fbpx

حمص تنزف من جديد: جرائم قتل انتقامية تهدد السلم الأهلي… والحكومة الانتقالية أمام اختبار حقيقي للعدالة

0 61

“بؤر النار تحت الرماد”:

من قلب مدينة حمص التي لطالما كانت رمزاً للتنوع والعيش المشترك، تتصاعد من جديد رائحة الدم، مذكّرة السوريين أن الطريق نحو العدالة والمصالحة لا يزال محفوفاً بالعنف والانتقام. ففي غضون خمسة أيام فقط، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 20 مدنياً في عمليات قتل منظّمة، اتخذت طابعاً انتقامياً وطائفياً في بعض الأحيان. هذه الحوادث ليست مجرد أحداث معزولة، بل إنذار صارخ يضع الحكومة الانتقالية أمام مسؤولية تاريخية لضبط الانفلات الأمني، ومحاسبة الجناة، وحماية المدنيين من دوامات القتل.

تصاعد خطير في العنف: حمص من جديد في عين العاصفة:

خلال الفترة من 23 حتى 28 نيسان/أبريل 2025، سجّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 20 مدنياً في مدينة حمص، غالبيتهم عُثر عليهم مقتولين بطلقات نارية في ظروف توحي بوجود نوايا انتقامية. توزعت هذه الحوادث في أحياء ذات غالبية علوية مثل وادي الذهب وكرم الزيتون والنزهة وكرم اللوز، ما أثار مخاوف من احتمال انزلاق الوضع نحو صراع أهلي جديد.

أسباب كامنة: الفوضى الأمنية بعد فشل تمركز حكومي:

انطلقت شرارة التصعيد بعد محاولة فاشلة من قوات الأمن العام للتمركز في قرية “ريان” بريف حمص الشرقي، وهي الخطوة التي واجهتها مجموعات مسلحة من قبيلة الفواعرة برفض مسلح. سرعان ما انعكست هذه المواجهات على مدينة حمص، إذ أعقب الانسحاب الحكومي سلسلة هجمات ضد المدنيين. شهادات السكان تكشف نمطاً منظّماً من العنف الانتقامي، وسط غياب شبه تام لأي ردّ أمني فعّال.

دوائر العنف تنتشر: القتل الانتقامي والطائفي يظهر مجدداً:

ما يدعو للقلق هو استهداف الضحايا على أسس مرتبطة بانتمائهم السابق للنظام أو لخلفيات طائفية محددة. تُظهر هذه العمليات بوضوح سلوكيات انتقامية تغذيها تصفية الحسابات، وتُهدد بإعادة إنتاج مناخ الحرب الأهلية تحت غطاء العدالة الزائفة. كما تمّ رصد مجموعات مسلحة غير معرّفة، تتحرك خارج إطار الدولة، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل الأمن في المدينة.

الأثر المجتمعي والاقتصادي: نزوح داخلي وشلل في الحركة:

الهجمات الأخيرة خلّفت أثراً مباشراً في البنية المجتمعية لمدينة حمص، إذ بدأ السكان بالنزوح الجزئي من بعض الأحياء، وسط تراجع حاد في النشاط التجاري وشعور عام بانعدام الأمان. هذا الواقع يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي ويقوّض أي مساعٍ لتحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية.

جرائم خارج القانون وخرق للمواثيق الدولية:

1. الحق في الحياة خط أحمر

جرائم القتل دون محاكمات تشكّل انتهاكاً صارخاً للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تلتزم به سوريا قانونياً. لا يُمكن تبرير هذا النوع من الجرائم حتى في حالات الطوارئ.

2. غياب الدولة مسؤولية لا تُغتفر

تتحمّل الدولة الانتقالية مسؤولية مباشرة في ردع الميليشيات الخارجة عن القانون، وتفعيل أدوات المحاسبة لضمان عدم تحوّل المجتمع إلى غابة.

3. التمييز الطائفي جريمة مضاعفة

الاستهداف بناءً على الهوية الدينية أو السياسية ليس فقط جريمة قتل، بل فعل تمييزي يُهدّد بإعادة إشعال نار الكراهية في مجتمع يحاول جاهداً التئام جراحه.

4. العدالة الانتقالية رهينة الإفلات من العقاب:

من دون آليات شفافة للمساءلة، سيبقى ملف العدالة الانتقالية حبراً على ورق، مما يُفقد الدولة الوليدة شرعيتها الأخلاقية.

خطوات ضرورية لحماية الحياة وإعادة الثقة:

إلى الحكومة الانتقالية:

التحقيق العاجل والعلني في جميع جرائم القتل، ومحاسبة الفاعلين أياً كانت انتماءاتهم.

ضبط حركة المجموعات المسلحة، وتفعيل الرقابة على السلاح الفردي.

دعم الشرطة المدنية ورفع كفاءتها، وتكليف النيابة بالإشراف على العمليات الأمنية.

إنشاء مراكز استقبال ودعم نفسي واجتماعي للمتضررين.

دعم المصالحة المجتمعية وإطلاق حوارات محلية لإخماد بؤر التوتر.

إلى المجتمع الدولي:

تقديم الدعم الفني واللوجستي للجان التحقيق الوطنية.

الاستثمار في برامج المصالحة وبناء السلام.

دعم منظمات الرصد والتوثيق الحقوقي المحلي.

إلى المجتمع المدني:

الاستمرار في جمع الأدلة والشهادات حول الانتهاكات.

تنظيم حملات توعية لمكافحة خطاب الكراهية والطائفية.

توفير منصات للدعم القانوني والنفسي للضحايا.

“العدالة… أو العنف الأبدي”:

إنّ حمص، هذه المدينة التي دفع أهلها ثمناً باهظاً في مراحل النزاع، لا تحتمل انتكاسة جديدة. ما يحدث اليوم هو اختبار حقيقي للحكومة الانتقالية: إمّا أن تؤكد نيتها الجادة في بناء دولة قانون تحمي مواطنيها وتُحاسب الجناة، أو أن تترك الفوضى تتسلّل من جديد إلى مفاصل المجتمع، فيفتح الباب لعنف لا نهاية له. حماية الحق في الحياة ليست فقط مطلباً قانونياً، بل أساسٌ لبناء وطن يستحقه السوريون بعد عقود من الاستبداد والدم. العدالة ليست خياراً… إنها قدر لابد من تحقيقه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني