fbpx

خطاب الكراهية في الثورة السورية

0 239

سلاح مدفون في حدائقنا الخلفية, لكنه عماد بناء الدولة السورية!

“انها حرب مع الارهاب والتكفيريين”, كان فحوى اول تصريح يعلنه القصر الجمهوري على لسان المستشارة بثينة شعبان , في وصفه للاحتجاجات السورية, والتي تلخص وتختصر وجهة نظر القيادة السياسية بالشعب السوري وسوريا. من هنا فإن اول رصاصة من سلاح حرب خطاب الكراهية أطلقها النظام منذ اليوم الاول للثورة على الناس مقسما بها الشعب السوري الى طائفتين: سنة ارهابيين, واقليات: موالين!

لم يبدأ هذا في 2011 . بل قبله بكثير. فالدولة السورية منذ 1963 الى 2011 كانت تحت الاحكام العرفية بموجب فرض قانون الطوارئ. إلا أن هذا التاريخ في خطاب الكراهية لا يعود للستينات أيضا, بل قبله بثلاثة عقود حين كتابة الدستور الاول للبلاد. وفيه تم تقسيم الشعب السوري الى طوائف ومذاهب وقوميات لا تتساوى فيما بينها بسيادة المواطنة: فالمسيحي والكردي والمرأة, لا يترشحون لرئاسة الجمهورية؟!

الكثير من السوريين اعتبروا ان خطة النظام لن تنجح في تقسيم الشعب السوري, متسلحين بثقتهم العالية بأننا بلد تعددي, لديه تاريخ من التعايش. فسوريا لم تعش تشددا دينيا بوجود اسلام وُصِفَ بأنه وسطي, واننا وبرغم العقود الكثيرة من حرب جارتنا العراق, مثلا, لم نعش حوادث مع التشدد أو القاعدة أو الارهاب, لكن آمالنا خابت. فقد تلقف الاسلام السياسي, ومنهم أهم جماعة منظمة تاريخيا: الإخوان المسلمين, خطاب النظام ليبني عليه مشروعه الخاص معتمدا على تعبئة الشارع الغاضب, المحتقن, بالاشتغال على خطاب الكراهية, الذي لم يختلف عن خطاب النظام ولا عن ادواته. حيث كان التحريض الطائفي اهم تمظهرات خطاب الكراهية, الذي فُتِحت له كل وسائل التواصل كي يصل الى كل الناس, سيما وان هناك ذاكرة تراثية عن الاضطهاد تم استحضارها, كي تصدر اعلاميا على انها دماء تطلب الثأر. اما اعلام المواطن الصحفي, فقد كان الاعلام الجديد البديل للإعلام الرسمي, حين اصبح لكل مواطن منبر حر مستقل جاهز في كل وقت كي يبث محتواه الفردي. ولم يطل الوقت حتى اصبح استثمار القنوات الرسمية في هذه المواد الصحفية فسحة لتعزيز الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية بين السوريين: فبطل فيديوهات الثورة هو العلوي الشبيح بلهجته المميزة وهو يعذب المسلم السني المستهدف من قبل النظام النصيري العلوي العلماني .. اما بطل فيديوهات النظام: فهو الارهابي المتطرف الذي استوردته الثورة كي تنفذ مؤامرتها الكبرى على سوريا العظيمة وقيادتها الحكيمة الممانعة.

بسرعة غاب خطاب المنطق والعقلانية في تحليل الاحداث, لصالح صوت المواطن المكلوم الخائف الذي يواجه الرصاص والذي كان على الشاشة طوال الوقت, الذي كان واقع الاحداث والموت يزيد من تعبئته طائفيا, وصولا لصناعة خطاب /سياسي/ يقدم الثوة على انها /مظلومية سنية / اختصرت الثورة بـ:

سنَّة, مستهدفون من النظام: العلوي النصيري, وغابت حقيقة الحراك الى اليوم: ثورة /شعب سوري/ خرج ليُسقط /نظام أمني مستبد بكل الوطن السوري/.

خطاب كراهية على ثلاثة منابر بثلاثة مستويات:

كي يكون خطاب الكراهية سلاحاً, لا بد له من دعم مؤسسات اعلامية كبرى تبني سياستها على استراتيجيات مدروسة, كما فعلت فضائيتا الجزيرة و أورينت اللتان تبنيتا خطاب الاسلام السياسي والخطاب الطائفي والمظلومية. وعلى مدى 24 ساعة من البث, كان الضح الطائفي حاضرا امام اي مشاهد سوري وعربي, حيث تميزت فضائية الجزيرة بتبني خطاب الإسلام السياسي, بينما تخصصت الاورينت تبنت الخطاب الطائفي الذي يدين كل الاقليات, ويحرض ضد الاكراد ويدعم التقسيم:

1- اعتمدت اعلام المواطن والفيديوهات المسربة لتجييش الشارع عاطفيا, ليصبح شعار “الله اكبر” ذو الدلالة والمرجعية الدينية والطائفية, هو هوية الثورة!

2- غيبت صوت المعارضين العلمانيين واليساريين والليبراليين الوطنيين الذين يقدمون رؤية عقلانية سياسية ورؤية مواطنة. وكانت تصر على استضافة المتعصبين والعنصريين من الاسلام السياسي بوصفهم اصحاب الدم !

3- كانت فضاءً ومنبرا متاحا لكل المعارضين الذين تبنوا المظلومية السنية, كمنطلق لنقاش الثورة والاحداث. وهؤلاء لم يكونوا الاسلاميين فقط, ولكن في معظم الاحيان علمانيين ويساريين وليبراليين لكنهم ومع بداية ومرور الاحداث تراجعوا ليتبنوا الخطاب الشعبوي الغارق بخطاب الكراهية, كرد فعل طبيعي على عنف النظام. وهؤلاء كان لهم الاثر الاكبر في طعن الثورة حين تخلوا عن خطاب المواطنة لصالح خطاب الكراهية الطائفي الذي اعتنقوه لأسباب متعددة كانت وما تزال وستبقى مثار جدل كبير وبحث خاص بالنخبة المثقفة السورية من سياسيين وباحثين ومثقفين سوريين!

4- أما الدور الاكثر أذى فقد كان في تبني سياسة السلاح والتسليح, وكل من يرفض السلاح لم يكن له وجود في هذه الفضائيات. في سياسة كانت اكثر من واضحة بأن تلك الاجندات التي كان منبرها هذه الفضائيات تريد ان تكرس حقيقة بان الثورة هي السلاح!

استراتيجيات الفيس بوك في خطاب الكراهية:

كان الفيس بوك السوري المعارض, مرآة لصوت تلك الفضائيات. لم يكن صعبا ادراك ان هناك من كان يدير فضاء الفيسبوك السوري ويدفعه باتجاه القطيعية وتضييق الخيارات ووضوح الاصطفافات التي كلما كان الزمن يمضي كانت تزداد عمقا وتوترا:

1- إما مع الثورة أو مع النظام !

2- الاصرار الدائم والحثيث على ان الاقليات والمسيحيين والاكراد: هم مع النظام !

3- الاصرار والتحشيد على ربط الثورة بعدد الضحايا !

4- الطعن بمفاهيم كبرى من اجل تحطيمها واستبعادها من الخطاب السياسي أو رسم السياسيات او اقتراح الرؤى السياسية: كالعلمانية, والليبرالية, والماركسية, والشيوعية, واليسارية على انها افكار غير صالحة لمجتمعاتنا وتتناقض مع التراث الديني لبلداننا ذات الخصوصية. وخلط المفاهيم والاوراق, من أجل وضع الثورة امام خيار وحيد هو الاسلام السياسي. ليصبح مصطلح: علمنجي, أو ثورجي, مصطلحات معززة, ذات دلالة, تدعم الاسلام الساسي كمآل اجباري ووحيد للثورة!

اعلاميون, تبنوا الضخ الطائفي:

من منا لا يعرف اسما أو اكثر, من الاعلاميين السوريين المحسوبين على الثورة, اصبحوا رموزا لخطاب الكراهية في الثورة السورية, منذ بدايات الحراك على فيس بوك, لشدة عنفهم في اصرارهم على استثمار خطاب الكراهية في تغذية الحقد الطائفي بين السوريين. حسب تقسيمين ومستويين: سنَّة واقليات, عرب واكراد!

خطورة هذه الاسماء انها تستثمر في غضب الشارع, الضحية, المصاب بكل انواع الكوارث. والأخطر أن هذه الاسماء تعمل لصالح اجندات, وايديولوجيات, واحزاب, ليست من اهدافها بناء وطن لكل السوريين. اجندات واهداف تطعن مستقبل سوريا والسوريين. فما يُبنى على الكره والعنصرية لا يمكن ان يَبني وطنا حرا قويا.

صحيح انه ليس لدينا قوانين تردع, وتدين وتجرم خطاب الكراهية, لكن بالتأكيد سيكون هدفا لكل السوريين الوطنين الذين يعرفون حجم اجرام هذا الخطاب وخطره على الدولة والمجتمع وتجربة راوندا في حربها الاهلية الدموية اعطت الامل بأن متبنوا هذا الخطاب في اي مكان يمكن ملاحقتهم وادانتهم, فهم لم يكتفوا باستخدام الالفاظ العنصرية فقط إنما حرضوا على قتل الآخر وتجريد الآخر من هويته السورية وانتمائه, وحقه في بلده. علنا نراهم يوما ماثلون امام محكمة الجنايات الدولية بتهمة خطاب الكراهية كما حصل لأول مرة في العالم في حرب راوندا!

مواجهة خطاب الكراهية:

آثرت في هذه المقالة الموجزة ان اناقش خطاب الكراهية في الثورة او لدى المعارضين. لكن هناك خطاب كراهية متشابه مع خطاب الكراهية هذا عند الطرف الموالي, الذي كان لديه مؤسساته الاعلامية, وفضاءه الافتراضي ولديه اعلاميين ونشطاء لم يتوانوا عن ضخ خطاب كراهية القاتل ايضا بذات العنف باستخدام ذات الادوات اثروا به على جمهورهم. وبالنتيجة الخاسر الوحيد هم هذا الجمهور المغرر به من قبل اجندات لا يعنيها الوطن بل السلطة!

لا بد أن الوعي اتجاه المواطنة هو المحرك لكل ما نريده ونتصوره اتجاه بلدنا وناسنا. وهذا منوط بالنخب الوطنية التي ستجد المنافذ المعرفية والقانونية لإدانة هذا الجرم, والسعي لوجود آليات قضائية رادعة لكل من يسوق مثل هذا الخطاب ويعمل عليه. لكن الأهم هو بوعي النخب الوطنية لخطورة هذا الخطاب والوقوف ضده بكل الاشكال. وهؤلاء موجودون ولكل دوره ومنبره, ونتمنى بعد هذا الدمار أن يجد هذا الصوت الدعم الكافي والقبول لأنه سلاح الخلاص.

ومن هنا اتوجه بالشكر الى صناع هذه المبادرة المتقدمة: معاً في مواجهة خطاب الكراهية, التي اطلقها اللقاء الوطني الديموقراطي في سوريا, لأنها واحدة من السبل للتصدي لخطاب الكراهية القاتل!

مساهمة الأستاذة فاديا ابوزيد في مبادرة “معاً في مواجهة خطاب الكراهية”, التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي وتمّ نشرها في صحيفة نينار برس بالاتفاق مع الأستاذة فاديا ابوزيد.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني