fbpx

دراسة في أسباب مأزق الحركة السياسية الكردية القومية، وطبيعة المخرج الوطني السوري (2-4)

0 87

لتأكيد موضوعية تشخيص طبيعة المأزق، وبالتالي الطريق الصحيح لمواجهة نتائجه، ومعالجة أسبابه، بما يصب في خدمة مصالح الكرد الخاصة، والسوريين المشتركة، في إطار دولة ديمقراطية موحدة، من الضروري التذكير بأبرز عوامل السياق التاريخي المرتبطة موضوعيا بسياسيات أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية ومرتكزاتهم المحلية، السورية والعراقية، بشكل خاص، إلى جانب العوامل الذاتية، المرتبطة بطبيعة وعي وثقافة ومصالح النخب السياسية، والتي ساهمت في ترابطها في صناعة أسباب المأزق، بما يساعدنا أيضاً على رؤية طرق وحلول موضوعية لتعافي جميع السوريين من أمراضه!.

ثانياً: في ضوء أبرز عوامل سياق الحقبة التاريخية السياسية، السورية والإقليمية، التي تعود إلى خمسينات القرن الماضي، تتكشف طبيعة خلفية أسباب حالة المأزق البنيوي الذي تعيشه نخب قيادات التيارات السياسية الكردية.

1- حقيقة عدم تحول سوريا إلى مركز ولاعب إقليمي على يد سلطة ديمقراطية لحساب وأولوية المصالح الوطنية السورية العليا، وعدم توفر ظروف حياة سياسية طبيعية توفر البيئة الوطنية للنشاط السياسي، يُفسر تحول نخب الأحزاب السياسية السورية في السلطة والمعارضة (كما النخب العسكرية) إلى مواقع لتجاذبات محاور اقليمية، وبعض أوراق الضغط والاستثمار السياسي.

علاوة على ذلك، عمق أسباب انفصالها عن قضية السوريين المركزية، الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، مساعي وخطط أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية من أجل “الاستثمار السياسي” في “المكونات” التاريخية التي تملك عوامل التماسك وأسباب القوة المحركة الذاتية (وتربطها عوامل مشتركة، يتقاطع في تشكيلها التاريخي بالاجتماعي والديني والاثني واللغوي)، وتجيير نخبها، وقد شكل هذا النهج أخطر عوامل انقسامها وتناقض ارتباطاتها مع مصالح السوريين المشتركة. في ظل عوامل هذا السياق الخارجي، غير المرتبطة مصالح وسياسات قواه المتنافسة على مواقع النفوذ بقضايا السوريين الرئيسية، ولدت أحزاب وتيارات الحركة السياسية القومية، العربية والكردية، وتنافست نخبها للوصول إلى السلطة، وكان التعويل على دعم أصحاب الأجندات والمشاريع الخارجية القاسم المشترك، وقد نجح بعضها الأكثر انتهازية وبراغماتية في الوصول إلى السلطة، وبقي الأقل مهارة في إطار “المعارضات”، تحينا للفرص التي توفرها صراعات القوى الداخلية والخارجية؛ وقد تجاوز الجميع (ربما باستثناء “الحزب القومي السوري” خلال فترات تاريخية محددة!) في السلطة وأتباعها ومعارضاتها ومنافسيها، في أجنداته السياسية ومرجعياته الايدولوجية وولاءات نخبه القيادية، سقف مصالح الدولة الوطنية السورية ومشروع التغيير الديمقراطي، التي تشكلت مقوماتها الجيوسياسية في أعقاب نتائج الحرب العالمية الثانية.

هكذا، وفي سياق محاولات نخبوية حثيثة لركوب موجة المشاريع الخارجية المتصارعة، هرول “القوميون العرب” خلف حصان ناصر العسكري (الأمريكي – السوفياتي )، وتصارع الرفاق الكرد، بناة الحزب السياسي الأول 1957 على أولوية الهوية السياسية، السورية الكردية، أو الإقليمية، الكردستانية، وكانت السمة الأساسية التي ستطبع نهج وسلوك النخب السياسية الكردية اللاحقة، وقد غلب عليها نهج سلطات النظام السوري “القومي – الشوفيني”، خاصة بعد 1958، الطابع الكردستاني، العابر لحدود الدولة السورية، وقد باتت الهياكل التنظيمية السياسية الوليدة، في سياق تطلعات نخبها القيادية والمؤسسة للتشبيك مع أهداف وأدوات أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية/الدولية، مجرد أوراق، يستخدمها الجميع، على صعيد الحكومات الإقليمية، والدولية، وبات هاجس قيادات نخبها الوحيد إثبات جدارتها في خدمة سياسات الآخر، بغض النظر عن توافقها أو تعارضها مع مصالح السوريين المشتركة.

إذا كانت قد ارتبطت أجندات وسياسات التيارات والأحزاب القومية العربية في مركزها “العربي – المصري”، فقد كان من الطبيعي أن تتطلع التيارات السياسية الكردية السورية “المعارضة” إلى مركز قيادة وحماية في الإقليم، خاصة في شمال العراق، بعد تحول مرجعية “حزب العمال الكردستاني التركي” إلى دمشق خلال الثمانينيات، وكان الولاء لتلك المرجعيات (ومن خلالها لأنظمة الدعم في دمشق والرياض) إلى درجة الارتهان السياسي والتبعية المطلقة أحد أسباب تفتيت الأحزاب والتيارات السياسية “القومية الكردية” التي بدأت بالظهور تباعاً كردة فعل على مستجدات الأحداث السياسية، وغربتها عن قضايا السوريين الأكراد، والسوريين المشتركة!!.

2- تتكشف أبعاد المأزق الذي تعيشه جميع تعبيرات المشاريع الأيدولوجية السياسية “القومية”، التي تنافست على الارتهان لأجندات وقوى الخارج، إذا أدركنا ثلاثة نقاط بارزة:

أ- واقع تناقض مصالح وسياسات أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية، وفي مقدمتها الأمريكي، ووسائل سيطرة سلطات الأنظمة الإقليمية التابعة، مع مصالح السوريين المشتركة في نجاح جهود ومسارات الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي عبر وسائل غير عنيفة. رغم بديهية هذا الاستنتاج، لم تكلف النخب نفسها عناء التساؤل:

كيف يمكن لقضايانا العادلة، في التحرر والدمقرطة كسوريين، أن تتحقق، إذا وضعنا مصيرها في يد القوى التي تعمل على تقويض شروط تحققها، وبتنا مواقع جذب، وبعض أوراق تحقيقها أهداف أجنداتها السياسية؟!.

ب- واقع أن مراكز القوى الكردستانية الإقليمية، خاصة، حزب العمال الكردستاني التركي، والقوى “البارزانية والطالبية” في شمال العراق، التي يسعى السوريون الكرد للتشبيك معها، وتسعى هي لتجييرهم وحقوقهم الوطنية والقومية، كأوراق لتحقيق أهداف أجنداتها السلطوية الخاصة، هي نفسها أوراق وأدوات بيد أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية، وتخضع لآليات صراعات تنافسها على السيطرة والنهب الإقليمي.

ت- واقع أنه حتى في الحالات الخاصة التي افترقت فيها بعض أجندات النخب السياسية الكردية السورية عن أجندات المركز الإقليمي، كان انحياز النخب لأجندات القوى المعادية لأهداف المشروع الديمقراطي السوري الوطني. المثال الأكثر وضوحاً هي طبيعة العلاقات بين قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، PYD وقيادات حزب العمال الكردستاني التركي PKK:

خلال مراحل صيرورة الخَيار الأمني العسكري بين 2011-2019، الذي شكل أداة قوى “الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي” السورية والخارجية، برز تناقض في علاقات التبعية للمركز الإقليمي بين النخب المهيمنة في قيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي” والقيادة “الأبوجية” التاريخية في حزب العمال الكردستاني التركي، وكانت الأولوية لمصالح النخب، وللبراغماتية، على حساب الإيديولوجية:

حقيقة ارتباط نخب حزب الاتحاد الديمقراطي القيادية في ظروف التأسيس 2003 بقيادة حزب العمال الكردستاني التركي، واستمرار تجيير يافطة المرجعية، لم يمنع قيادة الحزب وقسد من إعطاء الأولوية لأجنداتها الخاصة، وتجيير ما يناسبها في أطروحات الزعيم الكوردستاني.

عندما تبنت مشروع “روج آفا”، تجاهلت انصراف أوجلان عن نظرية “دولة كردستان المُوحدة”، وعندما دخلت في بناء مشروع “إقليم شمال وشرق سوريا” بعد 2015، تلبية لشروط السيطرة الإقليمية الأمريكية، تجاهلت أبرز مبادئ نظرية أوجلان في “الأمة الديمقراطية” التي أكدت على وحدة “الكيان الديمقراطي السياسية” الذي يشكل في الحالة السورية “الأمة السورية الديمقراطية” في المنظور الأوجلاني، وسياق بناء الأقاليم الديمقراطية ذات الحكم الذاتي في إطار الدولة الديمقراطية الكونفدرالية السورية.

بالنسبة لمشروع قيادة قسد، “الأمة الديمقراطية” عملياً هي كيان “إقليم شمال وشرق سوريا”، بما يجمعه من قوميات وإثنيات وأديان ومذاهبٍ عديدةٍ في إطار إدارةٍ مجتمعيةٍ ذاتية، وتوحده من هويات، متجاهلة ما أكدت عليه النظرية من ضرورة أن يَتَجَسد هذا التجَمع في إطار الكونفدرالية Confederation  داخل الحدودِ السياسيةِ السورية القائمة؛ وقد بات في هذا استحالة طالما يترابط وجود “الكيان الديمقراطي القسدي” مع وجود سلطة النظام السوري نفسها، وسلطات أمر واقع أخرى، في سياق غياب حل سياسي وطني، يبدأ بخطوة الانتقال السياسي في دمشق، وخطوات التحول الديمقراطي في سياقات صيرورة بناء كونفدرالية ديمقراطية سورية موحدة، وطالما تتقدم إجراءات تأهيل “الكيان الديمقراطي القسدي” بشكل منفصل عن مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع الأخرى، وفي مواجهتها. لقد تجاهلت قيادة قسد أن نظرية الشعوب الديمقراطية – التي تعبر عن حقيقة أن مصلحة الكرد في سوريا تقتضي تشبيك النخب الكردية أهداف وأدوات النضال الديمقراطي مع اتباع القوميات الأخرى من أجل بناء أقاليم الدولة الديمقراطية الكونفدرالية الموحدة، فشبكت، عوضاً عن ذلك، منذ ربيع 2011 مع أجندات قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، وشكل الكيان الذي تحكمه، في إطار تبادل مصالح مع سلطة النظام، وبرعاية أمريكية، أبرز عوامل تفشيل مقومات الدولة السورية الوطنية الديمقراطية اللامركزية الموحدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني