fbpx

حقوق المرأة في المواثيق الدوليّة والقانون الوطني السوري

0 88

تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذى اعتمدته الجمعية العامة في 10 ديسمبر 1948 تفصيلا لحقوق الإنسان وحرياته الاساسية، وتم تطوير الحقوق التي تضمنها الاعلان في شكل نصوص وأحكام قانونية واضحة ومحددة وملزمة للدول على نحو ما جسده العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللذان تم اعتمادها في 16 ديسمبر 1966 بقرار الجمعية العامة رقم 330 “د/31″، والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الأول، وقد تضمنت القوانين الوضعية وشرعة حقوق الإنسان عدة حقوق للمرأة كجزء من حقوق الإنسان وهي “حق الحياة، حق الايمان، حق التعليم، حق التعبير، حق المساواة في التكاليف والجزاء أمام الله، والحق في العيش بدون التعرُّض للعنف والتمييز، والتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة الجسدية والعقلية والحصول على التعليم، وحيازة الممتلكات؛ والتصويت، والحصول على أجور متساوية”.

كما صدرت عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية بهذا الخصوص منها: ” اتفاقية حظر البغاء واستغلاله 1949 واتفاقية منظمة العمل الدولية حول التوظيف المتساوي وإقرار مبدأ الأجر المتماثل مقابل العمل ذي القيمة المتماثلة 1951 واتفاقية الحقوق السياسية للمرأة 1952، واتفاقية جنسية المرأة المتزوجة وحقها بالاحتفاظ بجنسيتها الأصلية 1957، واتفاقية القبول الطوعي بالزواج والسن الدنيا للزواج وتسجيله 1962، واتفاقية اليونسكو ضد التمييز في التعليم 1960، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، واتفاقية إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة 1979 “سيداو”.

أهم المؤتمرات، المؤتمر الأول عقد في مكسيكو في العام 1976، والمؤتمر الدولي الثاني عقد في كوبنهاغن في العام 1980، ومؤتمر نيروبي الذي عقد في العام 1985، مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان في العام 1993، والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة ببكين.

وتعتبر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” لعام 1979 هي شرعة حقوق المرأة في القانون الدولي: وقد صدّقت معظم الدول العربية والإسلامية على هذه الاتفاقيات منها من صدّق عليها دون أي تحفّظات ومنها من صدّق عليها مع بعض التحفظات على البنود التي تتعارض مع خصوصيات بعض المجتمعات الدّينية والثقافية والاجتماعية. لدى مراجعة التحفظات التي أبدتها الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقية، يلاحظ أن هذه التحفظات قد استندت إلى ذريعتين: الأولى تعارض المواد المتحفظ عليها مع أحكام الشريعة الإسلامية، والثانية مخالفة هذه المواد لأحكام القوانين الوطنية.

أهم القضايا المعاصرة المرتبطة بالإسلام كمصدر للتشريع في الدساتير:

قضية الزواج المدني: التي تتعارض مع الشريعة بالنسبة لزواج المسلمة من غير المسلم التي تحرمه الشريعة الإسلامية بنص القرآن والسنة النبوية الشريفة بنصوص قطعية الدلالة والثبوت.

قضية المساواة بالميراث: أحكام الميراث في الإسلام تعتبر من النصوص القطعية الثبوت والقطعية الدلالة كونها فرضت في النص القرآني من حيث الورثة المستحقين ونصيب كل منهم.

مسألة حق الأهلية القانونية والحق في اختيار المسكن والسفر.

مسألة حق الأهلية القانونية والولاية والقوامة والزواج.

قضية الحرية الجنسية وزواج المثليين: الزواج في الإسلام من أهم أركان المجتمع المسلم وله فلسفته ومقاصده وغاياته التي تدور في إنشاء الاسرة المسلمة والتي هي نواة المجتمع على أسس وروابط شرعية بين ذكر وانثى كما فطرها الله، وإن كل علاقة خلاف ذلك فهي علاقة محرّمة سواء كانت بين ذكرين أو بين أنثيين أو بين ذكر وأنثى خارج إطار عقد الزواج الشرعي “كزواج التجربة، وزواج المتعة، وزواج “الفرند” الأصدقاء وزواج المثليين”.

قضية الاقتصاد الحر والمعاملات الربوية: الربا والغش والاحتكار والميسر معاملات محرّمة بنصوص قرآنية ومن السنة النبوية الشريفة وهذه النصوص قطعية الثبوت والدلالة، وكذلك العقود المحرّمة التي تخالف الأحكام الشرعية، والمعاملات التجارية والمالية التي تحكمها الشريعة الإسلامية.

المرأة ودورها في الدستور السوريّ:

إن المشرع الدستوري السوري والعربي حين اتجه ناحية تبني الإسلام واتخاذه دينا رسميا الدولة بنصه في الدستور يفيد هذ النص من باب مفهوم الموافقة إلى أن الإسلام يشكل الفكرة الهادية للدولة والمهيمنة على نظمها القانونية والسياسية والاجتماعية إذ تشكل قطب الرحى الذي تدور معه شرعية هذه النظم وجوداً وعدماً ويجعل منها حتماً مرجعاً لتشريع القوانين هذا زيادةً عن تحريم المشرع ذاته سنّ أي تشريع يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام وجعل هذه الأحكام مقياسا لصحة التشريع أو بطلانه لعدم الدستورية، وإلا فلا معنى لنصِّ الدستور الذي يقول: إنَّ دِين الدولة الرسمي هو الإسلام إذا كانتْ قوانينُ الدولة لا تُستمدُّ مِن التشريع الإسلامي ولو في بعضها.

وعليه فإن اعتبار الإسلام مصدراً للتشريع يعني فيما يعنيه بحكم العقل أن مصادر الإسلام ستصبح بالضرورة مصادر أساسية للتشريع تبعا لذلك الاعتبار، ومصادر الإسلام المُتصوّر استحقاقها وصف المصدر بالاصطلاح القانوني هي ما يتجسد بالمصادر الأصلية التي اتفق أهل الأصول والفقه الإسلامي على حجيّتها ووجوب بناء الأحكام عليها، وهي أربعة مصادر: القرآن الكريم، والسنة النبوّية، والإجماع، والعرف، وهو أمر يمكن رده إلى أن سوى هذه المصادر من المعروفة بالمصادر التبعية إّنما هي مصادر مختلف في حجيتها وجواز بناء الأحكام عليها فضلا عن أن حجيّتها والعمل بها ثَبُت في المصادر الأصلية سيما القرآن والسنة، إذ لا يجوز لأي مصدر اجتهادي أو تبعي أن يخرج عن دائرة النص الأصلي بمبادئه وقواعده الكلية وأحكامه التفصيلية سواءً تجسّدت مثلاً في القياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، وسدّ الذرائع.

الحديث عن المرأة في الدستور يعني التعريف بماهيّة الحقوق التي يضمنها لها الدستور سواء كانت قبل إعداده وصياغته ـ أو اثناء صياغته أو في مضامينه المتعلقة بالحقوق والواجبات، وتنبثِق هذه الحقوق من مبدأ المواطنة.

أولاً: المواطنة: نصّت الدساتير السوريّة المُتعاقِبة على أن المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون. وتعتبر المواطنة مُنطلق دستوري لتنظيم الحقوق والواجبات، وتنظيم الحرّيّات واحترام سيادة القانون، وترتكِز على الأسس التالية:

– احترام الحقوق: الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.

– التزام مُتبادل بين الفرد والدولة: المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون.

– المساواة: المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدّين أو العقيدة.

– العدالة: من خلال كفالة الدولة تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

ثانيّاً: العبرة للحقوق وليس لعدد الممارسين لها: ليست العِبرة عند الحديث مع حقوق وواجبات المرأة لعدد النساء المشاركات في العمليّة السياسية والدستورية وإنما العبرة لماهية وحجم حقوق المرأة التي يتم تضمينها في الدستور لأن الأصل هو إقرار الحقوق ثم حمايتها ثم تعزيزها من خلال ضمان المشاركة التي يلعب فيها الدافع الشخصي دوراً كبيراً في الإقدام أو في الإحجام رغم توفر المناخ المناسب لممارستها، ويعود ذلك إلى عدة عوامل منها الأعراف والتقاليد والتفرّغ وتكاليف الحياة، وأعباء رعاية الأسرة وغيرها من الأسباب والعوامل.

فقد ضمنت الدساتير السوريّة المتعاقبة للنساء المشاركة في المجتمع المدني جنباً إلى جنب مع الرجال سواء في الأحزاب السياسية أو في الهيئات الدستورية “الهيئات الانتقالية واللجان التأسيسية أو البرلمانات”، والمشاركة في كتابة وصياغة الدساتير الإعلانات الدستوريّة وسنّ القوانين والتشريعات، وفي تولّي الوظيفة العامة على كافة مستوياتها، وعضويّة الجمعيّات والمنتديات والنقابات المهنيّة… ومنها الحقوق الدستوريّة التالية:

1- لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية: وينظِّم أحكامها قوانين الأحزاب والانتخابات:

– حق المرأة الوصول إلى مواقع صنع القرار.

-حق المرأة في الانتخاب والاستفتاء.

-حق المرأة في توليّ الوظيفة العامة.

-حق المرأة في الانتماء للأحزاب السياسية، والجمعيّات ومنظّمات المجتمع المدني، والمنتديّات الفكريّة والثقافيّة.

-حق المرأة في المشاركة في السلطة التشريعية.

-حق الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل.

2- حرمة وحماية الحياة الخاصّة: وتضمنها النصوص القانونيّة الموزّعة على القوانين الجزائيّة العامّة والخاصّة:

– المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر من الجهة القضائية المختصة وفي الأحوال المبينة في القانون.

– سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها.

– الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها.

3- حق التملّك والتصرّف: وينظِّم احكامه القانون المدني وقانون الأحوال الشخصيّة:

– تلقي المال والتصرّف به على أي وجه ضمنته القوانين.

– الحق في الميراث.

4- الحق بالزواج وتكوين الأسرة: ينظِّم أحكامه قانون الأحوال الشخصيّة للمسلمين ولغير المسلمين:

– الحقّ في اختيار الزوج.

– الحق في تحديد المهر.

– الحق بالإنجاب.

– الحق بالإنفاق والرعاية الصحيّة.

– الحق في ميراث الزوج والأبناء.

– الحق في احتضان ورعاية الأطفال عند الفُرقة بين الزوجين.

5- حق العمل، وينظِّم أحكامه القانون المدني وقانون العمل.

– الحق بتلقّي الأجر.

– الحق بالضمان الاجتماعي والصّحيّ.

6- حرية الاعتقاد: كل اعتداء على الحرية الشخصية أو على حرمة الحياة الخاصة أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور يُعد جريمة يعاقب عليها القانون.

7- حريّة الرأي والتعبير: وينظِّم احكامها قوانين المطبوعات والنشر وقوانين تنظيم التظاهر وقوانين الأحزاب والنقابات المهنيّة والجمعيّات.

– الكتابة والنشر.

– حق التظاهر السلمي.

– حق تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية.

8- الحق في الحصول على الجنسية العربية السورية: وينظم أحكامها القانون المدني وقانون الأحوال المدنيّة وقانون الجنسيّة.

وعليه نجد أنّ الدساتير السوريّة والقوانين الوطنيّة المُتعاقِبة منذ عهد الاستقلال تتضمّن الحقوق والواجبات والالتزامات التي أرساها وأقرّها القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدوليّة والتي كرّسها العهد الدولي والإعلان الدولي لحقوق الإنسان، والتي لم تتعارض مع قوانين الداخليّة ولا مع دساتيرنا التي تستند الى الفقه الإسلامي في سنّ التشريعات والقوانين، ومشكلتنا في سوريّة ليست مشكلة نصوص، وإنما هي مشكلة لصوص قرصنوا السلطة واستبدّوا وعطّلوا كل هذه التشريعات والقوانين على مدى أكثر من 60 سنة.

كما يمكننا استخلاص النتائج التالية: مما سبق من أدلة وبراهين من نصوص قانونيّة ودستوريّة وأراء فقهيّة نجد أن:

1- المرجع في تقرير الحقوق وحمايتها وتعزيزها هو العهد الدولي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية.

2- اتفاقية السيداو، وغير من الاتفاقيّات هي اتفاقيّات على أساس الفئة وبالتالي أمر تطبيقها مرهون بأمرين:

–      عدم تعارضها من الفقرات “الفقرة 2 من المادة 2 و3 من المادة 19 والمادة 18 و4 من المادة 23” من العهد الدولي.

– احترام المبادئ الاساسيّة لميثاق الأمم المتحدة وهي: المساواة الكاملة بين الدول واحترام السيادة الوطنيّة، واحترام السيادة الداخليّة ” الاستقلال السياسي والذي أهم صوره “الدستور والتشريع وسنّ القوانين”.

3- ظهور العولمة القانونية أولاً في القانون الدولي الخاص “الاقتصاد والتجارة العالمية” لتنتقل الحقا إلى القانون الدولي العام “القضاء والقانون الدولي الجنائي”. ويتم العمل على فرضها بما يتعلّق بالأديان والعقائد والخصوصية التاريخيّة والاجتماعية والسيادة الوطنيّة، العولمة القانونية وعلى رأسها العولمة الجنائية تكتسي أهمية كبرى خاصة فيما يخص بمحاربة الإفلات من العقاب وتحقيق الردع، الذي من شأنه حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية زمن السلم والحرب، فالعدالة والإنصاف لم تعد اليوم مصلحة وطنية فقط بل أضحت مصلحة دولية، الامر الذي قد فرض تحديات كبيرة على الدول، خاصة تلك التي تعاني تخلفا اقتصاديا وبؤسا حقوقيا، لم يعد بوسعنا سوى الاستجابة لها، مع مراعاة الحذر من الهيمنة وضرورة الحفاظ على السيادة الوطنيّة والاستقلال السياسي، ومجابهتها بطرح حضاري رصين يعبر عن هويتنا بكل أبعادها.

4- العلاقة بين المنظمات غير الحكوميّة الدوليّة وبين الأمم المُتحدّة هي علاقة ” استشارية ” وهي ليست جزء من المنظمات الفرعية للأمم المتحدة المحدّدة في ميثاق الأمم المتحدة المنصوص عنها في الفصل العاشر المواد “61 إلى 72” المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي تبقى أعمالها ونشاطاتها في إطار “الاستشارة” غير المُلزمة لا للأمم المُتحدة ولا لأيٍّ من الدول الأعضاء منفردة. وبالتالي فإن أي تجاوز هذا الدور من قبل هذه المنظمات بحق أي دولة يعتبر من اعمال انتهاك السيادة الوطنيّة والتدخّل في الشؤون الداخليّة لها.

5- أن مفهوم المواطن في الدستور والقوانين الوطنيّة ينصرف إلى الفرد بغضّ النظر عن جنسه “ذكراً كان أم أنثى” وبالتالي إن توزيع الحقوق والواجبات الدستورية يقوم على المساواة والعدالة بين الجنسين.

وبالتالي لا مكان لمصطلحات ومفاهيم الحركة النسويّة المُتطرِّفة بين نصوص الدستور، لأن مفهوم الجندرة والنوع الجندريّ، والنوع الاجتماعي والهوية الجندرية، والتوجه الجنسي، والمساواة الجندرية، العدالة الجندرية، المتحولون جندريّاً، المتحولون جنسياً، مفاهيم دخيلة وشاذّة عن الفِطرة الإنسانيّة ولا تأتلف مع القيم والأخلاق والعادات والأعراف وحتى العقائد الدينيّة في سوريّة وإن أية محاولة لفرضها على المجتمع السوري عِنوةً ستؤدي إلى تفكّك هذا المجتمع وانحلاله وإلى انهيار منظومته القانونيّة والدستوريّة التي تمسّ أكثر من 95% من المسلمين السُنّة ومن غير المسلمين من أهل الكتاب في أحوالهم الشخصيّة والمدنيّة وفي معاملاتهم التي تحكمها قواعد شرعيّة هي من أصول العقيدة التي يحرُم مخالفتها.

الاستراتيجية التي يمكن من خلالها حماية وتعزيز حقوق المرأة السورية:

إن المرأة هي كائن خلقه الله ليؤدي وظيفته في استخلاف في الأرض واستعمارها فهي شطر الإنسان ورحمه وحضنه ومصدر حياته وامتدادها، فالكون لا يعمر بدون تزاوج بينها وبين الرجل وتنعدم الحياة عند فقدان القدرة على التكاثر، وإن استخلاف واستعمار الأرض يستدعي تحمل المسؤوليات التي تتوزع إلى خاصة ومشتركة، وإن الحاجة لتنظيم هذه المسؤوليات أنتج مجموعة من القواعد التي تحدد الحقوق والواجبات لكل منهما، ومرّت هذه الحقوق والواجبات في مراحل مختلفة بين الحرمان والنكران وبين الاحترام والتقدير، ومع تطور البشرية تطور معها مفهوم الحقوق والواجبات الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم الحرية التي أيضا تنازعتها تيارات معتدلة وأخرى متطرفة تحوّلت قضية تحرير المرأة من قضية حقوقية إلى قضية تحرير الانثى.

إن العلاقة بين الدول فيما بينها، وفيما بينها وبين رعاياها وشعوبها تحكمها ثلاثية: القانون الدوليّ، الدستور، القانون الوطنيّ، الدستور هو واسطة العقد وهو الأساس في تحديد شرعيّة علاقة الحُكم الوطني بالمجتمع الدوليّ، وهو الأصل في تحديد شرعيّة القوانين الوطنيّة واللوائح والأنظمة الداخليّة، وإنّ إعداد وصياغة الدساتير الوطنيّة هو حقٌّ أصيل للشعوب وليس من حق السلطة أو أيّة دولة أجنبية أو حتى الأمم المتحدة لأنه يتنافى مع أسس القانون والعُرف الدوليّ وميثاق الأمم المتحدة التي تقوم على مبدأ المساواة بين الدول، واحترام السيادة الوطنية والاستقلال السياسي التي تمنح هذه الدول حصانة من التدخل الأجنبي، وحق الدفاع المشروع عن السيادة ومظاهرها والخارجية الداخلية ومنها “صياغة الدستور وسنّ التشريعات والقوانين وإبرام المعاهدات والاتفاقيّات الدوليّة والاقليميّة والثنائيّة والتوقيع والتحفّظ عليها.

احترام العرف الدستوري ومن قواعده قاعدة “الفقه الإسلامي كمصدر للتشريع” التي أصبحت من المسلمات الدستورية العربية والإسلامية وعرفاً دستورياً وحقّاً دستورياً للمسلمين في سورية يكفل لهم الحفاظ على شريعتهم واحكام عقائدهم وثقافتهم وحياتهم والنص في الدستور على عدم قابليته للتعديل، وعلى امكانية الطعن بدستورية التشريعات والانظمة التنفيذية لمخالفتها لأحكام هذا النص واعتبار أحكام المحكمة الدستورية حجة قطعية ملزمة للكافة، وإكساب قرارات الإلغاء صيغة التنفيذ المعجّل.

إن الدعوة الى استبعاد الدين والفقه الإسلامي من الدستور لا محلّ لها كون هذه المادة ضمنت احترام “حريّة الاعتقاد” وحريّة ممارسة الطقوس والشعائر واحترام الشرائع السماويّة، وضمنت المساواة بين الطوائف وبين الاكثريّة المسلمة في سوريّة من حيث التشريعات الخاصّة بالأحوال الشخصيّة واحكام الميراث والوصيّة، الأمر الذي يوجب على المعارضة السوريّة بكافة أطيافها الكفّ عن دعوات “حياديّة الدولة عن الدين” أو استبعاد الإسلام من الدستور كدين رئيس الجمهوريّة أو كمصدر للتشريع كما يجب الكفّ عن محاولات فرض القيم العلمانيّة “المُتطرِّفة” على الشعب السوري والتي تتناقض مع شرائعه ومع قيمه الاخلاقيّة وتراثه الحضاري.

إن كرامة المرأة تأتي من وضعها في موضعها اللائق بها، من حيث علاقتها بالرجل والمجتمع البشري كله، ضمان حقها في العبادة والتملك والتصرف، والتعلم والتعليم وغير ذلك مما تتساوى به مع الرجل مع مراعاة الاستعدادات والطبيعة التي خلق عليها كل منها وهو أصل التنسيق بين الاطراف التي لا يستغني فيها طرف عن آخر. لذلك ننصح بما يلي:

– إدراج مقرر الثقافة القانونيّة والدستوريّة ضمن مناهج التعليم التي تُعرِّف بالحقوق الأساسية للإنسان وسبل حمايتها وتعزيزها، وتكريس ثقافة احترام حريات وحقوق الأخرين الخاصة التي تنبع من خصوصيتهم الثقافية أو العرقية أو الدّينية وضمان ممارسة هذه الحقوق بحرية وأمان، والتفريق بين دعوات تحرير المرأة وبين تحرير الأنثى وبين حقوق المرأة وبين المفاهيم المتطرفة لقضية الحقوق.

– نشر الوعي الدستوري والقانوني بين المواطنين وخاصة المواطنين من غير المسلمين بجوهر نص “الفقه الإسلامي كمصدر للتشريع” وفلسفته القائمة على العدالة والمساواة بين الموطنين وحقيقة الآثار الإيجابية التي تنجم عن تطبيقه حتى لا يُساء فهمه أو يؤّول مدلوله بشكل ينحرف به عن الغاية من تشريعه، وبثّ روح الطمأنينة في نفوسهم ونشر مظاهر الاحترام لشرائعهم، وحريتهم بالاعتقاد التي تكفلها نصوص الدستور الأخرى

– إدخال مفهوم الأسرة في مناهج التعليم في المراحل المختلفة مستقاة من الشريعة الإسلامية الحنيفة، والتعريف بحقوق المرأة والطفل وواجباتهما التي لا يجوز حرمانها منها أو الانتقاص منها أو التعرض لها بدون وجه حق أو مسوِّغ شرعي أو قانوني.

– تكثيف الدورات التثقيفية الحقوقية والاجتماعية والدّينية للشباب من كلا الجنسين بما يتعلق بحقوق المرأة ودعوات تحريرها وشرح كافة الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل وكذلك مشروعات القوانين من قبل أهل الاختصاص من علماء الشريعة والقانون ووزنها بميزان الشرع، وبيان ورفض ما يتعارض منها مع أحكام الشريعة الإسلامية

ضرورة إيجاد هيئة أو منصّة “قانونيّة سياسيّة اجتماعية فكريّة” تضمّ مفكّرين وباحثين تربويين قادرين على التحرّك ومواكبة حركة العولمة المتسارعة التي تجتاح مجتمعاتنا في كل مفاصلها “الفكرية والسياسيّة والاجتماعيّة والقانونيّة والدينيّة والاخلاقيّة…”، وأن تكون هذه الهيئة مرجعية ثقافية وعلمية وقانونيّة وتربوية لكل نشاط من هذا النوع. وأن تنبثق عنها مكاتب فرعيّة داخليّة وخارجيّة تقوم بتنفيذ برامجها المتنوّعة، من مسح واحصاءات ودراسات وبرامج تنفيذية وآراء وأفكار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني