fbpx

حين يصبح الدفاع عن حقوق الإنسان معركة بحد ذاتها. تقرير: خالد المحمد

1 52

الحقيقة في زمن الاصطفافات:

في سوريا الجديدة، حيث يُعاد رسم ملامح الدولة والمجتمع بعد عقودٍ من الاستبداد والصراع، تبدو اليوم معركة حقوق الإنسان أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، فأن تكون مدافعاً عن الحقيقة يعني أن تواجه خصوماً من جميع الاتجاهات، حتى من أولئك الذين من المفترض أن يكونوا شركاء في النضال من أجل العدالة.

فضل عبد الغني، المدير التنفيذي لـ الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بات مثالاً حياً لهذه المواجهة، بعد أن تعرض لحملة تشويه وانتقادات واسعة، لمجرد أنه قام بعمله: توثيق الانتهاكات، بغض النظر عن هوية الجاني أو الضحية.

تقرير يوثق المجزرة… فيصطدم بجدار التشكيك:

في 11 مارس / آذار 2025، نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً يوثق مقتل 803 أشخاص، بينهم 39 طفلاً و49 امرأة، خلال الفترة بين 6 و10 مارس، في هجمات دامية نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بنظام الأسد في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.

التقرير لم يأتِ بجديد على مستوى الأسلوب والمنهجية، إذ استند إلى التحقيقات الميدانية والشهادات الموثقة، تماماً كما فعلت الشبكة طوال السنوات الماضية في توثيق جرائم النظام والتنظيمات المتطرفة والجماعات المسلحة كافة.

لكن هذه المرة، جاءت ردود الفعل مختلفة. لم يكن الهجوم على التقرير من مؤيدي الأسد أو داعش أو قوات سوريا الديمقراطية فحسب، بل من بعض الأوساط المحسوبة على “الدوائر الثورية”، والتي لم تتقبل فكرة أن يتم توثيق انتهاكات ضد المدنيين في الساحل السوري، وهو ما يعكس أزمة عميقة في التعامل مع حقوق الإنسان بمنطق انتقائي يخضع للاعتبارات السياسية والطائفية.

عبد الغني يرد: المبادئ لا تتجزأ:

فضل عبد الغني لم يصمت أمام هذه الحملة، بل ردّ بمنشورٍ على صفحته في فيسبوك، كتب فيه:

“لقد تعرضت لوابل من الإهانات والإساءات—وهذه المرة من العديد داخل ما يسمى بـ “الدوائر الثورية”. في الماضي، جاءت أشد الهجمات من مؤيدي الأسد، وداعش، وقوات سوريا الديمقراطية. لكن الإهانات التي أواجهها الآن تبدو أكثر قسوة، لأنها تأتي من أصدقاء وحتى بعض الأقارب.”

“يسألونني: كيف لشخص من مدينة حماة أن يدافع عن العلويين ويعبّر عن مثل هذه الآراء؟ ومع ذلك، أبقى ثابتاً على مبادئي.”

“على الرغم من الصعوبات، سأواصل التمسك بقناعاتي. الوقوف بثبات من أجل الحقيقة يتطلب الكثير من الشجاعة.”

هذه الكلمات ليست مجرد رد فعل شخصي، بل تعبير عن أزمة أوسع: هل يمكن الدفاع عن حقوق الإنسان دون أن يتحول ذلك إلى تهمة؟

الانتقائية في حقوق الإنسان… خطر يهدد مستقبل سوريا:

ما حدث مع عبد الغني ليس مجرد هجوم شخصي، بل مؤشر خطير على أن مفهوم العدالة والمساءلة لا يزال يواجه عراقيل كبيرة، حتى من بعض القوى التي تدّعي السعي نحو دولة القانون. فحين يصبح توثيق انتهاكات ضد فئة معينة مدعاةً للتخوين والاتهام بالانحياز، فهذا يعني أن هناك من يريد أن تُطبّق العدالة بانتقائية، وفقاً للأهواء السياسية والطائفية، لا وفقاً لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان.

لقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان على مدى السنوات الماضية جرائم النظام والتنظيمات المتطرفة والجماعات المسلحة كافة، دون تمييز. واليوم، حين تسلط الضوء على جرائم ارتُكبت ضد مدنيين في الساحل السوري، يجد القائمون عليها أنفسهم في مواجهة حملات تشويه غير مسبوقة.

مسؤولية الحكومة الانتقالية والمجتمع الحقوقي:

في ظل هذا التصعيد، بات من الضروري على الحكومة الانتقالية أن تؤكد التزامها بالمحاسبة دون استثناء، عبر تفعيل آليات التحقيق المستقل وإشراك منظمات حقوقية محايدة. كما أن المجتمع الحقوقي الدولي مطالبٌ بدعم الجهود التوثيقية وضمان عدم خضوعها لأي ضغوط سياسية.

فإن لم تكن سوريا الجديدة قائمةً على مفهوم العدالة للجميع، فلا يمكن الحديث عن أي تغيير حقيقي.

الدفاع عن الحقيقة ليس خياراً، بل واجباً:

ما يتعرض له فضل عبد الغني اليوم، هو امتحانٌ للقيم التي يدّعي البعض الدفاع عنها. فإما أن تكون حقوق الإنسان مبدأً ثابتاً لا يتجزأ، أو أن تصبح مجرد أداة تُستخدم وفق المصالح الضيقة.

التحدي الآن ليس فقط في توثيق الجرائم، وإنما في حماية المدافعين عن الحقيقة، حتى لا تتحول سوريا الجديدة إلى مجرد نسخة معدلة من الماضي، بوجوه جديدة وأساليب قديمة.

1 تعليق
  1. Khaled Al Mohammed says

    الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقوم بعملها
    وفضل عبد الغني قام بعمله بمهنية عالية
    والايام ستوضح ذلك

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني