الرذيلة و الانحلال الأخلاقي من خلال تضخيم هذا الأمر وتعميمه وتصويره على أنه ظاهرة عامة، إما بدافع الانتقام الشخصي أو من حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام أو من الحكومة المؤقتة و فصائل الجيش الوطني، وهذه أقلام جماعة من النسويّين والنسويّات السوريّين المتطرفين الذين يرون في التاء المربوطة وفي غشاء البكارة وفي الحشمة قيوداً أمام تحرّر المرأة، وهم ممن يعتاشون مما تدرّه أقلامهم التي تقطر كذِباً وافتراءً وبهتاناً وسفالةً وخسةً ودناءةً، مثلهم كمثل تلك التي تأكل من كدّ فرج أمَتِها.

إن إشاعة صورة سيئة لهذه الشريحة من المجتمع هي خيانة للمعتقلين والمختفين قسرياً والمفقودين الذين هم الشغل الشاغل للأحرار، كما هي خيانة لأعراضنا، وإساءة لهذه الشريحة تؤدي إلى العزوف عن طلبهن للزواج وإحصانهنّ ممن يحل لهنّ ذلك مما يزيد أحوالهنّ سوءاً والقضاء على مستقبلهنّ، كما أنه سيؤدي إلى زعزعة الثقة بهنّ من قبل أزواجهنّ الذين قد يعودون إليهنَّ يوماً ما.

الفرق شاسع بين دُعاة حماية المرأة ونُصرتها والدفاع عن حقوقها، وبين المُتاجرون بها ودُعاتها إلى الفجور والتمرّد على الأخلاق والقيم الفاضلة والقيم الدينية، فهما يستويان فالفئة الأولى هم دعاة حق وفضيلة وهم أولى بالتقدير والاحترام وأما الثانية فهم دعاة فجور ورذيلة فهم أولى بالنَبذِ والتحقير.

إذا كان القانون يُلزم القضاء بسريّة الجلسات حين إجراء المحاكمات التي تتعلق بالشرف لما لهذه القضايا من تأثير على المجتمع وعلى سمعة الضحايا وسمعة أهاليها، فمن باب أولى التعامل مع هذه القضايا بسرّية تامة وحلّها بعيداً عن وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو وسائل التواصل الاجتماعي، لتفويت الفرصة على المتربصين بسمعة حرائرنا، من الموتورين و عديمي الأخلاق و مرتزقة الأقلام الخبيثة، والأولى أن تُشكّل فِرق عمل محلية مختصة بالبحث والتقصي عن مشاكلهن فهي الأدرى بطبيعة وأعراف وعادات وثقافة مجتمعنا وهي الأقدر على وضع الحلول التي تكفل حماية هذه الشريحة بما يضمن لها كرامتها وصوناً لشرفها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني