حلم منتظر
أسئلة تجول في خاطر الكثيرين ممّن يعيشون في أماكن عديدة على سطح كوكبنا الذي يتناهبه العنف بصور متعددة هنا وهناك: لماذا العنف؟ وما الغاية من استخدامه؟ ومَن يقف وراءه؟ ومَن يثيره؟ وما القوى التي تديره؟ وما هي الجهات التي تجني ثماره؟ ومَن هم الذين يكتوون بحرّ ناره المتأججة؟
عالم مضطرب، يعيش حالة من عدم الاستقرار والصراعات، حروب باردة حيناً، وحيناً تزداد حدة، تشرّع فيها الأسلحة ويعلو صوت أزيز الرصاص، وهدير الطائرات، وقصف المدافع، وقهقهة الصواريخ تصمّ الآذان عن سماع صوت العقل والمنطق السليم، وتغيب الحكمة، وتتراجع الأخلاق، وتذوى الإنسانية، ويكشر العنف عن ناجذيه ليحصد الأرواح بالآلاف والملايين، ويبقي عالمَنا حائراً يدور في أتون الحروب التي لا ترحم صغيراً، ولا تشفق على كبير، ويتربّى الأطفال في أجوائه السمومة بعيداً عن روح التسامح والأخوة والمساواة، والبحث عن الأمن والأمان والسلام العالمي.
دعنا نلقي نظرة عجلى، أو إطلالة على الشرق الأوسط، أو أفريقيا، أو جنوب شرق آسيا، أو شرق أوربا…، وما نراه من دمار، وإزهاق للأرواح، وتشرّد، وتشتّتت للعائلات، ونزوح عن البيوت، ولجوء إلى دول شتّى مجاورة أو غير مجاورة؟ إن ما تراه العين بشع، وتقشعرّ الأجسام لمرأى الأطفال والنساء والشيوخ المنهكين – بفعل العنف المتزايد أمام أنظار العالم – يذكّر بويلات حربين عالميتين خلال جيل واحد في القرن العشرين.
وفي العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين تتفجّر كرة العنف، وتلتهب مناطق كثيرة في أتونها بحروب تدمّر الإنسان والبيئة والطبيعة، وتقف الأمم المتحدة عاجزة عن إيقافها أو الحدّ منها، وعن تنفيذ قراراتها التي اتخذتها للحد من العنف المتزايد باضطراد، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة منذ أكثر من قرن، وعلى سبيل المثال؛ القرار رقم (194) في 11/12/1984 الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم، والقرار رقم (242) في 22/11/1967 الذين ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وعلى وحدة أراضي كل دولة واستقلالها السياسي ضمن حدود آمنة معترف بها، وأين القرار رقم (3379) في 10/11/1975 الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري، أو الصمت على البربرية والعنصرية التي تُمارسُ على الشعب الفلسطيني بإقامة جدار الفصل العنصري على الأرض الفلسطينية، أو ما حصل ويحصل في أفريقيا من مذابخ (رواندا وليبيا)، أو في جنوب شرق آسيا (مينامار)، ومؤخراً طال لهيبها أوربا في الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
منذ أكثر من أحد عشر عاماً في بؤر التوتر يكتوي البشر، ويحترق الشجر والحجر في تلك المناطق، وتُدمّر حضارة زاهية بناها الإنسان عبر العصور، فبأي حق يتمادى هذا العنف؟ ولماذا تطل على البشرية شرعة الغاب، وتعيدها إلى قرون سالفة تذكّر بويلات القرون الوسطى.
أُنشئت هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لتحدّ من العنف، وتحقق غاية إنسانية سامية، وتسعى للحفاظ على حياة الإنسان، وصون كرامته كي لا تتكرر ويلات الحرب التي شهدها العالم في الحربين العالميتين، ومؤكدة في ديباجة ميثاقها “نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف. وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدْره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية. وأن نضمّ قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي”؛ لكن ألاعيب الساسة الذين يمتلكون القوتين العسكرية والاقتصادية في سعيهم الدائب للسيطرة على مقدرات البشرية لم يتوقف، ويكفي أنهم أوجدوا ثغرة في ميثاق الأمم المتحدة تحقق لهم مصالحهم على حساب الآخرين، وهذا ما يدفع المرء للتساؤل: لماذا دعت الدول الكبرى المنتصرة في الحرب عسكرياً إلى إنشاء هيئة أممية جامعة للقرارات الدولية وميّزت نفسها بخاصتي العضوية الدائمة وحق الاعتراض/الفيتو في مجلس الأمن؟ أليس هذان الشرطان عاملين رئيسين لتسلط هذه الدول على الإجماع الدولي، والهيمنة على الشعوب الضعيفة، ونهب خيراتها وثرواتها، وبقائها عاجزة عن التطور الحضاري المنشود.
لقد آن الأوان للدول الأطراف في هيئة الأمم المتحدة أن تعيد النظر في ميثاق الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ليتساوى التمثيل للدول فيها إنسانياً تحقيقاً للعدالة، وتعزيزاً لمبادئ حقوق الإنسان التي نصت عليها الشرعة الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “يُولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضَهم بعضاً بروح الإخاء”. وفي العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان المدنيّة والسّياسيّة، وبالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، وما يتبعها من اتفاقيات ومواثيق أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصدقتها، ووقعت عليها الدول الأطراف فيها.
لن يتوقف العنف إلّا بالعمل الجماعي الجاد للوصول إلى عالم أكثر استقراراً وأمناً، يكره العنف، ويؤمن بالسلام، ويعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان، وإشاعة روح التفاهم والتسامح، وتعزيز الصداقة بين الشعوب كافة.